إذا كانت "الطريق نحو الإلدورادو" هي التي حملت فتيات جنوب الصحراء نحو مستنقعات الدعارة كمحطة عبور، فإن نجاحهن في إنتاج زبناء أوفياء، وفي توسيع الطلب عليهن، حول المستنقع إلى إقامة دائمة، بل شجع مهربي البشر على بناء جسر لعبورهن المنظم نحو المغرب، حيث تتعرض الكثيرات منهن إلى كثير من الإهانة والاستغلال في المواخير. كما يتعرضن للاعتداءات الجنسية. والأرقام- التي تتيحها منظمة "أطباء با حدود"- تشير إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء »إفريقيات« في الدارالبيضاءوالرباط أقررن بتعرضهن لاعتداءات جنسية. لم يستفق المغاربة من صفعة فيلم "الزين اللي فيك" الذي يتحدث عن سقوط حر لمومسات مغربيات في عرين الوحش الخليجي، حتى بدأت الصفعات تتوالى تباعا، حيث شرع "النخاسون الجدد" إلى تحويل الشوارع والعلب الليلية والإقامات الخاصة إلى سوق مفتوحة للتنافس الساخن بين المومسات المغربيات ونظيراتهن الإفريقيات؛ فقد رفعت إحدى الجمعيات الحقوقية المهتمة بالمهاجرين الأفارقة تقريرا إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يتحدث عن شبكة مغربية تنشط بأبيدجان من أجل تهجير فتيات إيفواريات إلى المغرب، بغاية استغلالهن في الدعارة وخدمة البيوت. وهو التقرير الذي يطرح أكثر من تساؤل حول ما يسميه البعض "الدعارة السوداء" (دون أن تمييز عرقي طبعا). ويجري إعداد الفتيات القادمات من جنوب الصحراء للاستغلال الجنسي وهن يقطعن حوالي 3000 كلم برا. ويبدأ سفر المهاجرين، ذكورا وإناثا، عادة من صحراء تينيري (وسط نيجيريا) التي تعتبر ملتقى للمهاجرين المتدفقين بالملايين من غرب إفريقيا، والساعين، إما إلى دخول ليبيا أو المغرب عبر الجزائر، وإما إلى المغرب عبر موريتانيا. ويتنقل هؤلاء في مجموعات تتراوح ما بين 20 و25 شخص يمتطون سيارات "البيك آب". وتصل المسافة التي يقطعها هؤلاء المهاجرون، بعد دخولهم إلى مالي، إلى أكثر من 3000 كلم، يقطعونها في مدة تستغرق حوالي 3 أشهر.. من مالي إلى النيجر، ثم الجزائر غاردية، مغنية.. ثم المغرب بني درار، أحفير، بركان، أكليم، زايو، سلوان، الناظور.. وهناك من يقصد طنجة أو الرباط أو الدارالبيضاء.. وتتعدد أنواع المشاكل التي تعترض المهاجرات أثناء رحلتهن الطويلة، ويأتي على رأسها التحرش الجنسي والاعتداءات والاغتصاب، خاصة أن بعض الأرقام تحصر عدد المتزوجات في 14.8 بالمئة ، بينما يصل عدد العازبات إلى 82.2 بالمئة. أما المطلقات والأرامل فلا تتعدى نسبتهن 3 بالمئة. وهو ما يجعلهن مرشحات للعمل، إما متسولات، أو في خدمة البيوت، أو في خادمات جنسيات في السوق التي أتاحها تدفق المهاجرين الأفارقة بالآلاف على المدن الكبرى. حيث كانت جمعية "أطباء بلا حدود" قد حددت عدد المقيمين بالرباط 3000 شخص، بينما تستقطب مدينة الدارالبيضاء 2000 شخص، تليها مدينتا وجدة والعيون ب600 شخص، ثم مدينة طنجة ب 300 شخص. ويصعب تحديد العدد الحقيقي للمهاجرين الأفارقة غير الشرعيين. ففي سنة 2006 تم إجهاض 16560 محاولة دخول إلى الأراضي المغربية، بينما أجهضت 14449 محاولة في سنة 2007 وإذا كان تسول المهاجرات الإفريقيات قد أصبح مشهدا مألوفا في مختلف المدن المغربية، فقد سجلت السنوات الأخيرة شروع مجموعة من الفتيات الإفريقيات في عرض أجسادهن الطازجة على الباحثين عن المتع الغريبة، حيث يتحركن فرادى وجماعات، وأحيانا تلمح بينهن بعض المغربيات. وحسب الأرقام المتوفرة، تأتي النيجيريات في الطليعة بنسبة 36.9 بالمئة، ثم الكونغوليات بنسبة 14.3 بالمئة، والماليات بنسبة 8.9 بالمئة، والكاميرونيات بنسبة 6.9 بالمئة، والسيراليونيات بنسبة 6.4 بالمئة، والسينغاليات بنسبة 4.9 بالمئة، والإفواريات بنسبة 3.4 بالمئة، والليبيريات بنسبة 3.4 بالمئة.. إلخ. وعلى سبيل المثال، حينما تأخذك أقدامك إلى الشوارع الرئيسية بمدينة الدارالبيضاء: شارع محمد الخامس، شارع أنفا، شارع أم الربيع، شارع هوفويت بوانيي، شارع الحسن الثاني، شارع الزرقطوني.. لا يمكن لعينيك أن تخطئا حجم الوافدين الأفارقة عليها، منهم الطلبة الذين أتوا ليكملوا دراساتهم بجامعاتنا، ومنهم المهاجرون السريون الذين فروا من الأوضاع الاقتصادية لبلدانهم، ومنهم الذين حوَّلوا بلادنا إلى محطة استراحة قبل التسلل إلى "جنتهم الموعودة بأوربا"، ومنهم الهاربون من الحرب أو المجاعات بجوازات سفر ديبلوماسية، ومنهم من جاؤوا للاستجمام في فتياتنا.. ذلك أنه من الطبيعي جدا أن يرافق هذا النزوح الإفريقي نحو المغرب بعض الممارسات التي تدخل في سياق إشباع الطلب. فما دام هؤلاء الأفارقة قد اتخذوا من بعض أحياء الدارالبيضاء مستقرا لهم، فمن الطبيعي أن يبحثوا عن متنفس لإشباع رغباتهم الجنسية، لأنهم قبل كل شيء (...)، ولهم متطلبات جنسية مثل جميع الناس. ولذلك، فإن بعض الفتيات الإفريقيات الهاربات من الحروب والمجاعات أو من الطالبات يلجأن، تحت ضغط الحاجة، إلى تلبية رغبات الزبائن الأفارقة، بل توسيع نشاطهن ليستهدف حتى المغاربة..". وحسب إحصاءات رسمية حملها تقرير "سري" للدرك الملكي (في بداية الألفية الثانية)، يحتل المهاجرون الماليون المرتبة الأولى (وصلت نسبتهم إلى حوالي 31 بالمئة) يليهم السينغاليون ثم الليبيون، بينما احتل الكاميرونيون المرتبة الأخيرة بمعدل (1,43%)? ومازالت معدلات الهجرة الإفريقية في ارتفاع، رغم الطوق الأمني المضروب على المناطق الحدودية الشرقية. وأشار تقرير الدرك الملكي الذي تناول هجرة الأفارقة إلى المغرب إلى ثلاث مخاطر تهدد المغرب: الخطر الأول صحي: إذ أكد التقرير أن المهاجرين الأفارقة يأتون من دول ينتشر فيها مرض السيدا مع ما يشكله ذلك من احتمال نقل عدوى هذا الداء الخبيث وأيضا نقل مرض التعفن الرئوي? كما قال التقرير ان الهجرة الافريقية والجزائرية بشكل سري قد تزرع الأوبئة وتمس الصحة العامة للمغاربة، وبالتالي إثقال كاهل الدولة بأعباء على المستوى السياسي والاقتصادي? الخطر الثاني، ذو طابع سياسي، إذ لم يتوان التقرير عن التحذير من إمكانية تجنيد "قنابل بشرية" من طرف الارهابيين، حيث أمام انسداد الأفق أمام هؤلاء المهاجرين السريين وسهولة تأطيرهم من طرف الجماعات الدينية أو غيرها لايستبعد حسب التقرير. الخطر الثالث، اجتماعي ويقصد به التقرير تلك "الجحافل" من المتسولين والمشردين من المهاجرين الافارقة الذين يضطرون إلى امتهان التسول والدعارة بل واللجوء إلى أعمال إجرامية لسد حاجياتهم. لقد أصبح "البغاء الافريقي" إشكالية مضافة إلى أسواقنا الجنسية وهو ما أصبح يستدعي مواجهة هذه الظاهرة على جميع المستويات درءا لأي خطر قد يقود إلى كارثة حقيقية. وإذا كانت "الطريق نحو الإلدورادو" هي التي حملت فتيات جنوب الصحراء نحو مستنقعات الدعارة كمحطة عبور، فإن نجاحهن في إنتاج زبناء أوفياء، وفي توسيع الطلب عليهن، حول المستنقع إلى إقامة دائمة، بل شجع مهربي البشر على بناء جسر لعبورهن المنظم نحو المغرب، حيث تتعرض الكثيرات منهن إلى كثير من الإهانة والاستغلال في المواخير. كما يتعرضن للاعتداءات الجنسية. والأرقام- التي تتيحها منظمة "أطباء با حدود"- تشير إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء »إفريقيات« في الدارالبيضاءوالرباط أقررن بتعرضهن لاعتداءات جنسية. وحسب بيان المنظمة، فقد تم الاطلاع على حالة 63 مريضة، أفادت بأنها تعرضت للاغتصاب، وتتراوح أعمارهن بين العامين و40 سنة، و21 بالمائة منهن قاصرات. لقد أصبح "البغاء الافريقي" إشكالية مضافة إلى أسواقنا الجنسية. وهو ما أصبح يستدعي مواجهة هذه الظاهرة على جميع المستويات درءا لأي خطر قد يقود إلى كارثة حقيقية، خاصة أن الأمراض الجنسية ليس إشاعة، وهي منتشرة على أوسع نطاق في الكثير من دول إفريقيا، مثل السيدا (داء فقدان المناعة المكتسبة) ومرض "تريبونيما باليدم" (وهو من الميكروبات البكتيرية الخطيرة الذي تصعب السيطرة عليه بسهولة ويحتاج إلى فترة طويلة للقضاء على البكتيريا المسببة للمرض، وقد يتم الشفاء من المرض ثم يعاود الظهور مرة أخرى عند التعرض لظروف مرضية أو نفسية تقلل من مناعة الجسم) والسيفيلس والسيلان والهربس.. إلخ. شهاداتهن تقول "كوركينا" (طالبة جامعية من جنسية مالية- 23 سنة): "جئت للمغرب بأحلام جميلة تتجسد في الدراسة والعمل لأسد كافة حاجياتي، إلا أن غلاء المعيشة وعدم قبول أرباب العمل بتشغيلي بسبب لوني، دفع بي إلى الخروج لعرض خدمات من نوع آخر، أتلقى بواسطتها مدخولا يساعدني على الاستجابة لحاجياتي ومتطلباتي في العيش والحياة". وتضيف جوابا عن سؤالنا حول ما إذا كان الشباب المغاربة يقبلون استهلاك خدماتهن : " زبناؤنا في المقام الأول هم ماليون و يأتي الأفارقة من جنسيات أخرى في المرتبة الثانية، وأخيرا المغاربة الذين مازالوا ينظرون إلينا بازدراء..". أما "كنت ماريا" (طالبة من غانا- 26 سنة)، فترى أن " الحديث عن امتهان الفتيات الإفريقيات لأقدم حرفة في التاريخ مجرد إشاعة، ولا أظن أن بنات جنسي أو شبابنا يمكن أن يقدموا على هذا الأمر، فنحن نأتي إما للدراسة أو العمل، وليس للبغاء.. فأنا أدرس بالمغرب زهاء 3 سنوات، ولم ألمح أبدا فتاة إفريقية تعرض جسدها. فالمجموعة التي أنتمي إليها جد متزنة وحكيمة، ولا يمكننا أن نقدم على مثل هذه الأعمال". غير أن "سلينا" (30 سنة، من جنوب إفريقيا ) توضح أن "التعميم هو الخطأ، فليست كل فتاة سوداء مومس بالضرورة رغم إدراكنا جميعا أن الدعارة حرفة كونية، ولايمكن أن نستثني منها أي بلد، فمثلما هي موجودة بالمغرب، كذلك بفرنسا وأمريكا والصين وجنوب إفريقية". وأرجعت "سيلينا" أسباب تفشي تعاطي بعض الفتيات القادمات من جنوب الصحراء إلى وضعيتهن الاقتصادية، إذ أنهن غالبا من قطعن مئات الكيلومترات سيرا على الأقدام، بحثا عن مأوى آمن، وربما عن الفردوس الذي لن يجدوه حتما في المغرب، لأنه يعاني هو الآخر من أزمة اقتصادية . وحين تكتشف هذه الفتيات أن شباب المغرب يعيش هو الآخر معوقات، يضطررن إلى الرضوخ للضغط الذي تمارسه عليهن إكراهات العيش، فيلجأن إلى التسول، وقد يقدمن على احتراف الدعارة إذا أغلقت كل الأبواب في وجوههن..". وتضيف "سيلينا": "إن ما يشجع هؤلاء الفتيات على التحول إلى مومسات أن قوات الأمن المغربي لا تعيرهن اهتماما. فهي متسامحة إلى أقصى الحدود، ولا تعتقل إلا المغربيات اللواتي يتم الإفراج عنهن في اليوم الموالي، أو في الليلة نفسها.أما الإفريقيات، فهن حتى الآن ففي منأى عن الشبهة، وحتى السكان الذين يلجأون إلى كراء شققهم للأفارقة والإفريقيات، لا يسألون عن العلاقة التي تربط بين المكترين الذين يعيشون اختلاطا مكشوفا قد يغطي ممارسات مريبة. فالمهم هو ثمن الكراء." وعن رأيه في احتراف بعض الفتيات الإفريقيات للدعارة، يقول "بورنگص" (بائع متجول من غينيا- 30 سنة) : "بعض الافريقيات كبعض المغربيات هن وجهان لعملة واحدة. وفي رأيي، فمسألة تعاطي نساء إفريقيا السوداء للدعارة هو مسألة عادية وغير مثيرة. فكما نجد في المغرب نساء من جنسيات أجنبية يمتهن الدعارة، فإن المغربيات أيضا يشتغلن بها في دول خليجية أو أوربية، فالحاجة تدفع بهن الى ولوج هذا العالم. هذه قاعدة معروفة، ويجب على الكل أن يستوعبها، وعلى الحكومات أن تحاربها وتواجهها لا أن تغض الطرف عنها لغاية في نفس يعقوب".