رواد كثر من مختلف الأعمار والأجناس يحبسون أنفاس الجميع بين مقلد ومبدع وآخر خارج السياق يطارد أرانب السباق طمعا في اللحاق بمن تاه عنهم وسط الزحمة.لغة الابتذال وكلام الضعف والوهن ومخيال لا يبارح مكان صاحبه وسفسطة تزول كما زالت سحب المصيف. أنواع من المرئيات والصوتيات وزخرف الأقاويل ومعسول اللسان بقصد الاستمالة وكأنها إحدى الحملات الانتخابية تدعو بأصوات متعددة إلى الانخراط في ميوعة طافحة ضدا على الذوق السليم وجمالية الإبداع وشساعة الفضاء. دعوات شاردة لكنها متوسلة ،ومتسولة "للجيمات" تطلب ود الناس وتستعطفهم للتصويت لها بنعم "أحبك" حتى وإن كنت لا أعرفك المهم إنني مشارك فلا شيء يخمد بركان النفس ويسكت صاحبها في هذه الأيام الجافة سوى "المشاركة" حتى وإن كنت لا تدري سبب المشاركة أو نوعيتها أو فائدتها أو بركاتها... تواصل مع من بالخارج وقطيعة إنسانية مع من وما بالداخل حركات صامتة ميمية تقطع دابر من في الدار تكمم أفواههم وتشد أنفاسهم. تجحظ العيون في الجدار الزجاجي ليصبغه كل كما يشاء ويؤثثه كما يحلو له ليقول ما يشاء ويرسم ما يريد لكن المقاسات غير مناسبة ولا تشبع الرغبات الدفينة غير المصرح بها لان شيئا ما يكتمها بعيدا عن الضوء عن اللوحة الزجاجية إنها الحاجة إلى الخبز والعيش الكريم وسوق الشغل والوظيفة والزواج والأطفال والتقاعد الحر غير المشروط و...لاشيء من ذلك غير كلام مجهول ظرفي لا يهم أن يكون قبل النوم أو عند الاستيقاظ أو حتى في المرفق الصحي أو الترامواي حيث حبال السماعات معلقة في الآذان تلتقط همسات المناضلين المبدعين في شتى أنواع العصف الذهني وزوبعات الأفكار المتناقضة تربك ما لملمته طيلة حياتك من جزئيات بسيطة وتعيدك إلى درجة الصفر من جديد دون سبق إصرار أو ترصد. الفيسبوك أو "الفيس..بوق" لمن أراد أن يضرب "الطر بخراششه" نكاية فيمن اختلف معه أو آمن وقال بنقيض ما يعتقد ."بوق"بالمجان لمن في نفسه حاجة للسادية حتى يرى الآخر معذبا بالشائعات وزيف الادعاءات حتى وإن كان المتهم بريئا حتى تثبت إدانته ،كما يقول أصحاب الاختصاص. "بوق" للتشهير بهفوات الناس جميعا وكأن الخطأ وقع ميتافيزيقي لا يلامسه البشر ولا يصدر عنهم،بل هو عين ترصد كل كبيرة وصغيرة لتحصيها وتقيم قيامة مرتكبيها ليجعل من محركي أزرار الهواتف الذكية والحواسب المحمولة قضاة يحكمون بشرع تعليقاتهم وبصمة "جيماتهم" المعبر عنها أو الملغاة أو المتنازع فيها، حتى وإن كانوا لا يفقهون في الأمر شيئا ولا يستطيعون إليه سبيلا. فضاء لتصفية الحسابات الفارغة والعبث باللغات المشتركة والتقليل من جودتها إلى حد إفراغها من محتوياتها وصداقات كاذبة وكيدية ترمي بالقيم الى مستويات طاعنة في القعر إلى حدود المكر والخبث الإنساني غير المتوقع. الفايسبوك أيضا مساحة جد ضيقة لتداول بعض من هموم المعيش وتقاسم الجراح الاجتماعية والعزوف السياسي والتخلف الاقتصادي وتردي أوضاع التربية والتعليم ونكوص الثقافة ورداءة الفن وتراجع الدافعية وغياب الإبداع وصمت وتكتم كبير عن خروقات بالجملة تطفو هنا وهناك...وأشياء أخرى. الفايسبوك جدار من الاسمنت المسلح يحل وسط كل بيت ويحول بين المرء وزوجه وأبنائه وعائلته في صمت رهيب ليترك الفرصة لمن أراد أن يعيش بعيدا عن اهله قريبا بمن يعشق حتى وإن كان الزوج في حضرة الخليل فلا شيء يمنع من التواصل عفوا الخراب الاجتماعي وقس على ذلك من أنواع العلاقات الاجتماعية التي تبنى بطريقة ذكية "حسي مسي" وبشفرات راقية في التعقيد حتى تنمو وتترعرع في سرية تامة ويكتب لها النور على ردهات المحاكم بعد أن يفضح نسيان القن السري أمرها عند بعضهم أو بعضهن ويعجل بشتات ما كان مجموعا ويجعل من موقع للتواصل الاجتماعي نهاية مأساوية لأسر حديثة العهد بالارتباط أو ينكل بأصول وفروع عمرت من الدهر حينا.