بالتوازي بين مواصلة الاحتلال العسكري، والتوسع الاستيطاني، وممارسة أبشع أنواع التهويد لمدينة القدس العربية الإسلامية المسيحية والعمل على تغيير معالمها وتزوير تاريخها، والأسرلة للغور الفلسطيني في مناطق الاحتلال الثانية العام 1967، وما بين التمييز والعنصرية وحرمان فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، من حقوقهم في المساواة أسوة بالمواطنين اليهود في مناطق الاحتلال الأولى العام 1948، فالجوهر واحد لمشروع استعماري توسعي استيطاني إحلالي واحد، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67، للوطن الفلسطيني الواحد، وللأرض الواحدة، وللشعب العربي الفلسطيني الموحد، ومن قبل المشروع نفسه، والأدوات نفسها والأجهزة نفسها، تحقيقاً للمشروع الصهيوني، في مواصلة إنشاء وطن اليهود القومي وتمدده على كامل أرض الشعب العربي الفلسطيني . ولكن في مقابل التوسع والاستيطان والتهويد والأسرلة لمناطق 67، والتمييز والعنصرية والإقصاء لمناطق 48، يتوحد نضال الشعب العربي الفلسطيني، في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة مع نضال الضفة والقدس والقطاع، وكفاحهما المشترك المتعدد الأشكال والأدوات يصب في مجرى واحد، مكمل لبعضه البعض، عبر وسائل مدنية سلمية مسنودة بقرارات الأممالمتحدة والشرعية الدولية والتضامن العالمي، بهدف استعادة الشعب العربي الفلسطيني لحقوقه الثلاثة غير القابلة للتبديد أو التلاشي أو المساومة : حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال في مناطق 67، وحق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم في المدن والقرى التي طردوا منها وتشردوا عنها العام 1948، وهذه الحقوق الثلاثة للمكونات الفلسطينة الثلاثة، لم تعد مجرد عناوين للذكرى، أو شعارات للاستجداء، أو مناكفات لإبراز الذات أو التطرف، بل برامج عمل متكاملة تستوجب التعميق والتعميم والإقرار بلا مداهنة أو خوف أو تردد . الذين لا يقرأون المستجدات التراكمية لطرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما زالوا أسرى للماضي والخوف والشبهة والإحساس بالدونية، فالمستجدات الإيجابية المتعاظمة للشعب الفلسطيني رغم إمكاناته المتواضعة تتراكم بوضوح وبانحيازات شجاعة لصالح استعادة الشعب العربي الفلسطيني كامل حقوقه بشكل تدريجي متعدد المراحل، بينما المستجدات السلبية ضد المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي تتسع تدريجياً، على طريق المشهد الأنهزامي الذي خلفته تجربة جنوب أفريقيا العنصرية وحصيلتها الخسارة والتراجع ومزبلة التاريخ . لندقق في مظاهر الحركة العالمية المنظمة لمقاطعة إسرائيل B.D.S التي بدأت عملها ونشاطها عبر النداء الذي وجهته يوم 9 تموز 2005، في الذكرى السنوية الأولى لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي الذي عبرّ مضمونه عن إدانة جدار العزل العنصري الذي أقامه الاحتلال العسكري على أرض الضفة الفلسطينية، وطالب بإزالته وتعويض الأهالي المتضررين من إقامته، ومن خلاله تم إدانه مشروع الإحتلال برمته، بل طالبت الحركة العالمية لمقاطعة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي بالالتزام بالقانون الدولي وتنفيذ قرارات الأممالمتحدة، والانصياع لمباديء حقوق الإنسان وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة : 1- إنهاء الاحتلال والاستعمار الواقع على الأراضي العربية المحتلة العام 1967، بما في ذلك تكفيك الجدار وإزاله المستعمرات وترحيلها . 2- تحقيق المساواة الكاملة لفلسطينيي ال 48 . 3- عودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها العام 1948، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها بموجب قرار الأممالمتحدة رقم 194 . إذن لم تعد حقوق الشعب العربي الفلسطيني مجرد أوهام وتطلعات منعشة ترفع من معنويات الشعب المعذب بالتهجير والمنافي، وبالتمييز والأقصاء، وبالاحتلال وتدمير الممتلكات وتهويد معالم تراثه وتشويه واقعه والنيل من مستقبله، بل أصبحت حقوق الفلسطينيين قيد التداول والعمل سواء في مناطق 48 وأبرز مظاهره توحيد القوى السياسية الفلسطينية، بالقائمة البرلمانية المشتركة العربية اليهودية التي وحدّت الصوت العربي الفلسطيني، وأبرزت وجود شعب أخر على أرض 48 ليس من اليهود، ومشروعه وتطلعاته تتعارض مع المشروع الصهيوني ويوازي خُمس المجتمع الإسرائيلي، أو في مناطق 67 حيث الحضور والعقلانية وامتلاك زمام المبادرة على الصعيد الدولي وأبرز إنجازاته التصويت في الجمعية العامة يوم 29/11/2012، لصالح فلسطين 138 دولة مقابل 9 دول فقط، وهي حصيلة جعلت حكومة المشروع الاستعماري التوسعي مرتبكة، غير قادرة على مواجهة حجم الانتقادات الموجهة لها، وتتصادم مع حلفائها ومع أصدقائها ومع أولئك الذين لهم فضل إقامة مشروعها الإسرائيلي على أرض فلسطين وحمايته وبمده بعوامل القوة، وهم البلدان الأوروبية والولايات المتحدة . ليست العاصفة ولا أحداث الربيع العربي، يقتصر نشاطها وفاعليتها على الوضع العربي بمفرده، بل هو حالة إنسانية تعبر عن مكونات الغضب والإحساس بالظلم، سبق وأن إجتاحت أوروبا الشرقية بعد نهاية الحرب الباردة 1990، واجتاحت بعض البلدان العربية في بداية 2011، ولن يسلم المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي منها، فالظلم والتمييز والإقصاء والعنصرية تتعارض مع قيم الحياة وخبرات الإنسان ولهفته للحرية والعيش الكريم مع الأخر والشراكة معه في إطار التعددية والخصوصية والانحياز للمستقبل . لقد أمسك الفلسطينيون بقضيتهم، وصاغوا خريطة طريقهم نحو المستقبل عبر العيش المشترك بين الشعبين على أساس الندية والتكافؤ والمساواة في إطار الدولتين المتجاورتين، أو في إطار الدولة الديمقراطية الواحدة، وهم لا شك سيصلون لأنهم يملكون الإرادة والرغبة والواقعية وحُسن الاختيار على كامل أرض فلسطين لأنها وطنهم الذي لا وطن لهم سواه .