«الشرى» هو مرض جد متواتر يصيب شخصا من بين 20 آخرين مدى الحياة، بمعدل 0.1 في المئة من الساكنة التي تعاني من هذا الداء، دون تمييز بين الفئات العمرية، خاصة النساء في مقتبل العمر. وقد عرف هذا المرض منذ القدم، إذ أطلقت عليه عدة تسميات، حسب تعدد واختلاف الثقافات، وقد شبّهه ابوقراط بطفح عضة الحشرات، وكان أول من سمّاه هو «بايرتيكاريا كيلين ويليام» في سنة 1769. يطرح «الشرى» المزمن مشكل جودة الحياة، إذ يؤثر هذا المرض المزمن معنويا على الشخص المصاب، ويمكن أن يؤدي به إلى الاكتئاب، وقد يصل به الأمر في بعض الحالات إلى الإقدام على الانتحار. وقد شبّه طبيب باحث هذا الداء بمرض الشرايين الثلاثي القلبي، بالنظر إلى حجم المعاناة التي يتكبدها المريض، وهو يشكّل 2 في المئة من استشارات أطباء الجلد، ويفرق الأطباء بين نوعين منه، الحاد الذي يدوم اقل من 6 أسابيع، والمزمن الذي يستمر يوميا ويمتد لأكثر من هذه المدة، هذا الأخير الذي نتناوله هذا الأسبوع من خلال مقالنا، الذي يعتمد على تشخيص سريري ولا يتطلب فحوصات بيولوجية متعددة، كما أن علاجه يتميز بالبساطة وهو غير مكلف، يعتمد على مضادات «الهيستامين» من الجيل الأول والثاني، وهو يظهر على شكل أجزاء حمراء مرتفعة قليلا عن سطح الجلد تصاحبها حكة شديدة، ويظهر الطفح الجلدي فجأة ثم يتلاشى في مدة زمنية أقل من 24 ساعة ليظهر في مكان آخر من الجسم، ويترك بقعا تتميز بزيادة في التصبغ، هذا بالإضافة إلى أنه يمكن لهذه الأعراض أن تكون مصاحبة بإسهال أو قيء، وفي بعض الحالات تكون شديدة خاصة في الليل وتنجم عنها اضطرابات نومية. وجدير بالذكر أن 40 في المئة من حالات «الشرى» تكون مصاحبة ب «الانجيواوديما»، وهي عبارة عن تورم في العين أو الشفتين، واليدين، والأعضاء التناسلية، ويصاحبها أحيانا ضيق في التنفس وانخفاض في ضغط الدم، ويفرق الباحثون بين «الانجيواديما» الناجم عن «البراديكينين» وبين الناتج عن «الهيستامين» والذي يستمر اقل من 24 ساعة، وبعد الفحص السريري للمريض ومعرفة القصة المرضية والبحث الغذائي والأدوية التي يتناولها، ومستحضرات العطور التي يستعملها، يشخص الطبيب المعالج نوع المرض، بحيث هناك النوع المعروف ب «البردي»، والذي يشمل 2 إلى 3 في المئة من مجموع الشرى، والذي ينجم عن الهواء البارد أو الماء البارد، ثم هناك الوع لاثاني وهو «الشمسي»، «الحيضي»، «الحراري»، وشرى الانضغاط الذي ينجم عن ارتداء ملابس ضيقة... وفي معظم الحالات لا يعرف سبب «الشرى»، إذ تبين الإحصائيات أنه من بين حالتين على ثلاث، لا تتم معرفة السبب المؤدي إلى المرض، في حين يمثل «الشرى الارجي» خمسة في المئة من مجموع الشرى الناجم عن بعض الأدوية، كالأسبيرين، أو بعض الأدوية ضد ارتفاع الضغط الدموي ...