في الطريق إلى الهدف، صعودا عبر التواءات حي الكوشة الشعبي الذي ألهب بعصيانه المدينة بكاملها ذات خريف، وأوقف الحياة لأسابيع عقب مواجهات دامية مع القوات العمومية، لم يكن الخوف يراودنا على الإطلاق، وظل حلم الكشف عن الحقيقة يسكننا، حقيقة توقف أشغال بناء مشروع استثماري ضخم. كان لابد من البحث عن الأسباب الحقيقية وراء تعثر مشروع استثماري ضخم يحتل موقعا استراتيجيا بالمدينة. كانت العجلات تقضم الإسفلت في رتابة، ورياح الشرقي العاصفة تنتزع سحايا الرؤوس وترغم الأشجار على التكاثف القسري، وفيما الدور والأبنية تجدد مظاهرها على الجنبات، والطوابق تنضاف هنا وهناك، كانت أعمدة الإنارة العمومية تنغرس مشرئبة على امتداد المسافة الفاصلة بين الحاضرة التازية في اتجاه منطقة باب بودير السياحية لتمنح نورها بسخاء. فقط عندما تصل إلى المنعطف الضيق المتعرج تشرع الأشجار في إزاحة ظلالها، لينكشف حي امسيلة الحديث النشأة وباب طيطي التاريخي من خلال كوشة الرفاي «comp de raphaelle. بانوراما هادئة ومستقرة، وهو الذي عرف احتقانا خطيرا بسبب سخط السكان من غلاء فواتير الماء والكهرباء السنة الماضية. قالت مصادر متطابقة لحظتها، إن المسؤول الأول عن هذه المواجهات هو عامل المدينة، وطريقة تعامله مع السكان. مضيفة أن رحيل هذا الأخير من شأنه أن يخفف من حدة المواجهات، ويعيد الهدوء للمدينة التي كانت حصيلة هذه الأحداث بها ثقيلة، خاصة في صفوف القوات العمومية، حيث أصيب بجروح متفاوتة الخطورة 26 عنصرا، 17 منهم إصابتهم وُصفت بالبليغة، 14 ينتمون إلى صف القوات المساعدة و3 ينتمون إلى سلك الأمن الوطني، حسب مصدر أمني من تازة وقد تم نقل 5 حالات إلى المركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني لتلقي العلاجات الضرورية، وإدخال العديد من الشبان الى السجون. كانت الغاية واضحة ومحددة، النبش في محيط المكان وتمظهراته عن مسببات قد تكون أجهضت مشروعا تنمويا بهكذا حجم بات اليوم مهجورا، مشروع ضمن حلقة مشاريع تنموية واعدة ومتفردة، من شأنها أن تخلق مائة منصب شغل ، وتحقق مستوى تنمية تبدو الحاضرة التازية في أمس الحاجة إليها، لكنها لم تحقق المأمول منها، كانت الأسئلة تحيط بنا من كل جانب، هل يتعلق الأمر بنوع من الارتجالية والعشوائية ، بل والبيروقراطية التي تطبع في غالب الأحيان تعامل مصالح التعمير مع المستثمرين؟ أم بطريقة استفراد المستثمر ذاته بتصور معين لمشروعه بعيدا عن الأنظار، وبمنأى عن أي حس للمنطق التشاركي؟ أم ثمة أسباب موضوعية أخرى نجهلها، لها ارتباط بالعقار والتربة وانعدام صلاحية المشروع من أصله؟ هاجسان سيطرا على المخيلة ونحن نقطع المسافة بين حي مسيلة وأعلى تلال حي الكوشة، الأول يتعلق بوضع بناية مشابه لكنه موغل في التاريخ، ويعود إلى حوالي 50 سنة مضت، حيث تم بناء معمل للآجور بتازة السفلى، منطقة المسبح البلدي حاليا، بداية الستينيات، لكن لأسباب مجهولة، توقفت الأشغال بحيث بلغت نسبة الإنجاز 60 بالمائة، ليظل على ذلك الحال إلى يومنا هذا، عنوانا لمرحلة تشوبها التباسات وشياطين كامنة في التفاصيل، وإذا أضفنا الشح في المعلومة، فإن الأمر يغدو أشبه بتحريك عش الدبابير، حينها يعظم السؤال» هل قدر مدينة تازة هذه السلسلة المتراصة من المشاريع الاستثمارية المجهضة؟ وهذه النهايات المخيبة للآمال للمشاريع الاقتصادية الكبرى؟ أما الهاجس الثاني، فكان محفزا وتنويريا بامتياز ،فهذا المشروع الاستثماري الضخم الذي تجسده هذه البناية الحديثة العهد والجاثمة على صدر المدينة مثل هيكل قديم، قد يكون التدبير السيئ لهذا المنتخب أوذاك سببا رئيسيا في فشله؟ ولنا أمثلة كثيرة في التعاطي السلبي مع المشاريع السياحية وأفضليات الاستقطاب السياسي بلبوسه الانتخابي البئيس؟ وقد يكون النبش في هذا الملف وطرحه أمام الرأي العام، فاتحة لحلحلة مشاكله وإيجاد حلول لتعقيداته الشائكة. باستثناء صاحب المشروع الذي لم تفلح مبادرتنا المتعددة في الحصول على رقمه الهاتفي او الاتصال به، سجل جميع من حاورتهم الجريدة في شأن هذا المنتجع السياحي الذي يطل على تازة بأكملها، استغرابهم لتوقف الأشغال به فجأة، ودون سابق إشعار. يقول الإعلامي «م.د» العديد من المشاريع التنموية الكبرى التي التهمت مئات الملايين من الدراهم، دون أن تحقق الجدوى المطلوبة، تطرح على أصحابها الذاتيين والمعنويين أكثر من علامة استفهام؟ كما تسائل بنسبة أقل السلطات المحلية الموكول إليها تدبير مصالح التعمير بالمدينة. أستاذ الجغرافيا بدوره قدم توضيحات ضافية حول المشروع مؤكدا أن الأمر يتعلق بإعادة هيكلة وضبط ليس إلا، نافيا أن تكون هناك تعقيدات مسطرية أو «تحركات لوبية». وأضاف متسائلا «ما نتمناه من السلطات الجديدةبتازة ليس فتح تحقيق جاد وموضوعي في النازلة، بل التعجيل ومعالجة ما قد يعترض المشروع من مشاكل وتعقيدات مسطرية لما فيه خير للمدينة وشبابها، مع تقديم المساعدة اللازمة لوقف النزيف وتقويم الاختلالات المتراكمة للمشروع لإخراجه من فشله». وقال أحد سكان المنطقة «المشروع الذي تحاولون تسليط الضوء على جنباته المعتمة يشكل حلقة صارخة من المشاريع الفاشلة بتازة، وأشار إلى البناية المهجورة «هذا لوطيل وريطورا «التهم الكثير المال لبناء الأساسات وتسوية الأرضية وتأهيلها، دون تحقيق المبتغى منها، ليبقى بعضها مجرد خربة، تشهد على ضعف الرؤية، وسوء التدبير ونقص الخبرة لدى القائمين على شؤون التعمير بالمنطقة «وتابع مستطردا» انظروا أسفل البناية المطلة على الشارع، إنها تنهار...» ولابد أن يكون للمخزن قرار.. لأن حياة الناس في خطر..». بتثاقل وانعدام ثقة في ما قلته رد محاوري «المدينة مثقلة بهموم انتخابية وبصفقات تحت الطاولة بملايين، بل ملايير الدراهم، يا صديقي، والوضع موبوء في ظل مراهنات وتكتلات لا رابط ولا ناظم سياسي يحكمها، سوى المال، لكن بين هذا الهاجس وذاك، ثمة غاية أسمى، وهي وضع الرأي العام في صورة مشروع سياحي يسيل لعاب المستثمرين بالمدينة، لكنه توقف فجأة من غير أن يعرف أسبابه، ولا المسببات الكامنة وراء إيقاف عجلته والمتضرر الوحيد هي تازة المنكوبة في منتخبيها؟». وفيما أرجع مسؤول مدني فشل العديد من المشاريع التنموية إلى السرعة في التصور والإنجاز لأصحابها، بعيدا عن منطق الشراكة في التصور ودراسة الجدوى، وكذلك في عدم إعطاء مسألة دراسة الجدوى بعيدا عن النيات المغرضة الأهمية التي تستحق، ألقى متحدث آخر باللائمة على النقص الفادح في الخبرة وارتكاز المستثمرين على ما تجود به قريحتهم من أفكار وتصورات، واعتمادهم في الغالب الأعم على الثقة في المشروع، بدل المراهنة على الكفاءة في إخراجه والسبل الكفيلة بإنجاحه وعقلنة طرق تدبيره». أما الزميل الحقوقي «م.ب» فقد ذهب بعيدا، حيث أشار إلى موجة «مرضية «طغت واستشرت، يتعلق الأمر، حسب رأيه، بإنتاج وإعادة إنتاج وتكرار المشاريع الاستثمارية مع قلة الإبداع ونقص الابتكار. والابتعاد ما أمكن عن كل ما يمكن أن يسبب نزيفا ماليا يقلل من نجاعة المشروع ومردوديته المالية. يحدث هذا في وقت تتجه سياسة الدولة، إلى منطق الإغراء وتقديم التنازلات والمساعدة على تجاوز التعقيدات المسطرية أمام المستثمر من الهيلكة والترسيم العقاري، وتسهيل المساطر الإدارية امام المستثمرين من أجل خلق فرص حقيقية للتنمية وإيجاد فرص شغل لشباب المدينة نجد مشروعا كلف أصحابه الملايين من الدراهم بعد ان ثبتوا الأسس وأقاموا الطوابق وأحدثوا المرافق وفق التصاميم الجاري بها العمل، يتوقف فجأة، فمن قائل إن بيروقراطية الإدارة كانت السبب الرئيسي وراء توقف المشروع، ومن قائل إن الأسباب شخصية جدا تتوقف على صاحب المشروع، ومن يرجع ذلك الى التكلفة الباهظة سيما بعد أن أثبتت الدراسات أن انجرافات ترابية قد تعصف بالمشروع الذي بني فوق تلة ضخمة تطل على المدينة بمنطقة الكوشة، بتاز العليا. وترجيحا لكفة الفرضية الثالثة، قام المستثمر ببناء سياج إسمنتي عبارة عن سور بالخرسانة المسلحة، من شأنه أن يوقف أي انجراف، لكنه توقف بدوره، ولم يكمله حتى النهاية، ما يطرح علامات استفهام كبيرة، ليظل المشروع جامدا، بعد أن صرفت أموال طائلة على إقامة 60 في المائة من مرافقه. والسؤال ما موقف السلطات البلدية من هذا الحدث ؟ وهل قدمت ما يكفي من أجل مساعدة صاحب المشروع على إخراجه إلى النور اعتبارا لدوره الاقتصادي وفعاليته على اقتصاد المدينة التي تشكو من فراغ صناعي قاتل، سيما بعد توقف الكثير من معاملها الصناعية بطريق وجدة والتي كانت في ملكية مستثمرين ألمان؟ المشروع موضوع التحقيق، كان معملا بداية الاستقلال خارج أسوار المدينة تلافيا للدخان الذي يتسرب ويسود الأمكنة والشرفات، يقول محمد العلوي الباهي باحث في الحضارة المدنية، وبعد أن اقتناه أحد المواطنين وظل في ملكيته لفترة باعه لأحد المواطنين الألمان، الذي قرر تحويله إلى منتجع سياحي مستغلا موقعه الاستراتيجي، حيث يطل على مدينة تازة سفلاها وأعلاها. وتم منحه الترخيص القانوني لإقامة المشروع السياحي المتكون من فندق ومطعم ومرافق سياحية وخدماتية، لكن فجأة توقف المشروع، يضيف مؤرخ المدينة، «لينضاف إلى قائمة المشاريع المجهضة لهذه المدينة التي لازمها الإجهاض في كل شيء؟ فإلى متى تظل الحاضرة التازية خارج أي مشروع سياحي جهوي يليق بتاريخها المشرق في النضال؟ وهل ثمة لوبيات تساهم في عرقلة مثل هذه المشاريع التنموية الكبرى ياترى؟ ولمصلحة من؟ وتبقى الخلاصة هي أن المشروع تم توقيفه بقرار من المجلس البلدي، وذلك بعد أن تأكد للجن التقنية المتخصصة حدوث انجرافات في مقدمة المشروع، بعد انهيار التربة من الجهة السفلى المطلة على الطريق الرئيسية تازة باب بودير، يقول محمد بلشقر، نقلا عن متتبع للشأن العام، كما ان توسيع الطريق وتسهيل الولوج اليها في الاتجاهين من بين ما تسعى السلطات البلدية إلى تحقيقه، على الرغم من أن مالك المشروع ضخ أموالا طائلة لمنع التربة من الانجراف عبر تشييد سور ضخم من الخرسانة المسلحة، في رغبة صادقة لمواصلة إنجاز مشروعه الاستثماري، الذي نأمل أن لا تتوقف الأبحاث لمعرفة رأي صاحب المشروع لاستجلاء الحقيقة الكاملة.