على شرفة الشعر وفي رغبة في الاغتراب، وفي صفاء وبوح شاعري جميل ، استضافت قاعة المرحوم محمد العربي المساري ، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب ، مساء يوم الجمعة الماضي ، محاورة بين شاعرين مغربين ، الشاعر والكاتب الصحفي عبد الحميد جماهري ، و الشاعر والروائي صلاح الوديع في ساعة معه ، ونقرب للقراء هذا التلاقي ومحاورتهما ... p عبد الحميد جماهري ، لابد أن نقر بأني مرتبك من محاورة صلاح كما اعتدته ، كانت محاورة دائما صامتة بالقراءة ، وحينما تكون محاورة بالصوت المسموع ، تكون بالسياسة أو الانتقال الديمقراطي أو في متاعب الله مع خلائقه الجديدة . يبدو لي أن أقصصه، أجزئه لكي استطيع الاقتراب منه ، فهو الشاعر والسياسي والروائي ، الروائيون كانوا يغيرون اسمه بشدة ما افتتنوا بالعريس ، كان مقترحا أن يسمونه صلاح العريس الأسفي . لكن هناك انفلات ما يسعفنا به الشعر. أكاد أقول إن انتماءك إلى الشعر كان بيولوجيا ، ربما سيتحدث المؤرخون عن قصيدة بيولوجية في المستقبل وانك رائدا لها ، فجراح الصدر العالي تكاد تكون في الصدر العالي للوالد ، عاش متدفقا بين شاعرين ومناضلين ، واستمر شاعرا ومناضلا الى جانب العائلة ، العائلة الاستثنائية ، عائلة الروح القدس ، لهذا يبدو الشعر امتحانا جسديا . ماذا لو تتحدث قليلا في البداية عن هذا التلاقي بين العائلة والشعر، وبين الثورة والحب ، لكي يبقى لنا في الأخير الحب ؟ n صلاح الوديع : قد يبدو سهلا أن يتلقى الإنسان الضربات تلو الضربات ، وان يبقى واقفا ، يجيب الشاعر صلاح الوديع ، القلب الذي يعطي هذه القوة ، وهذه المناعة ، قلب في نفس الوقت هش ، قلب يستطيع أن يدرك الدمع ، أمام طفل من شدة الألم . أعتبر الإبداع والشعر نوعا من الاحتضان البشري ، القرابة البيولوجية للشعر، ولست مؤمننا بالغيبيات ، ما ألمسه وأحسه في قلبي ، واعتبر أن قرابة ما تفوق القرابة الدموية والبيولوجية ، جمعت بيننا بين والدي ووالدتي وأختي آسية يرحمهما الله واخي العربي وبقية إخوتي وأخواتي ، بيننا ميثاق ضمني ، حول القيم التي تعلي من شأن البشر ، كنت حينما أدخل وحيدا الى مكتب والدي ، كنت أرى صورا لأشخاص مختلفين ، المسارات والمنابع والاختيارات ، وكنت أتساءل في النهاية ، ربما أحمل هذا الدرس الى الان في قلبي وفي حياتي ، كنت أرى في مكتب والدي محمد الوديع الاسفي ، صور عبد الكريم الخطابي ، المهدي بنبركة ، عبد الرحيم بوعبيد ، شيخ الاسلام بلعربي العلوي ، غاندي ، تشي غيفارا ، عبد الناصر ..وكنت أتساءل عن سر العلاقة بين هؤلاء وسألت الوالد فقال لي ، يا بني هؤلاء يجمعهم هم واحد هو حب البشرية . أعتقد أنني اكتسبت هذا المنحى الكوني الانساني ، من خلال هاته التربية ، حتى لما امتحنت من تلك المسارات ، ويعني الاعتقال ، فهذا لم يكن غير فرصة اضافية لكي يصقل هذا الحب . أسرتنا كان همها شيئان أساسيان اجتمع عليهما الجميع ، أولا حب الوطن وثانيا المعرفة . p عبد الحميد جماهري :لابد أنك ستسعفني حينما أقول لسبب ما أنت تجيد النكاية في السرياليين وعلى رأسهم اندري بروتن حينما يقول إننا في الثورة وفي التمرد لا نحتاج الى آباء ، لكن كنت تستمد كما استمديت أنا من بعيد بدون بنوة بيولوجية لكن كانت بنوة رمزية كبيرة أمام عائلة استثنائية مع ذلك اريد ان أستلك من هذا الاستثناء العائلي لكي أحدثك عن جيل وعن علاقتك بالشعر في التأرجح بين الثورة والحب ، بين اللغة الملحمية والبحث على هشاشة الكائن في مواجهة السكين ، وفي الوقت ذاته في البحث عن التشابه ما بين الارض والتفاحة التي سيقطعها هذا السكين .انت في جيلك كنت داخل السجن وخارج التصنيفات ، أريد أن أسأل هذا الكائن الهش والصلب والقوي ، كيف أقام كيانه الشعري ؟ n صلاح الوديع : أعتقد بأن العنف بكل أشكاله الذي عرفته أسرتنا ، والسياق التاريخي الذي عرفناه جميعا ، كان له أثر بالغ في ما كتبته في حياتي ، وأقول أمام الحضور اليوم ، نحن الثلاثة ، أنا وأسية وأسماء ، ناجون من أحداث 23 مارس 1965 ، كنا سنكون ضمن لائحة الشهداء . هذا العنف الذي انطبع في السياقات التي عشناها وفي نفس الوقت هذا الاحباط في تحقيق الاحلام التي كافح من أجلها أجيال من المناضلين ، هذا العنف أثر كثيرا وربما هو ما يفسر نزوعي شخصيا الى اختيار المجازفة ، وفي سنة 1969 انتمي الى اليسار الجديد أنذاك في أولى حلقاته التي ستعطي 23 مارس وفي الجانب الآخر من المناضلين منظمة الى الامام . وأذكر وأنا ابن 15 سنة وكان لي استاذ فلسطيني معجب بما أكتب شجعني ، وجمعت كل قصائدي في ديوان كان من نصيب الشرطة السياسية حينما اعتقلتني في 1974 . هذا الترابط بين العنف والمقاومة من أجل المحافظة على الذات ، واعتبر ان السجن في حد ذاته ليس حلا كعقاب في مطلقه لان النتيجة المنطقية للسجن هي المزيد من عزلة الشخص عن المجتمع . فالشعر في ظروف الاغتراب السجني هو نوع من المقاومة . p عبد الحميد جماهري : لك علاقة متوترة جدا ، إنسانيا وليس انفعاليا ، مع كل ما يمس بالكائن بتفرده وإنسانيته ، تعكس في النص الشعري تلك العلاقة التوترية مع السلطة عموما والسلطة القامعة ، لكن مباشرة بعد هيئة الانصاف والمصالحة ، تصالحت مع الشعر الآخر ، كيف عشت هاته التجربة والمصالحة شعريا ؟ n صلاح الوديع :هناك وعي نضج مع الزمن ، حياتنا تعطى لنا مرة واحدة ، فلماذا لا نعيشها كهدية ، وليس كعبء نتحمله ، وليكن هذا التحدي ، وفي الشهور التي تكون صعبة ، لماذا لا نخلق الجمال من حولنا ، والابداع سيكون اجمل لو يقدمه الفرد . كان الابداع جوهريا ونشرت لي قصائدي من داخل السجن ونشرت في جريدة أنوال والبلاغ المغربي . حاولت ان اجرب طرقا أخرى في الكتابة وفي الحب ولها أنفاس أخرى فلسفية . p عبد الحميد جماهري : هل أصبحت شخص آخر ؟ n صلاح الوديع : من منا ليس هو الشخص ذاته وشخص آخر، في بعض الحالات لما أجد صورتي يقولها مخاطبي ، وأسائل نفسي الى اي مدى انا ذلك الشخص الذي كنت أظن أنني هو ، نحن في نفس الاوقات نفس الاشخاص وفي تجاوز ذواتنا . حقيقة هل أصبحت شخصا آخر، العديد من النصوص التي أكتبها أبكي . في العمق غيرت الاسلوب، وفي توتر العلاقة بالوجود لا أظن قد تغيرت . p عبد الحميد جماهري : هل نحن ضروريان للوجود كشاعرين ؟ nصلاح الوديع : أنت ضروري يا أخي حميد ، هل أصارحك كم أنت ضروري ؟ ويبقى اللقاء مقتصرا على الشعر ، أنت ضروري وضروري وضروري حيث أنت . وختم اللقاء الشاعري الجميل بقراءات للشاعر صلاح الوديع ، وقصيدة فيديو جديدة بالصوت والصورة ستبث لاحقا على موقع يوتوب .