توقعات أجوال الطقس اليوم الإثنين    "اكتساح قسنطينة" يفرح البركانيين    قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجيل الجديد» لهجرة مواطني جنوب الصحراء نحو المغرب
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 02 - 2016

مع هذا التدفق الكبير لهجرة» النوع» من دول جنوب الصحراء نحو المغرب، أسئلة كبيرة تفرض نفسها، تدعو الدولة المغربية إلى تعزيز القدرات في مجال القوانين الوطنية والدولية، ذات الصلة، وكذا إبراز أنشطة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين «والمهاجرين» بالمغرب، وأدوارها في حماية المهاجرين ومناقشة إشكالية الحماية على الحدود واستراتيجية الإدماج والإندماج للمهاجرين واللاجئين ..بصوت تشاركي مسموع
هجرة غير شرعية علنية
لا يتفق المحامي غسان باحو أمرسال، مطلقا مع اعتبار المهاجرين القادمين من الدول الإفريقية بالمهاجرين السريين، فهذا التوصيف برأيه بات متجاوزا، ولتوضيح الصورة أكثر يقدم كرجل قانون المبررات الكافية لذلك، فهم برأيه انتقلوا من المرحلة التي كانوا فيها قبل سنوات يعبرون عبر الجبال و الغابات، ويختبئون فيها، ويحاولون التسلل لهوامش المدن من أجل اقتناء مستلزماتهم، وتطاردهم أجهزة الأمن من أجل ترحيلهم بعد محاكمتهم، إلى مرحلة جديدة» يضيف المحامي بهيئة فاس «حيث تحولوا فيها إلى مهاجريين غير شرعيين علنيين، يتحركون بحرية في المدن، ويحتلون مفترقات كبريات الشوارع إلى جانب نساء وأطفال وشباب يحترفون التسول و بيع المناديل الورقية إلى درجة التعايش في بعض الأحيان». إن مقاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، بشكل عام تبدو من القضايا التي أخذت حقها من الاستهلاك الإعلام، لكن عندما ترتبط بالنساء تصبح قضايا الاغتصاب وأعمال منافية للمواثيق والقوانين الدولية مصدرا للتأمل والتألم، فالأمر جريمة لا يمكن السكوت عنها، ليس لما لها من تداعيات مجتمعية كإفراز طفولة هجينة بآثار نفسية صعبة ، نتيجة العلاقات الجنسية غير السليمة التي قد تكون سببا رئيسيا في نقل وانتشار العديد من الأمراض كالسيدا، وغيرها، ولعل ما حدث في إحدى الزوايا غير المحروسة بالعاصمة العلمية للمملكة، ذات ليلة، يشكل حالة صارخة لهذه المأساة، حيث وصل الأمر إلى حد ولادة مهاجرة أفريقية في مكان عمومي. ولأن هؤلاء الإفريقيات المتسولات تعشن وأطفالهن وبناتهن على الممرات وفوق الأرصفة فلا أحد يهتم بوضعهن خلال حلول الظلام. حيث كل الأمكنة غير آمنة، باستثناء وسط المدينة الجديدة، وبالقرب من المحلات التجارية الكبرى ودوائر الشرطة، أما الباقي فهي معاقل للانحراف ليس إلا. ويستشهد المحامي بهيئة فاس بتقارير صحفية إسبانية على الشبكة ، تؤكد أن المغرب تمكن من إنقاذ 2723 مهاجرا غير قانوني عام 2015 كانوا على متن قوارب في طريقهم إلى السواحل الإسبانية، فيما أنقذت فرق الإنقاذ الإسبانية ما مجموعه 4232 حيث ارتفع العدد بألف شخص عن سنة 2014 . هذه الأرقام تسائلنا ، يوضح أمرسال، كمجتمع كما تسائل مؤسساتنا عن الظاهرة في بعدها الإجتماعي أولا، وتأثير ذلك على بنياتنا الاجتماعية في المستقبل. خصوصا في ظل أوضاع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا والتحولات البنيوية والمتسارعة التي أصبح يعرفها المجتمع المغربي بتعدد و تعقد مشاكلها الراهنة . من ناحية ثانية ، يرجع المتحدث ذاته أسباب هذا التدفق من المهاجرين من دول جنوب الصحراء إلى مشاكل الفقر و المجاعة والنزاعات المسلحة التي تعرفها القارة السمراء جنوب الصحراء، لكن حرص الاتحاد الأوروبي بدوره على إغلاق حدوده في وجه هؤلاء المهاجرين، وتطوير آليات منع نفاذيتهم باعتماد الأسلاك الشائكة والرادارات وطائرات المراقبة و الكاميرات الثابتة على الحدود وأمام مرونة تعامل الجانب المغربي مع هذه الفئات من خلال مراعاة الجانب الحقوقي واحترام المقتضيات الدستورية والاتفاقيات الدولية في هذا الشأن. يستحضر أمرسال مضمون إعلان مشترك للإطلاق الرسمي لمشروع تعزيز إدماج المهاجرين الاجانب بالمغرب والممول من قبل الاتحاد الاوروبي الذي وقع عليه المغرب بتاريخ 17 أبريل 2015، وذلك من قبل الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة مع المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية والمواطنة Dimitrisavramopouos بغلاف مالي يقدر ب10 ملايين أورو في إطار برنامج الشراكة من أجل التنقل (الاتحاد الاوروبي /المغرب) ولعل صباح يوم الثلاثاء الماضي سيشكل ظاهرة لافتة بفاس، حيث ستعرف مدارة حي النرجس طريق صفرو وحدها توافد أكثر من 20 مهاجرا من جنوب الصحراء من بينهم نساء بأطفال، بينهن لاجئات سوريات، فيما توزع العشرات أفرادا في مختلف نقاط العبور بالمنطقة في أكبر تجمع للتسول بالعاصمة العلمية ، التي تعرف تدفقا غير مسبوق لهؤلاء بمعدل يناهز مابين 40 و50 مهاجرا يوميا، لا مجال للحديث عن تردي حالهن، وبؤس مظهرهن: السؤال الى متى سيظل المغرب فاتحا حدوده على مصراعيها؟ وهل تدرك الدولة المغربية انه سيأتي يوما يكون فيه الوضع خارج نطاق السيطرة!! نشفق لحال هؤلاء وأولئك، ولكن الخطر قادم والأسوأ لا محالة».
ضرورة اليقظة
لكن يجدر طرح سؤال مركزي، سيما أن هناك من يجعل هؤلاء المهاجرين يعتبرون وبفهم خاطئ بأن لهم حقوقا تجاه المواطنين المغاربة، وبأن المواطنين المغاربة ملزمون بتقديم المساعدة لهم، والإعانة لهم قد تشكل في بعض الأحيان مظهرا للاستفزاز في حال عدم تقديم المعونة، في هذا السياق، يوضح الأستاذ أمرسال انطلاقا من أمثلة صارخة لهذا الفهم، مستشهدا بما وقع بطنجة خلال سنة 2015 حيث احتلوا اقامات سكنية في طور البناء. ويرى المتحدث أن على الحكومة اتخاذ تدابير واعتماد استراتيجية حقيقية وواضحة من أجل حماية هذه الفئات ضد كل أشكال العنف التي من الممكن التعرض لها، وكذا الحق في التطبيب والخضوع الإجباري للمراقبة الطبية لتطويق الحالات التي من الممكن أن تحمل من بلدانها أمراضا وأوبئة قد تؤدي لكوارث لا تحمد عقباها. كما يجب حمايتهم ضد ظاهرة الاتجار في البشر وتقديم المساعدة للحوامل و المرضعات والنساء منهم وتوفير الإيواء اللائق في انتظار تسوية أوضاعهم أو ترحيلهم بالإضافة إلى منحهم الحق في اللجوء إلى العدالة متى تعرضوا لأي نوع من انواع الاعتداء. ويرى أن الظاهر ناقوس الخطر يستعجل الحكومة للمبادرة، واتخاذ ما يلزم خصوصا وأن بعض الدول الإفريقية تعرف نشاطا للخلايا الإرهابية وجماعات التطرف، كما أن الأمن الصحي للمواطنين المغاربة يستعجل ذلك تجنبا لانتقال الأمراض والأوبئة التي تعج بها بعض مناطق إفريقيا. إذن فدواعي التدخل والحماية هي ثنائية القطبين، من جهة حماية المهاجرين غير الشرعيين وحماية المواطنين المغاربة في ظل أرض تتسع للجميع، وعرفت عبر التاريخ بأنها ملتقى التعدد والانصهار الهوياتي والثقافي من أجل مغرب إنساني منسجم مع مبادئه وتطلعاته».
أسئلة التسول وتداعياته
الحسناوات الإفريقيات المهاجرات الواقفات على الرصيف من الجانبين يتهامسن ويتجاذبن الحديث فيما بينهن دون عقد، كما لو كن في بلدانهن الأصل ، وخلال 50 ثانية وقوفا أمام الشارة الحمراء ، كنت أتأمل ابتساماتِهن الحذرةِ الملغّمة.. كنت أستطيع التمييز بين تلك الكيدية المصطنعة، وهناك على الجانب الآخر من الرصيف ثمة فوج نسائي قادم، كانتْ خطواتُهن عريضة ومثقلة، حتى وهي سريعة ومرفقة بتمائم و همهمات خافتة وأحيانا مرتفعةً . إن رصد سمات الخجل المفتعل الذي يمكن إنتاجه على ملامح هذا الجيل الجديد من الأمهات الإفريقيات المهاجرات، وهنّ يجتهدن في ترميم ظهورهن التي قصمها وهن المسافات، وسحناتهن التي لوحتها شموس الصحاري وتعديلها لتناسب ضيق الرصيف، لا يحتاج إلى كبير عناء. في الطريق إلى الأكاديمية هذا الصباح كان رذاذ المطر يستكشف بوهن مساحات الأرض العطشى، ويزرعها تفاؤلا ضدا على سياسة الحكومة الفاشلة. ورغم أن إيقاع السير على الشارع كان متوسط السرعة، إلا أنه ظل يسمح بالتقاط كلمات وجمل مفككة للعابرين، كما يغري برصد ابتساماتِ الشابات الإفريقيات بأسنانهن القوية الناصعة البياض وبملابسهن المزخرفة اتساخا، وهن يتكدسن على جانبيْ الممرات الممحوة، ومدارات العاصمة العلمية المخبولة هذه الأيام، شابات مابين 16 ربيعا والثلاثين، تحولن فجأة إلى أمهات رغم أنفهن. أطفالهن فوق ظهورهن ، أو يتسلقن قامتهن ببراءة وعيونهن ممتلئة بالأمل القاتم ، ورغم أني لم أكن على مقدرة لتفكيك دلالات ورموز كلماتهن المبعثرة ، لكنّي بالمقابل كنت استطيع التمييز أن قاسمها المشترك هي الحرمان و«التسول». وبين اللحظة العابرة وتلك الضحكات «الخبيثةَ» التي كن يدورنها بينهن ، وهن في وضعية يحسدن عليها، كان البؤس الإفريقي ونموذجه الصارخ جنوب الصحراء محور تفكيري ومركز الأزمات في ذاكرتي المشتعلة. حينما سألت إحداهن عن اسم رضيعها الذي تحضنه فوق ظهرها بحنان غريزي ككل أمهات الأرض، ترددت لحظات قبل أن يفتر ثغرها عن ابتسامة خبث مضمخ بكبرياء نازل وكما لو كانت تنقب عن اسم لأول مرة ،تاهت لحظة، لكنها سرعان ما قفزت بفرح وهي تقول» ما كمبا.. إنه صغيري ما كمبا.. نعم إنه كذلك... وقررت لحظتها أن لا أزرع الملح في الجرح بسؤالي عن أبيه، لكني سرعان ما سألتها عن موطنها وفيما إذا كانت على صلة بوالد طفلها، هنا آظلمت الدنيا أمام أم ماكمبا، وانهارت الشابة الكامرونية ذات الخامسة والعشرين من عمرها، وكادت تسقط أرضا، وبدت ملامحها أكثر يأسا ولم يعد يربطها بالعالم سوى احتقان مشروخ وذكريات يابسة.. ولعل البحث عن الاستقرار خارج الحدود لدى المهاجرين الأفارقة عموما، والنساء منهم على نحو خاص مأساة حقيقية، بريئات يسقطن فرائس سهلة في أحضان ذئاب بشرية لا ترحم، ولا معنى للكرامة والإنسانية في قاموس حياتها، اغتصابات بالجملة ودماء تسيح، تحرش واعتداءات بكل البشاعات الممكنة، يتعرضن لها عبر مسار رحلتهن التي ابتدأت من دون أن تعرف لها نهاية ، ولم يكن المعتدون سوى فئة من قطاع الطرق والصعاليك وأفراد العصابات من شبكات الترويج لكافة أنواع المخدرات. والنتيجة طفولة بلا أفق رحيم. وعلى الرغم من كونهن متسولات، فإنهن يتسمن بقدر من المعرفة والجمال ، ما يجعلهن عرضة للتحرش الدائم دونما حماية من جهة ما، فلا تسلمن عبر تنقلهن من عمليات الاغتصاب الفردي و الجماعي في مختلف محلات الإقامة والمعابر ليلا ونهارا، إذ في ظل هذه الظروف الصحية واللا إنسانية الصعبة التي يتخبط فيها هؤلاء المهاجرات يبدو تغاضي المسؤولين واضحا وجليا في إيجاد الحد الأدنى من الحماية وتوفير الحد الأدنى من الكرامة التي تليق بالبشر. من ناحية ثانية، تعد هذه الحالات مناسبة سانحة للمنحرفين وذوي السوابق وأبناء الليل لتحقيق رغباتهم الجنسية مستعملين كافة الوسائل بما في ذلك القوة، حيث يكون الاغتصاب جماعيا وبالتناوب، في مشاهد غير إنسانية وغريبة، وهنا لا يمكن الحديث عن العلاقة الجنسية المهزوزة والمرتبكة، بل عن الأضرار الصحية التي تنجم جراء هذه العلاقات غير السليمة والخالية من أبسط شروط الصحة والسلامة. ولكون معظم هذه الحالات تظل خارج إطار التبليغ،فلا وجود لإحصائيات رسمية حول عدد الشكايات المرفوعة للدوائر الأمنية وغيرها، إلى ذلك، بات مشهد نساء مرفوقات بفتيات صغيرات بأبرز نقط العبور بشوارع المدينة ديكورا يوميا، فكل المدارات والشوارع الكبيرة شاهدة على هذه «المأساة الإنسانية» التي لا تقلق أحدا، حيث التسول نهارا والاغتصاب ليلا. ويخشى سكان العمارات بوسط المدينة ممن استقت جريدة الاتحاد الاشتراكي آراءهم حول الظاهرة من اتساع وخطورة هذا النوع من الدعارة ويناشدون السلطات مراقبة هؤلاء أو ترحيلهن إلى بلدانهن الأصلية إذا اقتضى الأمر ذلك، حفاظا على صحتهن وسلامة المواطنين المغاربة من أي خطرمحتمل.
تجمعات عشوائية..
شيئان يوحدان جموع المهاجرات والمهاجرين الأفارقة اللون الأسمر والتسول. ولأن مشاكل العاصمة العلمية تستعصي على الإمساك، مختلفة، متعددة ومتباينة، فإن ما أفاض الكأس هذه الفئة من المهاجرين الأفارقة من مختلف الجنسيات، الذين يتدفقون يوميا عبر الطريق السيار قادمين من الجهة الشرقية، يتجمعون في معسكرات جماعية ،في المعابر والممرات والمدارات والشوارع، ويحتلون بقعا، سواء في محطة القطار أو في مختلف الزوايا والركنات الظليلة، على أعتاب المساجد وأرصفة العبور، هناك إفريقيا العميقة حاضرة بكل تاريخها الأخضر واليابس، أجساد قوية مفتولة وأخرى هدها السفر. من أين أتيت؟ سألتها عبر نافذة سيارتي. ابتسمت بخجل أنثوي ككل جميلات الكون ثم أجابت «من الكامرون.. واو.. كل هذه المسافة... من الكامرون الى فاس؟ وكيف قطعتها؟ ترد بكبرياء أوتوسطوب أقدام... ثم تغادرني، من دون أن تأخذ شيئا تفاديا لتفاصيل قد تكون موجعة.. في أقوى تحد للسلطات المحلية، هناك جانب غير مأهول من محطة القطار بفاس ، افترشوا أرضا عراء ، ونصبوا خيامهم العشوائية مستقرين عنوة فيما المصالح الأمنية والسلطات تكتفي بمعاينة الوضع ولا تقرر التدخل إلا لفض النزاعات التي تندلع بين الأفارقة من الجنسيات المختلفة من جهة وبين هؤلاء والمشردين الذين احتلوا جنبات محطة القطار وشارع الموحدين حيث يبيتون بصفة اعتيادية، الشيء الذي يضر بجمالية المدينة، ويسبب الإزعاج الدائم للسكان الذين أصبح الخطر يحدق بهم في أي لحظة، ناهيك عن الشعور بعدم الأمن الذي بات يراود أهل فاس في غياب خطة أمنية محكمة للحد من هذه الظاهرة، إذ رغم التحرك الأخير لولاية الأمن بعد الاعتداء على السياح الأجانب، واعتقال العديد من المشتبه فيهم في وقت قياسي، فإن الوضع يحتاج إلى حلول جذرية تعيد للعاصمة العلمية صورتها الهادئة ولسكانها الهدوء المطلوب .» يقول فاعل مدني.
استراتيجية التعاطي مع الظاهرة
وبخصوص وضعية المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب، يتساءل رجل القانون غسان باحوأمرسال عن أية استراتيجية للتعاطي مع الظاهرة؟ سيما وقد أصبحنا نطالع تقريبا نفس الوجوه في نفس الفضاءات ولشهورعدة، بل لسنوات دون أن يتعرضوا للإعتقال أو حتى المساءلة و تحقيق الهوية على بعد أمتار من شرطة تنظيم المرور. بل وهناك من من هؤلاء المهاجرين من تجدهم يعملون بأوراش البناء و أسواق الجملة كيد عاملة رخيصة، وغير محصنة بقانون الشغل في استغلال سافر لوضعيتهم غير النظامية تجاه القانون. بل أصبحنا، يضيف الأستاذ غسان باحوأمرسال «نجد فيهم نساء حوامل أو مرضعات أو مرفوقات بأطفال صغار، مما يدل من وجهة نظر قانونية واجتماعية على بداية تشكل بنيات اجتماعية جديدة خارجة عن آليات المراقبة والضبط الاجتماعي ، حيث تحول المغرب إلى بلد إقامة وليس عبور فقط». أما أستاذة الفلسفة ابتسام هاشمي فتورد كيف أضحت مدينة الدار البيضاء موطنا جديدا للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين، فالمار من شوارع وسط المدينة سيلاحظ حتما التزايد الفجائي لهؤلاء، خاصة العنصر النسوي الذي أصبح يحتكر فضاءات تجارية وساحات عمومية مستغلا إياها في التجارة ومستحدثا مهنا جديدة لم يألفها السوق المغربي من قبل كتزيين الفتيات في الشارع العام، وتسجل ابتسام النشاط الحيوي لهن في ممارسة الدعارة بشكل واسع في سبيل كسب الرزق و توفير قوت الأبناء الذين حملنهم في أحضانهن أو في أحشائهن وهن في طريقهن إلى المغرب الذي كان من المفترض أن يكون معبرا سريعا، فأصبح مستقرا قسرا بعد إغلاق أوروبا أبوابها في وجوهن. في ظل التزايد المستمر للمهاجرين، يسعى الجانب الرسمي كما القانوني إلى التعاطي بشكل إيجابي مع وضعية هؤلاء المهاجرين، وخاصة النساء منهم بمختلف جنسياتهن وأعمارهن، فبعد بلورة سياسة تسوية الوضع القانوني بتوصية ملكية و بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قامت العديد من المنظمات الحقوقية المغربية بالعمل على توفير الرعاية اللازمة كواجب انساني من حيث منح حق الإقامة في البلد و الاستفادة من الخدمات الصحية .إلا أن التسوية القانونية لم تشمل جميع المهاجرين الإفريقيين مما يعيق اندماجهم المهني و الاجتماعي داخل المجتمع المغربي ، الشيء الذي تكون له امتدادات سلبية على مستقبل أطفالهم الذين من حقهم الرعاية الصحية والتأهيل المدرسي مثلهم مثل باقي الأطفال. وترى ذة ابتسام هاشمي أنه . لا يمكن أبدا التنكر للسياسة الفعلية التي قام بها المغرب إزاء تسوية أوضاع الآلاف من المهاجرين، إلا أنه وفي المقابل لا يمكن تجاهل سوء معاملة السلطات لبعضهم والإقصاء الممارس عليهم من طرف المدنيين في الشارع العام بمختلف مظاهره كالاحتقار والسب بألفاظ عنصرية، و ذلك ما عاينته شخصيا مؤخرا في ساحة باب مراكش بالدار البيضاء
من محطة عبور إلى محطة استقبال
موضوع هجرة الأفارقة جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا مرورا بالمغرب باعتبارها أحد أكبر التحديات التي باتت تواجه المغرب الذي تحول من بلد للعبور إلى بلد استقبال، يقاربها الدكتور عياد أبلال باعتبارها ظاهرة خاصة سيما مع صعوبة اختراق المدينتين السليبتين سبتة ومليلة، وصعوبة العبور عبر قوارب الموت، أو الشاحنات وبواخر الصيد نظراً للمراقبة الأوروبية والمغربية على حد سواء على البحر الأبيض المتوسط. ويكمن التحدي الكبير الذي يواجهه المغرب، حسب الباحث في السوسيولوجيا، في كون المغرب قد سبق له وصادق على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تجعله ملزماً بتدبير ملف المهاجرين الأفارقة وفق مقتضيات القانون الدولي وحقوق الإنسان، وهو ما جعله في السنة المنصرمة يعمل على تسوية عدد من وضعيات هؤلاء قانونياً، في حين يواجه خطورة الوضع المتفاقم خاصة في مدن الشمال لهؤلاء المهاجرين. ويرى الدكتور أبلال أنه من الصعب جداً العناية بهم صحيا واجتماعياً في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب. ومن ضمن الصعوبات والمخاطر هو اختلاط هؤلاء مع الساكنة بهذه المدن، خاصة وأن امكانية حمل عدد من المهاجرين والمهاجرات لأمراض خطيرة قائمة بشكل كبير، خاصة منها الجنسية، ناهيك عن وضعيات المهاجرات اللواتي يحملن معهن أطفالا رضع، أو اللائي يلدن بالمغرب، بسبب وقوعهن في الحمل لطول مدة الانتظار التي باتت تتجاوز السنتين والثلاث سنوات، وهو الانتظار الذي جعل عددا منهن يرتبطن بمهاجرين آخرين، مما يضخم من التحديات الصحية المفروضة على المغرب. ودعا المتحدث ذاته السلطات إلى وجوب إخضاع هؤلاء للفحص الطبي والتحليلات التي تتطلبها العناية الإنسانية بهؤلاء، منعا لكل خطر يتهددهم، كما يتهدد كل علاقات جنسية يمكن أن تتم مع المغاربة من الجنسين.
ولإغناء النقاش حول الظاهرة، نذكر هنا بحوارات الإعلامي محمد حداد مع بعض المهاجرين، رصدها بقوله «رغم التوجس من اللقاء، ما أن تبدأ الحديث مع بعض المهاجرين من جنوب الصحراء حتى تكتشف أنهم منفتحون بشكل كبير، مبتسمون، لا يرفضون الإجابة عن الأسئلة وبدون أي تحفظ يذكر». مسجلا «كل المهاجرين الذين التقينا هم شباب يتراوح سنهم ما بين 15 و30 سنة جاؤوا من مختلف الدول: السنغال، مالي، الكامرون، النيجر، تشاد وبوركينافاسو...» يأتون إلى المغرب راجلين متحملين كل المعاناة والمصاريف والحوادث... ومنهم من قضى ما يقرب من السنتين للوصول إلى المغرب، الذي يعتبرونه عبارة عن محطة في اتجاه الوصول إلى الهدف «أوروبا». «بعض النساء صرحن بمنتهى الصدق أنهن هاجرن صحبة رفاقهن بحثا عن حياة أفضل، وهروبا من البؤس في بلادهن. بعضهن لهن أطفال صغار أو رضع. ولكنهن أكدن أن الأطفال ليسوا نتيجة اغتصاب ما، ولكن نتيجة علاقاتهن مع رفاقهن ويعيشون معا أسرة واحدة. هناك أطفال ولدوا في الطريق وآخرون عند التواجد بالمغرب. وحسب التصريحات الأطفال مسجلون عند المؤسسات المكلفة بالهجرة، ولكنها متواجدة بالرباط والدار البيضاء». «المهاجرون وأطفالهم، حسب التصريحات، يمكنهم الاستفادة من التتبع الصحي في المستشفيات العمومية. ولكن ظروف العيش صعبة وما يحصل عليه المهاجرون من التسول لا يكفي مطلقا.كما أنهم لا يتلقون أية مساعدات ولا حتى زيارات من طرف الجمعيات المعنية بالمهاجرين. ولكن هناك مساعدات على شكل ألبسة وأغذية يتصدق عليهم بها بعض المواطنين المغاربة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.