تشكل الأنظمة المتسلطة القائمة في المغرب و المشرق العربيين هدفا لإعادة نظر لا سابق لها منذ تلك الحركة اليائسة, التي أقدم من خلالها شاب تونسي عاطل من أصحاب الشهادات, محمد البوعزيزي, على إحراق نفسه يوم 17 دسمبر 2010 . و بفضل الأنترنت تضاعفت الدعوات إلى حرية التعبير في دول مأزومة . و رغم اختلاف الأنظمة السياسية, في شمال إفريقيا كما في الشرق الأوسط, من الملكيات التقليدية إلى الجمهوريات الملكية أو الجمهوريات السائرة على طريق التوريث,فإن العنصر المشترك بينها هو الاختناق السياسي و احتكار المؤسسات و الاستقواء بالجهاز العسكري- الأمني. انسداد الآفاق السياسية في هذه البلدان التي قامت منذ أكثر من جيل بالانتقال الدمغرافي, باستثناء اليمن (مما لم يمنع هذا البلد الفريد من التمتع طويلا بأحد أشكال التعددية السياسية) فإن مسألة الإصلاحات الدمقراطية تقتصر على المناشدات لا غير. و قد تميزت بداية القرن الجديد مع ذلك ببعض التقدم السياسي الخجول و الحقيقي تمثل في: أول انتخابات رئاسية تعددية بالاقتراع العام في مصر,أول تناوب في المجلس التشريعي الفلسطيني عقب فوز حركة حماس سنة 2006,إصلاح البرلمان في الكويت و البحرين.بل إن هذه العدوى امتدت حتى إلى العربية السعودية بتنظيم أول انتخابات بلدية سنة 2005.و قد تمكنت هذه الحركة من الاستمرار طويلا. و تميزت الانتخابات المنظمة سواء في المغرب أو المشرق عموما بغياب رهانات كبرى. فإما أن يتم اكتساحها من طرف حزب مهيمن يتوفر على احتكار وسائل الإعلام و على دعم مؤسسات الدولة كما في سوريا و مصر.أو تتم مقاطعتها من طرف المعارضة (مصر, الأردن) أو تصبح مستحيلة لأسباب سياسية داخلية (بسبب القطيعة بين فتح و حماس في الأراضي الفلسطينية مثلا, أو بسبب عدم الاستقرار كما في اليمن).و أخيرا , و لأنها تؤدي إلى مؤسسات غير مؤثرة, فإن مجموع السلطات تتركز في السلطة التنفيذية المتمثلة في الرئيس أو الأمير أو الملك. ضعف المعارضات: و تعود أزمة الدولة العربية إلى التبسيط المتطرف للمعروض السياسي. فنهاية الايديولوجيات الكبرى (القومية العربية, الاشتراكية) التي شكلت الخميرة السياسية في الفترة التالية للاستعمار, أدت إلى مواجهة بين السلطات الحاكمة و إسلام سياسي مزهو بنجاح الثورة الإيرانية سنة 1979 .و قد تحولت هذه المعارضة, في شكلها الأكثر تطرفا, إلى حرب أهلية كما حصل في سوريا سنة 1982 . كما أدت في مواضع أخرى إلى اتفاق ضمني ينشط التيار الإسلامي بمقتضاه في القطاع الاجتماعي و يتخلى عن المطالب السياسية. هذه المواجهة استغلتها الأنظمة المتسلطة كي ترفض أي انفتاح بدعوى أن المستفيد الأكبر منه سيكون الإسلاميون. و قد مكنت الانحرافات الإرهابية (في إطار صراع وطني) أو الجهادية (مشروع إقامة الخلافة الإسلامية) لهذا التيار , الأنظمة المتسلطة من كسب دعم حلفائهم الغربيين بالرغم من الطابع المركب لهذا التيار. مسألة الإسلام السياسي: يضم الإسلام السياسي قوى سياسية مؤمنة بضرورة مشاركتها في القرارات السياسية داخل الإطار الوطني, مثل حركة الإخوان المسلمين, كما يضم السلفيين الذين يدعون, على العكس, إلى عدم التدخل في الشؤون المدنية. و لم يحصل أبدا في العالم العربي, باستثناء الأراضي الفلسطينية و في سياق خاص, أن وصل الإسلام السياسي إلى إدارة شؤون الحكم. و قد فاجأت الحركة الاحتجاجية التي انطلقت من تونس الأنظمة العربية و كذا الإسلاميين.و إذا كان غياب هؤلاء في تونس مفهوما بسبب ما تعرضوا له في الماضي, فإن الأمر مفاجيء أكثر في الحالة المصرية لأن الإخوان المسلمين متغلغلون بشكل جيد لدرجة أنهم يشكلون القوة المعارضة الأولى في مصر بالرغم من القمع المنهجي الذي تعرضوا له. و يتمثل رهان الثورة التونسية و مثيلاتها بالمنطقة في كفاءة الفاعلين الأساسيين في أن يبدعوا طريقا ثالثا ,غير موجود لحد الآن, يستند على احترام مبادئ دولة القانون (العدالة, الشرطة) و التمثيل السياسي,بما في ذلك للأقليات الإثنية و الدينية, و المشاركة الحرة في القرار السياسي. و هي كلها أهداف تبين أن الدولة العربية, في شكلها الحالي, عاجزة عن تحقيقها. صحيفة «لوموند»