أغلق حسني مبارك الأبواب على الشعب المصري وقرر العودة به إلى .. عصر المماليك! فمبارك لسان حاله يقول «يا شعب، لا هاتف ولا أنترنيت ولا فايسبوك، ينعل أبوك». لم يخطر على بال أي كان أن مصر الأهرامات، ومصر المكتبات ومصر الجبابرة، قد تفكر في أن تعود إلى ما قبل اكتشاف الكتابة الهيروغليفية لكي يبقى نظام حسني مبارك قائما. هو ذا الشرط العربي الجديد، أي احرص على إغلاق كل علاقة مع العالم لكي تبقى السلطة. علينا أن نفكر بالفعل في كراسي.. تيفال لا يلصق بها الحكام العرب! حسني مبارك لا يشعر بأن عليه الرحيل. فهو رجل ضروري للحياة في مصر، إنه كالنيل وكالأهرامات وكالفول المدمس. تقول النكتة إن صحافيا سأل الرئيس حسني مبارك - إيه رأيك في التغيير يا ريس؟ فأجابه الرئيس - التغيير ذا سُنَة الحياة ، ذا سنة الكون، ذا سنة الطبيعة - لكن ليش ما بتتغير يا ريس؟ - علشان ذا أنا فرض، أنا مش سنة يا ابني ذا أنا فرض» على مصر وعلى العالم وعلى الكون وعلى الطبيعة وعلى السماوات السبع الطباق! كل شئ كان متوقعا في مصر، إلا أن تقوم قيامة الدولة ومن معها ضد الهواتف النقالة. كما لو أن البلهارسيا والجذام وكل أنواع فقدان المناعة تنتقل عدواها من الخليوي! منذ أيام الخديوي اسماعيل لم تحصل مصر على إهانة إلى أن جاء عهد الخليوي مبارك حسني! ولا أحد تصور الرد الذي قامت به السلطة: الدعوة إلى إغلاق العالم في وجه مصر أو إغلاق مصر وعزلها عن العالم، وجمع مجلس الشعب من أجل أن يفكر في تقديم الطعام إلى شعب غاضب. وأصبح مجلس الشعب تريتور يزيد في السميك. كما لو أن خطاب مبارك يقول: «اغلقوا على هذا الشعب هذه البلاد واملأوا بطنه بالفول المدمس، وإذا فتح فمه للتعبير املأوه بالحنطة والمولوخية. «لا تفتح فمك أيها الشعب إلا إذا كان مجلس الشعب بلباس الطباخين يحمل ملاعق طويلة لكي يزيد في وزنك. أما هل في البلاد مشكلة سياسية أو مشكلة تعبير أو عطب في السياسة وأزمة نفور كبيرة من المسرحيات السياسية المقترحة على هذا الشعب، فالجواب لا وكلا وجما ولا!» اطعموهم وزيدوهم في السميك، هذا ما يريدون. ولا تعطوهم أكثر من ذلك . حتى الشرطة نزعت بذلاتها، ولم يسمع مبارك صوت الشعب المصري، بل أراد أن يذله في الحد الأدنى للأجور. مصر التي لا يأبه فيها أحد بالسياسة تريد اليوم أن تجيب على مشاكلها، بالعزلة! اوقفوا الهواتف النقالة حتى لا تنتقل العدوى التونسية إلى مصر. وأوقفوا الأنترنيت حتى لا تسري حرارة الثورات في عروق الشعب. إننا اليوم أمام مشهد كافكاوي وسريالي كبير.. كان على النظام أن يعمل بما ليس منه بد، أي التعامل مع المتغيرات والاستجابة، من الأشياء الحتمية للأشياء الحتمية.. لكنه اختار أن يفر إلى ... الوراء . هروب مبارك كان في الزمان وليس ( بعد) في المكان! إنه هروب إلى ما قبل اكتشاف الانترنيت والهواتف النقالة والشاشات الصغيرة .. هروب في الزمن لأنه يشعر ربما أنه أقرب إلى توت عنخ امون منه إلى الديموقراطيات الحديثة. مبارك الذي أصر على أن يتولى ولده الحكم من بعد، يريد بالفعل أن ينتمي إلى سلالة حوروس. كما لو أن البلاد لا يمكن أن تحكمها سوى المومياءات.. والعائلات القادمة من الشمس. وكم في مصر من المضحكات، لكنه ضحك كالبكاء، قالها ذات يوم المتنبي، وهو يغادر مصر غاضبا من حاكمها كافور الأخشيدي.