في نسخته الثانية، كما الأولى، يطل برنامج "طبخ الأعصاب" مساء كل ثلاثاء ليجد شريحة عريضة (بلغت السنة الماضية ما يفوق 3 ملايين مشاهد) من أمهاتنا ونساء المغاربة يتحلقن بالقرب من موائد شاشاتهم يشتممن روائح من مختارات الطبخ بوصفات "هاي كلاص" تفتقت بها عبقرية با موحا وللا خديجة وآخرون يسوقونها للمشاهدين وهما ليس إلا. طعام الفنادق، وأكلات "الديور لكبار"، وأصناف من "الديسير"، وأنواع السمك دون "السردين " وأشباهه طبعا، مكونات تأتت بلاطو ماستر شيف لتزرع فتنة" الحكرة "و الغبن وسط بيوت تعيش الفقر والتهميش في كل شيء حتى الحق في احترام الأذواق . بلاطو الإقصاء الممنهج عبر "كاستينغ" ليتمثل الجميع الديمقراطية، حتى يشارك الممرض وعارضة الأزياء والمحاسبة ورجل التجارة والمعلوماتي والمهاجر وغيرهم تجمعهم صفة الهاوي لتهوي معهم مبالغ مالية وصلت في النسخة الأولى من ماستر شيف المغرب 25 مليون درهم اقتنت من خلالها القناة الثانية حقوق البث للبرنامج العالمي وكذا دفع مبالغ تكلفة الإنتاج الباهظة عن طريق (الرعاية الخارجية / ميد برودكسيون) التي يجمع الكثير على إنها تغريدة خارج السرب بالنظر لما تعرفه الأسر المغربية من ضيق ذات اليد والعوز وأطباق العدس والبيصارى و"الدواز بلا لحم"شاهدة على هكذا واقع. هكذا ترفع القناة الثانية من نسبة مشاهدة برنامج "ماستر شيف المغرب" عبر تقديم وصفات خيالية ببهارات نسمع عنها لأول مرة ولم ولن يكتب لنا أن نتشرف بتذوقها. طبخ أسيوي أو أوروبي أو أمريكي لاتيني يشدك لحظة من الزمن دون سابق إنذار، حيث يمتزج البط والحمام وما أدراك ما الحمام والإوز وشرائح الديك الحبشي وكثلاث اللحم بلا عظم بالكمال والتمام. ماستر شيف سياحة مطبخية بامتياز على ظهر السفن وتحليقا في الجو وتجوالا في البر وأشياء أخرى تقول بأعلى صوت "كلشي بخير والعام زين..." وفي الجانب الخلفي صورة أخرى لنوع آخر من البشر يقدمون له وصاياهم الألف عبر الإذاعة والتلفاز على لسان سفرائهم من الأطباء والفقهاء والعشابين والمتطفلين ...ينصحونهم بتناول النخالة والحمرة والشعير ليصحوا هم وأولادهم و أحفادهم وأصهارهم و حيواناتهم...أما زبناء ماستر شيف فما لذ وطاب من خيرات البلاد والعباد لا يليق إلا بأمثالهم، والذريعة أن ما يقدم يستهدف أصحاب الفنادق المصنفة والرياض الفخمة والمؤسسات التي تقدم المأكولات على أكبر مستوى من خلال دفاتر تحملات، ولا تعني "الكوزينة المغربية"بتاتا. هل نسي أصحاب البرنامج أن المجموعات الفندقية والمطاعم الضخمة لها أساتذتها ومستشاروها في الطبخ يضعون خطة عملهم وينظمون مواردها المادية والبشرية وينسقون مجريات أجرأة برنامج اشتغالها ويراقبون ويتتبعون مراحلها ويقيمونها ويتدخلون لتدبير أزماتها ويسيرونها في حركية لا تنقطع مادام الزبون على الأبواب.هل نسي هؤلاء كذلك أن برنامجا لهواة الطبخ لا يطلب هذه الضجة المادية الكبرى وسط بلد معروف بثوابت مطبخه (الرفيسة، الكسكس، الدجاج المحمر، البسطيلة، الحوت، السفة والسلاطات ...)،أم أن المسألة تتداخل فيها عناصر أخرى لم نستطع فك طلاسمها؟؟؟ وفي عودة ضرورية لماستر شيف المغرب 2014 نتوقف عند شيف رمزي البواب أحد أعضاء لجنة التحكيم التي تقيم عمل المشاركات والمشاركين وتمنحهم النقطة العددية التي تكون جواز مرور للبرايم الموالي أو محطة نهاية المشوار مع تسليم الوزرة والانصراف من الباب الواسع. هذا ما عبر عنه شيف رمزي البواب الأكاديمي والمهني العالمي (حاصل على نجمة ميشلان بفرنسا) الذي قرر أن يغادر البرنامج هذه السنة وعدم حضور النسخة الثانية دون ذكر الأسباب، وهو ما قام به مخرج البرنامج كذلك لدوافع تظل مجهولة. وحسب بعض التكهنات التي استقيناها من مصادر متعددة ترجع الأسباب المباشرة لمقاطعة شيف رمزي لنسخة ماستر شيف المغرب الثانية للأخطاء القاتلة التي وقع فيها البرنامج وأهمها وأقواها التعرف على حليمة المقيمة بالديار الاسبانية والمشاركة في المسابقة كفائزة(40 مليونا) قبل مشاهدة البرايم الأخير من البرنامج. وهو سبب أكثر من مقنع لمغادرة شيف كبير مثل رمزي للبرنامج في نسخته الثانية، لأنه يضرب في العمق مصداقية لجنة التحكيم التي كان فيها رمزي الشاب المتميز ذي الحضور الوازن والقوي بحيث تكفي نظراته لتقول كل شيء وتحسم في أدق التفاصيل والجزئيات التي كانت كافية لتعجل باختياره الرحيل عن أشواط برايمات 2015 يدا في يد مع مخرج البرنامج. لسنا ضد الجديد في كل مجال، ولسنا بالمعادين للإبداع ولكننا مع احترام خصوصيات أذواق كل بلد ومراعاة مركزهم الاجتماعي وهشاشة وضعهم الاقتصادي وتدني مستواهم المعيشي، حري بنا السير سير ضعفائنا وإلا ستكبر الهوة ويزيد الحقد وسينفرد الناقمون بالغضب ليصدرونه عبر قنواتهم في المقاهي والترامواي والحافلات والأعراس وغيرها من محطات التجمع المسموح به ليعبروا عن سخطهم جراء الجوع الذي أصابهم من خلال متابعة وصفات بنسديرة وموحا ومريم ورشيد (القادم الجديد) وهم يتذوقون بل "يغلقون" أمام أعينهم وقد سالت لعاب الجميع كبيرا وصغيرا في مشهد درامي يبعث على الشفقة، بل على الضحك الممزوج بالسخرية من جراء عنف مطبخي مورس علينا دون أن نجد طريقا الى البلاطو لنتقاسم معهم "البنة" التي استفردوا بها لوحدهم، ونشاركهم فيها بما أوتينا من "سنطيحة" حتى لا نجهل فوق جهل الجاهلين ونأكل "جنابنا"كما يفعل من حرم الجلوس على موائد الشواء ومأدبات الكرام...