حسب الإحصائيات العالمية، يشكل الذكور %70 من الأطباء، بينما تشكل الإناث أكثر من %71 من العاملين في التمريض. إنه اختلال بين في التوازن بين الجنسين في المهن الصحية على المستوى العالمي. على المستوى الوطني، تتصدر الصحة قائمة القطاعات من حيث نسب التأنيث حسب الإدارات العمومية ب 58,75%، في حين تشير مصادر أخرى إلى أن الحضور النسوي يسجل أعلى مستوياته في مجال التمريض بنسبة تفوق %65 . إذن، فكيف ينعكس معطى تأنيث مهنة التمريض على التمثل الاجتماعي لها وعلى الأجور وفرص التطور المهني لممتهنيها؟ بتعبير آخر، أيعقل ألا تستجيب الحكومة لمطالب الممرضات فقط لأنهن نساء؟ إذا كان التفاوت في مجال العمل حقيقة، فالعديد من الدراسات الاجتماعية فسرته بمنظور النوع الاجتماعي، حيث تختلف على أساسه الأجور وظروف العمل ومناصب المسؤولية وفرص التطور المهني؛ يتمظهر ذلك من خلال ميل مجالات استخدام المرأة في النطاق العام إلى التركز في المهن الوسطى والمتدنية في التراتب المهني، كما أنها دون مستوى الدخل الذي يحققه الرجال . دائما ما تكون المهن ذات الغالبية النسائية هي الأقل أجورا، بشكل منهجي، أكثر من المهن «الذكورية»، بدون أن يمكن تفسير هذه التفاوتات بعوامل التجربة وساعات العمل والمستوى الدراسي والتنقيب ، تأكد هذا في مقابلة مع إحدى البرلمانيات التي صرحت لنا أن الفاعل الحكومي يعتقد أن لا مشكل إذا تطورت المهن ذات الغالبية النسائية ببطء، ومن ضمنها التمريض، فالنظام السياسي مطالب بتلبية الحاجيات الاجتماعية وتوزيع الموارد على أفراد المجتمع، ولكنه يفكر بطريقة ذكورية، فلا يلقي بالا للمطالب الاجتماعية للمهن ذات الغالبية النسائية كالتمريض. طبعا، يتعلق الأمر قبل كل شيء بالأحكام النمطية اتجاه النساء، حيث أنهن –حسب التمثل الجمعي- لا يحتجن لموارد كثيرة، فأجر المرأة مجرد دخل إضافي و تكميلي للأسرة، وللأسف، يوجد تسامح سياسي وقبول اجتماعي لهذا الأمر. في قطاع الصحة والقطاعات الأخرى، تعتبر مشاركة النساء في مواقع «القيادة» واتخاذ القرار ضعيفة، هذا التهميش يتم تعميمه على الرجال والنساء على السواء إذا تعلق الأمر بالمهن ذات الغالبية النسائية، ومنها التمريض. كلما حاولت الممرضات الولوج إلى دوائر صناعة القرار يصطدمن ب»سقف زجاجي» أي مجموع من «الحواجز المصطنعة والغير مرئية». في الواقع، يمكن للممرض والممرضة اجتياز هذا الحاجز إذا وفقط إذا كان حاملا لشهادة جامعية وغير الإطار إلى متصرف، أو تابع دراسته في سلك الدكتوراه العلمية ليلتحق أستاذا مساعدا بالمعاهد العمومية للتدريب في مهنة التمريض أو تابع دراسته في مجال الطب، أي إذا قرر التخلي عن مزاولة مهنة التمريض! يجب تلوين هذا السقف الزجاجي حتى يسهل تكسيره. من الأمثلة الدالة على ذلك، بعض مناصب المسؤولية في المناطق المتصحرة تنمويا والمحسوبة على المغرب غير النافع التي لم يترشح أحد لشغرها، فقط لأن إعلان الترشح يشترط طبيبا في حين كان بالإمكان أن تترشح لها بعض الممرضات اللواتي درسن خمس أو ثمان سنوات بعد الباكالوريا من حملة السلك الثاني شعبة تسيير المصالح الصحية أو حملة دبلوم المدرسة الوطنية للصحة العمومية أو المدرسة الوطنية للإدارة. في حقل السلطات الموازية ومؤسسات المجتمع المدني، نقابات المهن ذات الغالبية النسائية كالممرضات غالبا ما تجد صعوبات في التفاوض والضغط من أجل تحقيق مطالبها مقارنة مع نقابات المهن ذات الغالبية الذكورية، فالفضاء العام يحتكره الذكور لأنه موطن السلطة والثروة والموارد، كما أن المجتمعات المحافظة لا تقبل ولا تصنع قيادات نسائية بما فيها المجال النقابي. لنلق نظرة على مشهدنا النقابي، حضور المرأة ضعيف جدا على صعيد تمثيلية الأجراء والأنشطة النقابية إذ لا تبلغ 0,38%، ولا توجد منظمة ترأسها امرأة فبالأحرى ممرضة، وطبعا رئيس المنظمة سيفاوض من أجل مصالحه ومقربيه وجنسه ثم فئته التي ليست هي التمريض، وفي الأخير سيلقي بعض الفتات من أجل الممرضات. في القطاع الخاص، يصبح التمييز على أساس الجنس مضاعفا، حيث تفيد المشاهدة الميدانية ومقابلة مع ممرض خبر العمل في القطاع الخاص إلى ما يلي: تحوز الممرضات على أجور هزيلة مقابل القيام بعمل متساو القيمة يقوم به الممرضون الذكور، كما يقبلن العمل في ظروف سيئة ويملن لرفض التنقيب ويسهل تخليهن عن الاستقلالية المهنية. هذه العوامل السابقة قد تسعفنا لتفسير ضعف الاستجابة لمطالب الممرضات في المغرب، سواء المتعلقة بالولوج للموارد (الإنصاف في الأجور والتعويضات) أو صناعة القرار (مناصب المسؤولية)، أو ذات العلاقة بالتكوين والتقنين والتمثيل. ففئة الممرضات تعرف تراجعات بدون مقاومات تقريبا حتى أصبحن محرومات من متابعة الدراسة ومن كل إمكانية للترقي المهني تقريبا، إنهن الموظفات الوحيدات في المملكة المغربية اللواتي يصنفن في السلم 9 بعد 3 سنوات من الدراسة، واللواتي صبرن لأزيد من 13 سنة على الفاعل الحكومي لإصلاح نظام تكوينهن الأساسي حتى يواكب الإصلاح البيداغوجي، وربما من الطرائف أن ثورة التكوين الجامعي للممرضين اجتاحت العالم الفرانكوفوني (الإفريقي خصوصا) انطلقت بعد مؤتمر الأمانة العامة لممرضات وممرضي الفضاء الفرانكوفوني والذي عقد بمراكش سنة 2009 تحت الرعاية السامية لجلالة الملك، لكنها ثورة أجهضت مرارا وتكرارا في المغرب. يضاف إلى ذلك أن هذه الفئة هي الأكثر تعرضا للعدوانية ولمتطلبات أكثر إلحاحا من قبل الساكنة التي ترتاد مؤسسات الخدمات الصحية الأساسية. كخلاصة، فالنظام السياسي والقطاع الخاص ميال لعدم الاستجابة للمطالب الاجتماعية للمهن ذات الغالبية النسائية، وعلى رأسها التمريض. إنه تهميش منهجي وتاريخي لمطالب الممرضات والممرضين يحظى بتسامح اجتماعي، والمؤسف أن المواطن هو الذي يؤدي ثمنه من جيبه وصحته ورفاهيته في نهاية المطاف.