كيف يحدد المتطرفون الإسلاميون مفاهيم: الزمان ، التاريخ ، الدولة، وما يتصل بها ؟ وما هي العوامل المتحكمة في هذا التحديد ؟ تلك تساؤلات تفرض نفسها علي بإلحاح وبشكل مستمر ، خاصة في ظل هذا المد البشع لأفكار وتصورات هؤلاء . يمكن القول في البداية، بأن الزمان هو تتالي لحظات بوثيرة واحدة مضبوطة وثابتة ,تتالي يسير دائما إلى الأمام ,بحيث كل لحظة تمر إلا وتدخل في عداد الماضي ,ولا يمكن أبدا أن تتكرر بنفس اللون وبنفس الطابع . والإنسان يعيش داخل الزمان , فينتقل من لحظة الولادة إلى لحظة الطفولة، إلى لحظة الشباب ,إلى الكهولة ,إلى الشيخوخة ,وبالتالي من الحياة إلى الموت . وإذا كان الإنسان يعيش داخل الزمان ,فهو يملأ هذا الزمان بأحداث وأفعال ,فيبني ويشيد ,ويقيم حضارات . وكل حضارة تالية تستفيد من نظيرتها السابقة , بحيث يمكن القول ,ليس هناك حضارات متعددة ,بل حضارة واحدة ,حية ,تنمو وتتطور عبر الزمان. وإذا كانت أفكار الإنسان وتصوراته نتاج واقعه وزمانه ,فمعنى ذلك أنها تتلون بلون هذا الواقع ,وتتغير بتغيره ,فلا وجود لأفكار وتصورات مطلقة ,ثابتة ,أزلية ,خالدة .ومعنى ذلك أن كل شيء يتطور ,كل شيء نسبي ,لا وجود للمطلق . لكن منطق هؤلاء المتطرفين الإسلاميين مخالف لكل هذا ، إنه منطق مقلوب .إن الزمان عندهم شيء ثابت لا يتحرك، لأنهم لا ينظرون إلى الأمام بل إلى الخلف ,فيستبدلون الصيرورة بالجمود ,والمستقبل بالماضي .إن الزمان في تصورهم قد توقف في مرحلة الخلفاء الراشدين ,وما بعده فهو عدم وفراغ ولا معنى . وبناء على ذلك فالتاريخ في نظرهم قد توقف هو أيضا في هذه الحقبة من الزمان ,وما بعده فهو تاريخ زائف ، ماكر . لقد سبق هؤلاء إذن الفيلسوف المثالي المعاصر «ميشل فوكو ياما» في القول «بنهاية التاريخ» , وبذلك يخدمون إيديولوجية رجعية ترغب في الرجوع بالإنسانية إلى الوراء ,وتلغي كل هذه الحضارة الإنسانية المتطورة والتي أفادت الإنسان على مستويات معرفية وعلمية متعددة : طبية ,تكنولوجية ,تواصلية ......وغيرها، مستويات هم أيضا مستفيدون منها لكن في مجال الهدم وليس في مجال البناء . إن القول بنهاية التاريخ مقولة دحضها التاريخ الإنساني نفسه، الذي هو تاريخ مترابط متكامل ، يتدفق داخل الزمان في صيرورة متقدمة تسير دائما إلى الأمام مهما تشابهت بعض اللحظات داخلها، إنه أحداث تبنى بإرادة الناس الحرة ، وفي إطار سياقات وظروف داخلية وخارجية، أحداث غالبا ما تقوم على التصحيح أخطاء الماضي ، وتستفيد منها للدفع بالسير إلا الأمام . وتبعا لكل ذلك فتحديدهم لمفهوم الدولة هو أيضا مستقى من هذا الماضي الغابر, هذا الماضي الذي ولى وفات.فإذا كان النموذج الأمثل للدولة الذي يريدون تطبيقه في التاريخ المعاصر هو نموذج : دولة الخلافة في القرون الأولى للإسلام ، فإنهم غافلون ، غارقون في ظلام الوعي الزائف، لأن دولة الخلافة تنظيم حددته ظروف تاريخية وسياسية معينة ، ظروف ولت ومضت وانتهى زمانها , ولا يمكن أبدا أن تتكرر : سياسيا ، اقتصاديا ، وقيميا أيضا . فأن تأتي جماعة بشرية الآن , وتحاول أن تفرض على الشعوب هذا التنظيم البائد , والذي تفصلنا عنه سنوات وقرون , لعمري إنه ضرب من العبث والحمق واللامعنى . إن الدولة كيان يتحدد بتصور سياسي واقتصادي واجتماعي ، ويتبنى منظومة قيمية مرتبطة بهذا التصور، ويتم تطبيق كل ذلك بإستراتيجية وأهداف مضبوطة ، ولا يمكن أبدا، وعلى الإطلاق أن تتحدد الدولة بنوع من العشوائية والفوضى وانعدام الضبط. هذا من جهة ,ومن جهة أخرى ، هل القتل والدبح والحرق والجلد وسبي النساء واستغلالهن جنسيا وضربهن وتقييدهن بالأغلال والاتجار بهن ...هي سلوكات و آليات مثالية لتحقيق هذا النموذج الذي يدعون إليه والذي يعتبرونه هو الأمثل للسير بالأمة نحو الأفضل ؟ ثم ما علاقة كل ذلك بالإسلام ؟ ومن دون أن أخوض في النقطة الشائكة , سأطرح سؤالا آخر، يفرضه السياق التاريخي وتطور القيم الإنسانية اليوم، ألا وهو : ما علاقة كل ذلك بالكرامة الإنسانية ؟بالعقل؟ بالمنطق؟ إن الهدف الأساسي للدولة , في نظر جميع المفكرين والفلاسفة وحسب تجارب الإنسانية ,كان ولا يزال هو حماية المواطنين , هو الحفاظ على كرامتهم ,هو إحقاق الحق والعدل ,والحرية ,والمساواة , هو سيادة القانون ,هو تثبيت الأمن والسلام , هو توفير العيش الكريم لجميع المواطنين . لكن أين. كل ذلك مما يقوم به هؤلاء الأتباع المسخرون لما يسمى بالدولة الإسلامية الآن ؟ إن ما نشاهده حاليا هو انتشار الرعب ,والقتل , والاعتداء على سلامة البشر ,وإهدار لكرامتهم ,هو إشاعة الفتن , والدمار والحروب ,وزعزعة استقرار العالم ,والسير به نحو ما لا يحمد عقباه .إن ما يحرك هؤلاء ليس الغيرة على الإسلام أو الدفا ع عنه ,بل حب السيطرة على الآخر ,وإخضاعه ,والتلذذ بإذلاله وتحطيمه ,وإشباع الغرائز والملذات ..إنه مرض النفوس الدنيئة الحيوانية 'البعيدة كل البعد عن مفهوم الإنسانية النبيل .إنه المرض الذي يحجبهم عن رؤية الحقيقة فيسقطون في خطيئة قلب المفاهيم وتشويهها على مستوى التصور النظري والتطبيق ,ومهمة الجميع الآن هي تصحيح هذا الوضع البشع من أجل مستقبل سليم لشبابنا وللإنسانية جمعاء . *عضو اللجنة الإدارية لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية