أثبتت العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا خلال الأسبوعين الماضيين أن تهديدات قوية تواجه المجتمع الدولي، وتهدد أمن مواطنيه وتخلق أجواء من الرعب والهلع. فهذا التطور النوعي الذي يطال التنظيمات المرجعية للإرهاب ومجموعاتها وذئابها المنفردة، أصبح اليوم يمثل تحديا كبيرا للدول ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية . وما حدث في فرنسا قبيل ويوم 13 نونبر وبعده يؤكد بأن الإرهابيين اختاروا طرقا جديدة في التمويه والتدريب والإعداد اللوجيستيكي والتخطيط لتنفيذ عملياتهم الإرهابية ، وأن إمكانيات استقطاب العنصر البشري وتوظيف التكنولوجيا وتحديد الأمكنة والتوقيت، شهدت تحولات عدة سمحت لهذه البنية الإرهابية بأن تزرع خلاياها في أهم مدن أوروبا ، بل في العديد من أقطار العالم . ومن مظاهر هذه التحولات فظاعة ما جرى في باريس يوم 13 نونبر، حيث هذا القتل الجماعي والبشع لأرواح بريئة تعشق الحياة . وهي فظاعة أبرزت همجية مطلقة وتعطشا للدماء واستهتارا بالكائن البشري . هكذا غدرا نفذ الارهابيون عملياتهم مدعين بأنهم يقومون بذلك باسم الدين الإسلامي وكأن هذا الدين الذي هو دين الرحمة يحث على الغدر والقتل وترويع الناس. إن الدين الإسلامي براء من هذه الممارسات التي ماهي إلا شكل متطور من أشكال الجريمة المنظمة التي تغري آلاف الشباب بإغراءات خرافية، وتستغل جهلهم بكنه الدين ومقاصده وتوظفهم في حروب تتقاطع فيها مصالح دول وأفراد وصراعات وأجهزة . ودون شك هناك إمدادات مادية ولوجيستيكية وفكرية تغرف منها هذه التنظيمات الإرهابية . ففي أكثر من دولة عربية وإسلامية هناك بؤر لإنتاج فكر متخلف يلوي أصحابه من متفيقهين ومشايخ عنق النص القرآني والحديث النبوي ليجعله مطابقا لهمجيتهم وظلاميتهم وعشقهم للقتل ورفضهم لإنسانية الإنسان الذي كرمه الله وجعله شعوبا وقبائل لا فرق بينهم إلا بالتقوى. إن التهديد الإرهابي لايزال قائما ليس فقط في أوروبا ، بل في دول عديدة من بينها المغرب . فبلادنا اكتوت بنار هذا الإرهاب في أحداث عدة أبرزها ما وقع بالدار البيضاء ومراكش . وحجم الخلايا التي يتم تفكيكها والافراد الذين يتم اعتقالهم وارتباطاتهم بالبنية الإرهابية الدولية، يؤكد أن الخطر محدق وقائم. فهناك مجهودات جبارة تقوم بها الأجهزة الأمنية المختصة لمواجهة هذه الخلايا والإجهاز عليها قبل أن تمر إلى مرحلة التنفيذ، وبالمناسبة نوجه تحية تقدير إلى هذه الأجهزة التي تعمل على حماية بلادنا من هذه الآفة . وقد أثبتت كفاءتها وهي تقدم المعطيات المتوفرة إلى بعض العواصم الدولية ومنها باريس لملاحقة واعتقال الخلايا الإرهابية.ويتضح اليوم أن محاربة التنظيمات الإرهابية تتطلب تظافر الجهود بين الدول لأن الإرهاب أصبح عابرا للقارات يمر من كل المنافذ ويتواصل بكل أشكال التواصل المتاحة ويبحث عن الثغرات للتسلل وزرع القنابل ونقل الأسلحة والمعدات وتزوير الوثائق ... الإرهاب اليوم يسعى إلى الإجهاز على كل مكتسبات البشرية في التعايش وفي القيم والتسامح والأمن وفي تعزيز كرامة الإنسان . لذلك لابد من تكثيف التعاون لمحاربته واجتثاثه ، لأنه يسعى لتدمير المستقبل بتوظيف بشع وظلامي للماضي.