في كل سنة تنبهني ابنتي ليوم الحب. ربما لم يكن موضوعا في الذاكرة، أو ربما زحمة اليومي يضيع فيها اليوم. كما تضيع فيها أيام عيد الميلاد، والموت وما إلى ذلك، لماذا تنبهني؟ هل لأن الرجل المغربي لا يضعه في يومياته. كيفما كان الجواب فإنني أعرف أن المغاربة لا يمتلكون خاصية الحب ولا يعرفونها، ولا يحسنون الغزل. كأن الحب مسيج بالمحرم. يفترض الحب لغة وموسيقى توقع الطرفين في الفتنة. العامية المغربية تربك الحديث عن الحب. بينما الفرنسية ترميه في اللامحدود. لهذا يكون المنع أنطولوجيا، و التعبير عنه بالحواس لتغيب اللغة في اليومي الصعب. تلجأ النساء المغربيات لمشاهدة المسلسلات التلفزيونية، التركية والمكسيكية، والسورية، والمصرية لسد الفراغ الذي يعشنه. مثلما يحدث التماهي مع حيوات أخرى في سبيل الحياة. إنهن يستثمرن اللحظات المسروقة من التلفزيون لتوسيع خيالهن وسد النقصان الذي يعشنه. قد تكون هذه الصورة مزعجة للمغاربة. لقد نسيت عيد الحب. هكذا يظهر مكر ابنتي. كأنها تريد أن تقول غير ذلك. هي تريد أن أقدم لزوجتي هدية، أو على الأقل دعوتها إلى أحد المطاعم للعشاء. أو نقيم حفلا بسيطا في البيت. حتى و إن كانت لا تعرف معنى الحب. صحيح أن الحب بداية كل شيء. هو مساعدة على ولادة العالم. ولادة الحب ذاته، ولادة الأشياء و الكلمات، الجسد و الروح. و لأنه كذلك فهو يدعونا لسقيه كي لا يموت، كي لا يقتله اليومي الزاحف و المزعج. إن توليد الحب من جديد هو نقطة البداية. فهو دائما يكون بداية. حتى و إن شخنا نساعده على الظهور كي لا يحتجب في اللغة، وما يرتبط بالمعيش اليومي. في حوار أجريته مع محمد شكري بجريدة الاتحاد الاشتراكي الملحق الثقافي مارس 1986 سألته عن الحب أجابني إنه أقصر مسافة بين المقشدة و العوامة. ساعتها فهمت أن الحب بذلك التوصيف تظهير لإبعاده من فضاءاتنا العمومية، ذلك أن اللقاء مع شابة ما تكون بداية نهايته. هذا الخيط الشفاف الذي يعري التواطؤ بين شاب وشابة، والذي يمر زمن قياسي. هل نقول خدعة اللقاء. أم نقول أن الحب لم يكن له معنى في زمن الاستهلاك المروع. لندع رأي محمد شكري حافيا كخبزه تماما. ولنتوقف على الحب الافتراضي، وهو حب يسارع الزمن ليبني زمنه الخاص خلسة أو علانية. ثمة مدونات عنكبوتية تهتم باللقاء. لقاء المحبين يتبادلان الكلام، يحلمان، يلتقيان بالصورة والصوت، يتعريان، يتلذذان، وينمحيان على شاشة الحاسوب. ربما سيلتقيان ليتزوجا، وينجبا أطفالا... هل هذا هو الحب؟ لنترك الجواب على الهامش. نحن هنا مع ثلاث محطات في الحب، تنتمي إلى نظام ثقافي ورمزي. فالأولى مثلا كما عاشها جيلي موسومة برسائل الحب، والأغنيات الرائعة، والأفلام الرومانسية، والكتب. حيث اللقاء يكون في الثانوية، والجامعة، ودار الشباب والحزب... إنه نظام يستدعي تأمله وكتابته كما لو أردت الإشارة إلى تاريخه. لا أريد هنا البحث في مدونة الحب عند العرب. ولا حتى إيقاظ مراهقتها الجماعية في الحارات وجنب الأفران الشعبية، وقبالة المؤسسات التعليمية. حيث يكون التلصص هو سيد المقام، والوسيط (ة ) مهمازها الرئيس. ورسائل الحب جسرها الأمين. ولا حتى قراءة رسائل الحب بين اللعبي و جوسلين مثلا أو جبران مع سارة ...الخ. بل في البحث عن ذلك النظام المؤثث لتلك العلائق. نظام موسوم بطوباوياته المتعددة. في حين تكون المحطة الثانية تقويضا للحب السابق، ونشدانا للاستهلاك. بينما تكون المحطة الأخيرة قتلا للحب كقيمة إنسانية، ووضعها علامة من علامات العولمة المدمرة. ألهذا نبهتني ابنتي إلى ذلك اليوم. أم علينا ابتكار الحب من جديد كما يقول رامبو. قد يكون ابتكاره من جديد قيمة مائزة على تنوعه، و في تنوعه يحضر الحب في المغرب العميق، في القبائل المنسية منه. حيث تتجدد أسطورة إملشيل لتحيا بيننا من جديد. هذه الحكاية الكونية التي وجدتها صدفة في جبال منطقة بروغاموس بإيطاليا. ثمة سياج حديدي يفصل قمة الجبل على سفحه هوة عميقة سقط فيها عاشقان تلبية لنداء الحب. في ذلك السياج أقفال مختلفة الأحجام والتي ترمز للعلاقة بين عاشقيه. إنها أسطورة إيسلي و تسليت في إملشيل. إنها الحكاية التي تبعد المتحابين بسبب العرق، أو اللون، أو الوجهة الاجتماعية أو القبلية، أو العشيرة. إنها قضية عنترة وعبلة، وروميو وجولييت. و ما بينهما يكبر الحلم في زمن مراهقتنا ليتقلص في المحطة الثانية. إلى حد ما تكون بدايته موته. هل أقول لابنتي معنى الحب. وهل للحب معنى حتى أقوله. المعنى يضيق حين يكون الحب بين يديه. يتسع في اللامعنى. مادام الحب تيها، يعيش فيه العقل زوغانه. الحب جنون. هذا ما قاله العرب في زمنهم الأول حيث تصعد المحبوبة المطلق وتكون الصلاة باسمها كما يقول جميل بثينة. أقول لابنتي إني أحب. ستقول لي لا محالة لا تنس يوم الحب. أقول دقيقة أعيشه. ولا أتحرج في قول هذا.