كيف ستكون سنة 2016؟. أمام عطش الأرض والروح، يخشى أن تكون سنة رمضاء. إذ لاشئ ينبئ أنها ستكون سنة عادية، بل ستكون سنة مفصلية، مغربيا ومغاربيا وعربيا. وهي كتلة زمنية، يخشى أن تصنع فينا، بتكثيف أكبر وأشد وأصعب، ما فعلته سنوات 1914/ 1920، منذ مئة عام. تلك التي فيها صنعت خرائط وحددت مصائر وولدت دول من العدم هنا وهناك في جغرافيات العرب. أليس فيها ولد وعد بلفور، وفيها نفذت سايكس بيكو، وفيها دشن قرار تغيير واقع جغرافية الشرق من أفغانستان حتى المغرب، بذات الشكل الذي قال به منذ سنة 1900، وزير الخارجية البريطاني لانزدوون؟. أي ذلك التحليل الذي كان يوقن أن تلك الجغرافية الممتدة، جنوب المتوسط، هي خارج التاريخ وخارج نظام السوق، وأنه آن الأوان للتدخل لحملها على الإندماج في ذلك النظام العالمي، الذي بلوره التراكم الصناعي التقني بأروبا خلال القرن 19. بمعنى آخر، بالنسبة لذلك الجيل السياسي الأروبي، أنه آن الأوان لإعادة تنظيم الجغرافية العربية، كي تكون سوقا مصدرة للثروات الطبيعية (عصب حياة الصناعة الأروبية) ومستهلكة لمنتوجات المصانع الأروبية. لقد كان نجوم ذلك الزمن من الديبلوماسيين الغربيين، هما وزير الخارجية البريطاني أو وزير الخارجية الفرنسي أو وزير الخارجية الألماني أو وزير الخارجية لروسيا القيصرية. ما الذي تغير اليوم؟ تقريبا لاشئ، عدا أن النجم الأكبر هو وزير الخارجية الأمريكي، لأن واشنطن سحبت البساط القيمي والرمزي والصناعي والمالي من لندن وأروبا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى (مبادئ الرئيس ويلسون لسنة 1918)، ثم وجهت رصاصة الرحمة إليهم بعد الحرب العالمية الثانية (مشروع مارشال لإعادة بناء أروبا بحساب أمريكي خالص، كان عنوانه الأبرز الحلف الأطلنتي). ولعل السؤال الجدي هنا، هل سيظل وزير الخارجية الأمريكي نجم النجوم في صناعة القدر السياسي للعالم في جهتنا العربية بعد 2016؟. أمام انتقال الرهان الإستراتيجي لواشنطن صوب المحيط الهادي، كرهان للقرن 21 كله، والإنسحاب التدريجي من الفضاء الأطلسي، صعب الجزم بذلك. من سيعوض هذا التحول الإستراتيجي؟ موسكو، برلين، باريس أم لندن؟. يخشى أن العواصمالجديدة، لن تكون هذه بالضرورة. نعم، سيكون لها حضور، ووزن، لكنها لن تكون وحدها الحاسمة. بكين، طهران وأنقرة آتية. أليس هي ذاتها نفس العواصم والعناوين التي كانت حاضرة في أول القرن العشرين أثناء اصطخاب التحولات الجديدة بجغرافية الشرق من طنجة حتى كابول؟. ألم يكن السؤال هو سؤال مصير الثاج العثماني، وسؤال دستور بلاد فارس سنة 1906؟. ليكبر هنا السؤال الطبيعي: أين كان العرب؟. كانوا، مشتتين في بيداء هجير غياب تجربة الدولة لديهم. لكن، أليس في تلك المرحلة بالضبط ولدت أول النخب العربية الجديدة، تلك الناهضة من أجل نحت معنى للهوية القومية ولمعنى تنظيم العربي ضمن منطق الحداثة؟. أليس ذلك ما حدث في مصر والشام والعراق وبشكل آخر مختلف في الخليج (حراك قبائل نجد والحجاز وجازان التي بلورت الدولة السعودية بعد ذلك في بداية الثلاثينات)؟. أليس حينها ولدت نخبة التحرر ونخبة المحافظة بالتوازي تاريخيا، وأنه بعد 100 عام، انتصرت المحافظة على التحرر في جغرافيات العرب؟. لم تولد داعش، كمعنى سلوكي من فراغ، بل هي فيض لذلك التحول والتدافع في جغرافية العرب منذ 1916. كيف ستكون سنة 2016؟. ستكون مرة أخرى مختلفة مغربيا عن باقي الجغرافية العربية. لأنه هنا تولد دوما فكرة متجددة للوطنية مختلفة، مسنودة بتجربة لتراكم خاص لمعنى الدولة. هل سيكون ذلك سهلا؟. من الوهم الإعتقاد بذلك أو الركون إلى خدر «الخصوصية»، بل هي دورة معركة جديدة قد انطلقت. هو امتحان تاريخي يختبر فطنة النخب المغربية الجديدة. أما النخب العربية بالمشرق، فالظاهر أنها لم ترد بعد أن تتعلم أن مكرمة التوافق أسلم وأفيد للتحول والتقدم من جهنم العنف وخدر الإكراه. لا يزال مشروع خلق الدولة ومشروعيتها يراوح مكانه في دنيا المشارق عربيا، ولا يزال امتحان حماية تراكم الدولة مغربيا مفتوحا. سنة 2016، سنة تحول مفصلية متوسطيا وعربيا وأروبيا، لننتبه جيدا أيها المغاربة، فالخطو أشبه بحكمتنا أجدادنا «بمن يمشي على البيض».