سجل رواق المكتبة الوطنية بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء في دورته 22، مساء الأحد، الحدث الأبرز في ثالث أيام المعرض، حين احتضن لقاء احتفاليا بإعادة إصدار كل كتب الراحلين محمد الوديع الأسفي ورفيقة حياته ثريا السقاط، المتمثل في حضور المجاهد ورجل الدولة الكبير سي عبد الرحمن اليوسفي، الذي ألقى كلمة ذات دلالة بالمناسبة. اللقاء، الذي بادرت إلى تنظيمه عائلة الراحلين الوديع الأسفي وثريا السقاط، شهد تقديم الأستاذ لحسن العسبي، من موقعه ككاتب وصحفي وصديق للعائلة، كلمة تأطيرية حول دلالة إعادة إصدار تلك الكتب، متوقفا عند 3 منها، هي: تيمة الوفاء. حيث إن المبادرة فيها أخلاق الوفاء لذكرى الأب والأم من قبل عائلة مغربية بصمت تاريخ النضال السياسي الوطني والتقدمي بالمغرب، مثلها مثل عائلات مناضلة عدة، لعل أشهرها عائلة الحاج علي المانوزي. مثلما أن تيمة ذلك الوفاء نجدها حتى في العديد من كتب الراحل محمد الوديع الأسفي، بدليل تخصيصه ثلاثة كتب منها لاستعراض سيرة أقطاب من الحركة الوطنية والتقدمية المغربية، هم المقاوم عبد العزيز الماسي ورجل الدولة عبد الرحيم بوعبيد والمناضل الشهيد عمر بنجلون. ثاني الدلالات، هي أن ذاكرة المغاربة تحتفظ بسيرة جيل من العائلات الوطنية المغربية، في مختلف مناطق المغرب، أصبح ملحا على مدرسة التاريخ المغربي أن تشتغل عليها كتجربة إنسانية عنوانا عن ما صنعه المغاربة من قيم تعلي من تيمة الوطنية والتطوع والبدل والعطاء من أجل المصلحة العامة. بل وتقديم فاتورة غالية (سجونا واعتقالات واختطافات وتعذيب) من أجل ذلك. وأن الغاية من تقديم درس التاريخ لهذه التجربة الإنسانية المغربية، هي إعادة مصالحة أجيال اليوم مع ذاكرة بلدهم المشرقة، في أبعادها الإيجابية. وأن تمثل ذلك سيعزز من الأمل في استحقاق المستقبل. ثالث الدلالات الكبرى، هي ضرورة الإنتباه لما تقدمه عائلة الأسفي من نموذج، على التكامل بين المرأة والرجل في الفعل الوطني والتربوي والنضالي. حيث يكتشف المرء بإعجاب، كيف تقاسم محمد الوديع الأسفي وزوجته ثريا السقاط، ذات القيم وذات المنجز. فكلاهما كتب ونشر نصوصا شعرية ونثرية وسياسية. وكلاهما ناضل ميدانيا من أجل التقدم والحق والعدل ودولة المؤسسات. وكلاهما بقي صلبا في مواقفه الوطنية والتحررية. مما يقدم الدليل على أن المغاربة أنجزوا دوما أدوارهم الكبرى في الحياة، بالتوازي بين حضور الرجل وحضور المرأة. وهذا مثال قيمي مبهر يجب إعادة تمثله بليغا في زمن التطرفات والإنغلاقات التي تكبل مشهدنا العربي والإسلامي اليوم. وبعد أن بادر أبناء وحفدة الراحلين الكبيرين إلى إعادة قراءة بعض من نصوصهما الشعرية بشغف محبة خاصة (صلاح الوديع، عزيز الوديع، أسماء الوديع، توفيق الوديع) تناول الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي الكلمة، قبل الإنتقال إلى حفل توقيع نسخ من الكتب التي أعيدت طباعتها (المبادرة النبيلة تعود في الأصل كما أكدت كل العائلة إلى حفيد الراحلين، إبن ابنتهما الراحلة آسية الوديع، الأستاذ يوسف الشهبي). وهي الكلمة التي تضمنت رسائل دالة حول معنى أدوار رجال من طينة محمد الوديع الأسفي والشهيد عمر بنجلون. وأن ذات الرسالة لا تزال مطروحة على أجيال اليوم، في بعدها الوطني والقومي، خاصة في التضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله الوطني من أجل الحرية والإستقلال. وهي الكلمة التي قال فيها سي عبد الرحمن اليوسفي: "أيها الإخوة والأخوات. نحن سعداء أن نلتقي في هذا اللقاء الإحتفائي اليوم جميعا، من أجل استعادة ذكرى أخينا محمد الوديع الأسفي وأختنا ثريا السقاط. ولنستحضر الأعمال المهمة التي قاما بها. ويكفي هنا أن أقتصر على العمل الذي قام المرحوم الأسفي مع أخيه الشهيد عمر بنجلون. حيث قاما معا بمهمة عظيمة، في الوقت الذي كان فيه الشعب الفلسطيني يعاني ما يعانيه من احتلال، وكان حزبنا أيضا [الإتحاد] ممنوعا من التوفر على جريدته الخاصة. فقام هذان المناضلان الكبيران، بإصدار جريدة [هي جريدة فلسطين] من أجل تعبئة الجماهير الشعبية بالمغرب والنخبة الوطنية، وإليهما يرجع الفضل في توجيه شكل نضالات المغاربة مع إخوانهم الفلسطينيين. وتذكرنا تلك التجربة، بالحالة التي نعيشها الآن. إذ نحن في حاجة إلى إخوان جدد ممن شاكلة محمد الوديع الأسفي وعمر بنجلون، لنقوم بمساندة شعبنا الفلسطيني الذي يعيش الآن وضعية جد صعبة. ولا شك في أن هذا اللقاء اليوم، بمبادرة من العائلة، سيشجع على تمثل واستعادة الدور الذي لعبه الأسفي وبنجلون، لنستعيد نفس روح النضال والوعي التقدمي، عبر توعية الشعب المغربي بما يعانيه إخوتهم بفلسطين. ولا شك أن لقاء اليوم سيثير انتباه المغاربة إلى ذلك، ليقوم جيل اليوم بما قام به الأخوان بنجلون والأسفي وكذا ثريا السقاط رحم الله الجميع." بعد ذلك، حرص الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي على التوجه إلى رواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث تم استقباله بالقاعة الشرفية للرواق، من قبل رئيس المجلس الوطني الأستاذ إدريس اليزمي، وجرى نقاش ثنائي بينهما رأسا لرأس، قبل أن يلتحق بهما عدد من المناضلين، فكان اللقاء لقاء حميميا، توجه الأستاذ اليزمي بتقديم بعض من الإصدارات الجديدة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى الأستاذ اليوسفي. علما أنه منذ وصل اليوسفي إلى المعرض حتى مغادرته بعد ساعتين ونصف قضاها بأروقته، تقاطر عليه المئات من المواطنين الذين كانوا يلحون في طلب أخد صور تذكارية معه، وهي المطالب التي استجاب لها اليوسفي برحابة صدر، مجيبا دوما "مرحبا، معلوم"، فشكلت بذلك زيارته الحدث الأكبر في مساء ذلك الأحد بالمعرض الدولي للكتاب في دورته 22.