ينتابنا الحزن حيناً ، والاحساس بالمرارة والهزيمة حيناً أخر ، بسبب قوة الظلم الواقع على شعبنا العربي الفلسطيني حيث التمييز والعنصرية في مناطق 48 ، والاحتلال والاستيطان والبطش والحصار والتجويع والحرب المتقطعة على مناطق 67 ، وحيث اللاجئين خارج بلدهم بعد أن طردوا من بيوتهم عام 1948 من اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع ، يواجهون تعقيدات الحياة ، وضيق المكان ، ومنع التنقل ، والحرمان من العمل والسكن والتعليم والعلاج ، أينما أقاموا وتواجدوا وأينما رحلوا . ولكن الأمل يبقى شعلة كامنة في النفس ومضيئة للحياة ، تبدد بقوة مهما بدت متواضعة ، تُبدد الظلام حينما تبرز مظاهره من مشاهد الحضور والنمو والرغبة الجامحة في استعادة الحقوق والكرامة معاً تعبيراً عن الانحياز للحياة ، وتنعكس في حجم تضحيات الشبيبة واستعدادهم العالي للتضحية عبر العمل بأدوات بدائية في مواجهة تفوق جيش الاحتلال وأدواته وأجهزته في القدس والضفة الفلسطينية حتى بغياب غطاء جدي أو اسناد جماهيري من قبل التنظيمين الكبيرين فتح وحماس ، مثلما تبرز عبر النضال السياسي والجماهيري رفيع المستوى في مناطق 48 من قبل القوى السياسية التي انخرطت في تحالف واع بين الشيوعيين والاسلاميين والقوميين ، مازال صامداً وتواصل في مواجهة التحديات لعله يشكل ظاهرة غير مسبوقة للعمل المشترك والبرنامج الموحد والتطلعات المتداخلة لشعب يتوق للمساواة والعدالة نقيضاً للعزلة والتمييز والاقصاء . ورغم الفجوة العميقة التي سببها الاحتلال والتمييز ، بين الشعبين ، بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، فان مظاهر الانحياز البسيطة من قبل بعض الاسرائيليين لعدالة مطالب الفلسطينيين وتطلعاتهم تشكل رافعة للنضال الفلسطيني وبلسماً يُداوي عمق الوجع الكامن في نفوس الشعب الفلسطيني المعذب . ظاهرة الشابة الاسرائيلية تائير كامينير ، التي رفضت قرار التجنيد الالزامي العسكري في جيش الاحتلال ، المتوقع دخولها السجن معبرة عن موقف عشرات من الشباب والشابات اليهود ، الذين يرفضون بوعي سياسي وموقف مبدئي مشروع الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين ، تدفع نحو تجاوز الاحساس بالفجيعة لأن ما يمارسه الاحتلال بحق الفلسطينيين يوازي ما فعله النازيون والفاشيون الألمان بحق اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وقبلها ، فبدلاً من أن يستفيد الاسرائيليون من مأسي أسلافهم ، عبر منع المأساة عن الأخرين ، يمارسون بحق الفلسطينيين أسوة بما فعل الأخرون بهم ، مخلفين بذلك الكره والأحقاد والعنف والعنف المتبادل في دائرة مفتوحة متكررة لن تتوقف الا بانتصار العدل والانصاف والتعايش المشترك بين الشعبين على أساس اعادة الكرامة المهدورة والحقوق المنهوبة للفلسطينيين . تائير كامينير ليست الظاهرة اليهودية الجديدة ، وليست الرافعة الوحيدة للتجنيد في صفوف جيش الاحتلال فقد سبقها العشرات من الشبان المماثلين من الشيوعيين وغيرهم من اليساريين ، وهم لا ينتظرون منا كعرب سواء كنا أصدقاء لهؤلاء ، أو يجب أن نكون أصدقاء لهم نقدر مواقفهم ونُثني على شجاعتهم ، أو مازال الجهل وعدم المعرفة يُبقينا أعداء مقطوعي الصلة بسبب الفجوة التي سببها الاحتلال والظلم بيننا أو بسبب ضيق رؤية البعض منا وقُصر نظرهم الذين لا يجدون في داخل المجتمع الاسرائيلي من يمكن الرهان عليه والتعاون معه ومد يد النضال المشترك ضد العدو الواحد الاحتلال والعنصرية والتعصب ورفض الأخر . تائير كامينير يجب ترشيحها لشجاعتها ووعي ضميرها ، كي تحصل على جائزة نوبل للسلام هي وأقرانها الذين يدفعون ثمن انحيازهم لمفاهيم الحرية والعدالة والسلام والانصاف وحق الانسان في الحياة ، مُتخطين عوائق الادعاء بالتفوق والتعصب الديني ، والانغلاق القومي ، والانفتاح نحو الاخر بل والوقوف معه ، وهذا ما يفتقده النضال الفلسطيني ويحتاجه وهو المزيد من الانحيازات الاسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية ومشروعية نضال شعبها من أجل حقوقه الثلاثة : حقه في المساواة وحقه في الاستقلال وحقه في العودة .