تسعى «بقايا صورة شخصية»، المجموعة الشعرية الأخيرة للشاعر المغربي (سعيد عاهد)، إلى ترسيخ بصمات تجربة إبداعية مافتئت تنحت عالمها الشعري بأناة و إخلاص. نَفس آخر ينضاف إلى متننا الشعري االمغربي المعاصر المكتوب بالفرنسية دبجه (سعيد عاهد) منذ سنوات، منذ (مظهر طيش -1994)، و(لاشيء...تقريبا -1997) ، حيث أبان الشاعر عن تجربة في الكتابة متمرسة ورصينة، قادرة على رهان شعري جديد ومتماسك. تقع المجموعة في 80 صفحة، موزعة على ست قصائد، تلفت انتباه القارئ إلى تماسكها، وتعدد أبعادها، إلى قدرتها الفائقة على تصريف تمثلها الواعي للحياة، للأشياء، وللآخرين. ستُّ قصائد، تحمل كل قصيدة عنوانا رؤيويا باذخا، ويحرس بوابةَ كل قصيدة منها رسمٌ أخاذ من توقيع الفنان التشكيلي نور الدين فاتحي : الفجر، ياعيني - الزمن المشوه –ردَّة النظر - بقايا ورماد - بحث جنائزي – انتهاكات منبعثة. قصائد ينتظمها خيطٌ ضوئيٌّ ، رابط، ورفيع، سرعان ما يتوزع إشعاعه على طول الصفحات، ليجعل من كل قصيدة حجرا فلسفيا يتحرك وفق نبض الشاعر وروحه القلقة. هو قلق خلاق، شبيه بذلك القلق الرامبوي، لكن بلغته الشعرية الخاصة، ذات المذاق الطري الغامض. لغة قصائد المجموعة، هي كتلة بلورية، مغسولة من كل الزوائد، حيث «مراهق دكالة يتسلل من الرمل، ويحتسي أثير السراب، متسكعا فوق الطحالب العذبة، يتضرع لمولاي بوشعيب ومولاي عبد الله ....» السراب، الطبيعة الميتة، والضباب الذي يجعل السماء السوداء منتشية... إلخ مسحة وجودية قلقة، لغة لا تسمح بغير تنامي رصيدها الإيقاعي الهادئ، بتوافر صورها وغزارة إيحاءاتها، إضافة إلى هاجس الرفض والمجابهة، والابتعاد عن كل ما يجعل هذا العالم منفلتا عن «وضعه الطبيعي». «اللسان المقطوع تحت الطوفان، وباتجاه الشمس، كانت جلبة المقاطع المتولَّدة تزحف.» إذا كان حضور ذات الشاعر مهدَّدا بالانطفاء في الصورة، فشجرة سعيد عاهد الشعرية وارفة، مثقلة بالظلال الاستعارية، وبالصور الشعرية المسبوكة بعناية ووعي شعري حاد. ذاك ما تمثله (بقايا صورة شخصية): «هكذا تتعرى ، أمام مرآة عريي الأجذم، الحياةُ اليومية ُللعالم.» بقي أن نشير إلى أن تجربة (سعيد عاهد) الشعرية، هو الشاعر ذو اللسانين، في (بقايا صورة شخصية)، تستند إلى مرجعية ثقافية وجمالية زاخرة (بودلير، رامبو، بارط، النفري ... الأمثال...)، وهي التربة الخصيبة التي تنمو فيها كتابته... قد تكون في القصائد لمسة عنف... لكنه عنف الكتابة المؤدي إلى السلام الذي له نكهة الماء العذب.