ما تزال المشاركة الحقيقية للمرأة المغربية كقوة عمل غير واضحة بالشكل الذي تجعل الباحث يقرر حقيقتها أخذا بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تكبح تفتح سوق الشغل من حيث أنه ولدواعي وجود البطالة بالمجتمع لازال سوق الشغل لم يحتاج إلى جهود المرأة ، كما أن العامل الاجتماعي الذي يرى أهمية المرأة بالبيت يعمق من دوائر القلق حول المفهوم الذكوري لتواجد المرأة ببيتها ليلا يقول ذ.عبد الرزاق مولاي رشيد «يجب إعادة النظر في أسطورة الفحولة، صورة التواجد الضروري للمرأة بالبيت ليلا». غير أن هناك من يعتبر أن المرأة لا تجيد سوى مهن محددة كالتمريض والرعاية بدور الحضانة ورياض الأطفال وبعض أعمال الخدمة الاجتماعية . والمرأة بأحياء الصفيح تعاني المشكل مزدوجا، كخادمة في المنازل، كخياطة،طرازة صانعة للحصير، عاملة لتنقية الحبوب والقطاني ، طباخة بالمحلبات والمطاعم ، مكلفة بغسل الأواني في المقاهي و كنادلة...الخ. إن الدخل المنخفض الذي يشمل هذه الوضعيات المهنية ينعكس على وضعية المرأة «الصفيحية» رغم إنتاجيتها ويعزز التصورات الدونية الثقافية - الشعبية التي يمتلك فيها الرجل الصفيحي جسد المرأة كملكية وكموضوع جنسي فهذا الوضع الثقافي بأحياء الصفيح - برج مولاي عمر بمكناس الذي اشتغلنا عليه كنموذج- يتحرك ضمن ظروف ثقافية وتاريخية ترتفع فيها القيم القروية داخل الحي الصفيحي موازاة مع ارتفاع الساكنة المهاجرة من القرية. لقد أخذ الحي الصفيحي هويته من تهميش السلطات المحلية لوضعيته والتنكرله بعدم الاعتراف بوجوده كحي، ويتجلى تعاطي السلطة مع هذه الأحياء بتهميشها في ما يخص الخدمات البلدية كجمع القمامة وعدم تزويدها بالمرافق العامة الضرورية من الماء الشروب والكهرباء والواد الحار، مما يجعل ساكني أحياء الصفيح بالمغرب يعيشون كارثة بيئية عميقة، هذا بالإضافة إلى عدم السيطرة نهائيا على أي حريق بالحي الصفيحي نظرا لقلة الماء وتجاور الأكواخ المصنوعة من المادة الخشبية و«الكارتونية» . إن فرض الانتداب الفرنسي عام 1912 م على المغرب أدى إلى: « تغيرات حضرية هامة لعل أبرزها هو نمو التجارة وبداية التصنيع واستخدام التكنولوجيا الغربية، على أن أهم التغيرات التي حدثت على الإطلاق كانت ولادة مدن حديثة ذات طابع أوروبي وزيادة نسبة التحضر». استقطبت مؤسسات الصناعة الخفيفة مابين 1947 و1955 أفواج عديدة من المهاجرين الريفيين الذين غادروا مقراتهم نتيجة استيلاء المعمرين الفرنسيين على أراضيهم. ومما يزكي الوضعية المتدهورة لأحوال العمال المغاربة تقاضيهم لأجور زهيدة من تلك المؤسسات الاستغلالية الشيء الذي لا يسمح لهم باستئجار الشقق السكنية بالأحياء المجهزة ولهذا «لجأوا إلى احتلال أراضي الغير وأقاموا عليها خلسة وبين ليلة وضحاها أحياء متخلفة»(1). وعند الاستقلال «السياسي» للمغرب سنة1956 تواجدت بجل المدن المغربية زهاء 75550 وحدة سكنية (براكة أو كوخ) كانت ساكنتها تقارب 414000 نسمة بمعدل 5, 4 في الكوخ الواحد مما يدل على أن 15 % من السكان الحضريين كانوا يسكنون الأحياء الصفيحية . وشكلت هذه الأكواخ 12,2 % من مجموع المساكن في الوسط الحضري مقابل 3 % في الوسط القروي(2). إن مرافقة أحياء الصفيح للوحدات الصناعية ينقسم معه المجال الاقتصادي المغربي إلى مغرب نافع ومغرب غير نافع، فحيثما كثافة أحياء الصفيح بكثرة ثمة هناك رواج اقتصادي ما وهكذا تنازليا حتى «المغرب غير النافع»، حيث انعدام أحياء الصفيح. الوضعية القانونية قد تسمى أحياء الصفيح في أحيان كثيرة بأحياء «وضع اليد» وهذا التعبير يشير إلى الوضعية القانونية التي يُحتل فيها ملك الغير بصفة غير قانونية بالقوة من أجل إقامة مأوى، وقد تكون هذه الأراضي ملكية خاصة للأفراد أو ملكية الدولة، كأراضي الجموع،ال?يش ،المسجد، الأحباس... ويشكل هذا الاحتلال طابعا متحديا للسلطة وقد تلجأ السلطة المحلية المرتشية إلى خلق هذه الوضعية بضاحية ما بالمدينة قصد الإثراء غير المشروع. وإذ تشكل ظاهرة أحياء الصفيح ظاهرة اجتماعية، يشكل تحدي السلطة موقفا جماعيا للأسر التي تربطهم صلة القرابة والآتية من نفس المنطقة الريفية التي تتحرك ليلا كجماعة لغرس الأكواخ. وقد حازت أراضي الدولة المهملة اهتمام المحتلين نظرا لتأخر مسطرة الطرد عكس الأملاك الخاصة. وهناك عدة أنواع من المحتلين ونجد بالحي الصفيحي لبرج مولاي عمر وهو أعرق حي صفيحي بمكناس. وتؤكد الرواية الشفهية على أن سكانه الأوائل كانوا من عمال الخط الحديدي طنجة- فاس الذين بنوا أكواخهم به (منتزه عمر أو عين بيد رو) قبل سنة 1920، فوق أرض مقسمة الملكية بين الدولة والخواص (المالك اليعقوبي). وقد سجل برج مولاي عمر ساكنة تقدر ب13500 سنة 1957 وقد كانت غالبية سكانه من خدم المنازل عند الأوربيين الذين كانوا يعزلونهم عن باقي الشعب المغربي لمحاصرة وعيهم السياسي وقد أقضَّت المطالبة بالاستقلال مضجعهم. المحتل الملاك وهو الذي احتل الأرض وبنى الكوخ. المحتل المستأجر من المحتل الملاك. المحتل المضارب الذي ينتظر من الدولة تعويضه بقطعة أرضية ليبني عليها مسكنه وهو غالبا ما يبيع هذه القطعة وينتقل بأجزاء كوخه القديم إلى احتلال آخر وهكذا.. المحتل التاجر الذي يمارس تجارة ما داخل الحي الصفيحي وقد ازداد إهمال السلطة لساكنة هذه الأحياء إلى خروج هؤلاء من قائمة سجلات الضرائب وتفتيشات الجودة والغش ، فيكثر بهذه الأحياء كما في دوار (ميكة) كل أنواع التجارة الممنوعة من مخدرات ،(ما حيا) المشمولة بالإثراء الفاحش. كما نجد بأحياء صفيحية أخرى، المحتل الجزئي الذي استأجر الأرض من مالكها، كما هو الشأن بدوار رجا في الله بجماعة سبت جحجوح - أحواز مكناس. الوضعية الاجتماعية أثبتت كل الدراسات الاجتماعية التي اهتمت بأحياء الصفيح أن معظم ساكنتها من المهاجرين الريفيين الذين عجزت الأراضي الزراعية عن توفير العمل لهم. كما أن الرواج الباهر لليد العاملة الرخيصة في سوق الشغل السوداء بالمدن كانت وسيلة إغراء ونزوح عدد هائل من القرويين للمدن والسكن بضواحيها والأمل في الحصول على عمل دائم. إن واقع الحي الصفيحي من شأنه خلق مشاكل خطيرة بالنسبة للمدينة التي يجاورها، فحي برج مولاي عمر وحي سيدي بابا كانا من بين الأحياء الصفيحة انتشارا للأمراض ناهيك عن اتساع قاعدة الأميين بهما، هذا مع ارتفاع نسبة الجريمة من الدرجة الأولى والعنف بين الشباب مما يؤدي إلى تدهور التركيبة الاجتماعية نحو التصدع والتفكك. إن المشكلة الحقيقية لساكنة أحياء الصفيح تتجلى في الخلل الاجتماعي والسياسي الذي يفرزه وجود فئة حضرية اضطرتها ظروفها القاسية للعيش بالحي الصفيحي والتي تنشر وعيا سياسيا معارضا بسبب حرمانها من منجزات التحضر، وهم واعون بما يشكلون من قوة انتخابية استغلها بعض السياسيين المحليين للوصول إلى كرسي البرلمان ( كما وقع للحي الصفيحي (تاورة) ، الموجود وراء سور مقبرة سيدي بابا ، الذي تم تحويل نصفه في عهد السياسي «الناجح صفيحيا» إلى مرجان 6 (كاميليا) يمينا في اتجاه أكوراي وهذا التطبيق للوعد الانتخابي جاء على حساب احتلال جماعة الإسماعيلية(سابقا) لأرض مهملة لفرنسي قاطن بالخارج، والإبقاء على النصف الآخر مع هيكلته بعين المكان .) هذه الوضعية خلقت حيا «صفيحيا - إسمنتيا» آخر لم يجد حلا لتراخيص الماء والكهرباء إلا مع حلول الانتخابات الجماعية الموالية (الحالية). الوضعية الثقافية إن فقر ساكنة أحياء الصفيح تخلق ثقافة خاصة ذات عناصر مشتركة بين الفقراء أينما وُجدوا، وهذه الثقافة تنتج نفسها بنفسها، كما أن خصائصها يتوارثها جل الأجيال المتعاقبة على الحي، «فهناك مبالغة واضحة في قوة الرجل وذكور يته ومكانته. وهناك مبالغة في إسقاط القدرة على المبالغة والتصدي عنده.وهناك مبالغة في تقدير مدى تحمله وجلده وعدم شكواه.وهناك مبالغة في قدرته على كسب الرزق وتدبير أحوال الأسرة، (أسطورة الرجل الذي ينتزع اللقمة من فم السبع). وهناك مبالغة في عدوانيته، فوران غضبه، سلوكه الهجومي، من ناحية، وشجاعته وقدرته على التحمل من ناحية ثانية»(3). وتجد هذه الوضعية تمظهراتها في ارتفاع معدل الوفيات وانخفاض متوسط الأعمار، في انتشار الأمية، مشاركة ضعيفة في منظمات المجتمع المدني، عدم المشاركة في برامج الرعاية الطبية، كما في كثرة اللجوء إلى العنف ضد الأطفال والنساء وإهمال الرجال لأسرهم وهجر زوجاتهم حيث يسود إثر ذلك التمركز حول الأم والإعلاء من شأنها وإلحاق كل الصفات الايجابية بشخصها، مع سيادة الاعتزاز بالذكورة لدى الرجال وعقدة التضحية والاستشهاد عند النساء، «ويرتبط بوظائف الأمومة، وظيفة هامة ترضي المرأة، وهي احتلال دور المعبر عن الشرف (شرف الأسرة في صيانة نسائها) والكرامة (كرامة الرجل في الحفاظ على سمعة بناته). لعب هذه الوظيفة يعطي المرأة انطباعا بأهمية شأنها في شبكة العلاقات الأسرية[...] ودور آخر مرافق له، وهو الحفاظ على تقاليد الأسرة وتراتبها.المرأة هي التي تجسد التقليد وتحميه وتنقله، ولو أنها في الواقع أكثر الكائنات تعرضا لغبن ذلك التقليد وهي التي تمد المعايير الاجتماعية بقوة خاصة، ولو أن هذه المعايير تمارس أقصى درجات التزمت تجاهها»(4). إن هذه الخصائص منها الناتج عن تهميش السلطة المحلية لهم ومنها الوضعية التي يقابل بها السكان هذا الإهمال برد الفعل والانغماس في اللا مبالاة اتجاه كل ما هو سلطة، ما عدا ما تطرقنا له من انسياقهم الطوعي للتأثير في الانتخابات الجماعية والبرلمانية واستغلالهم لهذه القوة لإيجاد الحلول المناسبة لوضعيتهم المزرية. إشكالية البحث إن الوضعية الموزعة التي يعيشها سكان أحياء الصفيح ما بين الريف والحضر جعلتنا نثير الانتباه إلى هذه الفئات المهمشة من سكان «المدن» والتي وضعناها بين مزدوجتين انطلاقا من الوصف الذي خصهم به المستشرق الفرنسي جاك بيرك عندما قال «إنهم حضريون دون أن تكون لهم مدينة يتنمون إليها». فهذه الوضعية المستعصية على الاندماج في حياة المدينة توسع من الهوة الثقافية والمعيشية التي يأخدها الأفراد كمقياس للمواطنة وكإطار مرجعي لأحكامهم المسبقة والرافضة لكل ما هو سلطة، وكل ما يقدم لهم باسم التنمية. إن الأسئلة التي طرحناها على البحث كانت تبحث فقط عن التفسير بالفهم كمنهجية، للقضايا التي انصبت افتراضاتنا عليها وتهدف في المقام الأول على إبراز العلاقة بين متغيراتنا والسلوك اليومي للإنسان الصفيحي مقترنا بتأثر أناه بالآخر في عمق تأثره بالقيم والعادات التي حملها معه من قريته ومدى تمثله لثقافة مدينية مغايرة يعيش ضمنها. لهذا ساءلنا تأثير مستوى الدخل الفردي للعائلة الصفيحية على مدى خروج المرأة الصفيحية للشغل. -فما مدى أثر تجدر المنطق الذكوري وانغراسه بالحي الصفيحي على تصور المرأة لذاتها وللآخر داخل البنية المجتمعية؟ - ما هو موقف الرجل الصفيحي ضمن هذا المنطق من عمل المرأة؟ وبالتالي ما موقف الأسرة الصفيحية من تمدرس البنات؟ -3 فرضية البحث : إن الفرضية الأساسية التي اعتمدتها في هذا البحث قد تمحورت بالخصوص على العلاقة التبادلية ما بين المحيط والمركز ومدى تبعية الأول للثاني على اعتبار أن الوسط الصفيحي لا ينتمي لا لهذا ولا لذاك، فهو لا يتنعَّم بإيجابيات القرية ولا بإيجابيات المدينة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إن صدود المدينة عن إدماجهم يشكل لدى الصفيحي عقدة السلطة حتى بات من دلالة انغلاقه عدم تعامله حتى مع المدرسة كمرفق عام. على أن الفرضية الجوهرية تتجلى في مقاربة الموضوع من جانب الطرح الجند ري ومدى تأثيره على مواقف وقيم سكان هذه الأحياء. ويرتبط التعريف التنموي للجندر لدينا بمعنى تحرير المرأة وترقية دورها في التنمية، بمعنى السعي لأجل إدخال إصلاحات لزيادة مساهمة المرأة في العمل وزيادة دخلها. منهج البحث لقد اعتمدت في هذا البحث العمل بالعينة التي من حسناتها تقديم مجتمع تمثيلي للباحث وفضلا عن ذلك تقدم أنموذجا للمجتمع و تلخص مجمل الصفات الأساسية لمجموع المجتمع المستهدف في الدراسة. إن استعمال العينة الحصية توفر لنا مجتمعا ممثلا له خصوصياته الذاتية التي يصعب تعميمها كلها، ولهذا فهذه المنهجية لا تحقق من رغبة تعميمها إلا تشابه وجهات النظر بالنسبة للمجموعات السكنية من حيث وحدة الخصائص المتعلقة بمستوى النوع الاجتماعي والأخلاقي-الثقافي والسكني الذي تهدف الدراسة لتجليته. وقد أدرجت نتائج البحث أوَّلا بأول عند التحليل، وقد سطرت على بعضها لتبرز واضحة. الواقع السوسيو- ثقافي إن التصورات الثقافية التي تضخم صورة المرأة وتجنسن كينونتها ما تزال حاضرة بشكل كبير في لا وعي الرجل والتي ساهمت كل من الأساطير والخرافات في تعميقها ودفع الرجل إلى الإفراط في غيرته على نسائه: أما ، زوجة، أختا أو بنتا وقد تتسع الدائرة عند الصفيحي إلى العمة والخالة وبناتهما، هذه الغيرة العنيفة قد تصل به إلى درجة القتل وتشويه الجثة والتمثيل بها والمباهات بذلك، والانغماس في المخدرات، كل هذا يعتبر سلوكا عاديا بالوسط الصفيحي فالضمير الجمعي عندهم (نساء ورجال) يربط احترام الرجل فيه بمدى محافظته على شرف نسائه، على مدى حجبهن عن الأنظار وعلى مدى استجابتهن لمثل هذه القيم والتماهي مع هذه الممارسات، «إنه في حالة تمرد إحدى نسائه على هذا الوضع أو محاولة التحايل عليه بطريقة أخرى فإن الرجل يواجه هذا السلوك بعنف شديد». من ذلك أن الشتائم والسباب التي تثير الرجل وتجعله يمارس العنف الجسدي في علاقته مع الآخرين هي المتعلقة بشتم نسائه وخاصة أمه أو التعرض إلى أعراضهن بالسوء أو التشكيك فيهن وهذا ما يجعل الرجل متحفظا من عمل نسائه وظهورهن مكشوفات بصفة خاصة . «فهناك العديد من الممارسات المرتبطة بالعادات الاجتماعية والثقافات القديمة، حيث تعمل على هضم حقوق المرأة كانسان له دور في المجتمع. من ضمن هذه الممارسات[...] عدم الاهتمام من جانب الأسرة لتحقيق ذات المرأة واستقلاليتها، بل على العكس من ذلك نجد أن العادات تشجع المرأة على أن تعتمد على أخيها الرجل ماديا ومعنويا وثقافيا» . وهذا ما يجعل العلاقة بين السلوك داخل الأسرة الصفيحية والدخل الفردي لا يعكسه سوى استقلال الرجل كصاحب دخل مرتفع نسبيا باتخاذ القرارات الحاسمة داخل الأسرة، ويبرز سلوك المرأة في هذه الحالة - كما استنتج ذلك د.محمد حميد بخاري سابقا - في تبعية طوعية تجعلها أكثر إقبالا على استشارة الرجل ومعرفة رأيه سواء كان زوجا أو أبا أو أخا أو ابنا... موقف الرجل الصفيحي من عمل المرأة الخلاصة التي استقيناها من تفريغ الاستمارات 30 التي اعتمدناها في مقابلاتنا كبيانات عن الحالة المهنية للمرأة بحي برج مولاي عمر وكان ثلثا الأسئلة موجهة إلى الرجال. وهي تعكس التصورات الثقافية للذكر وبذلك فالمرأة تنشط أكثر في الأعمال المرتبطة بالبيت، فكلما تقدم الرجل في السن واتسعت قاعدة علاقاته الاجتماعية كلما تدخل في عمل نسائه وأثر ذلك على انزواء المرأة من الأعمال المفتوحة كالاشتغال التي تفرض الاختلاط الجنسي في المحلبات والمقاهي لصالح اشتغالهن بالمنزل كخياطات وطرازات ونساجات . وهذا الموقف غير قار فهو يتغير مع الدخل الفردي للرجل، فكلما كان دخله كافيا وجه جميع أنشطة نسائه الى الأسرة وهذا الموقف يشتغل وفق ارتباطه الوثيق بالقيم التقليدية التي تنتج وعيه ولكن الذي يجب التأكيد عليه هو «أن اعتبار عمل المرأة عيبا ليس قيمة قروية لأن المرأة القروية المغربية تساهم في الإنتاج الفلاحي والزراعي إلى جانب الرجل.إذن فاعتبار عمل المرأة عيبا لا يمكن أن يكون إلا قيمة حضرية». وقد أتبث البحث القيم الذي أجراه د. بوزيان بوشنفاتي أن العمل كممارسة مناقضة للأخلاق وقيمه الاجتماعية السائدة بالأحياء الصفيحية يفرض ذاته كموقف عام وقد لاحظ الباحث زمن بحثه (مابين دجنبر 1978 وأواخر أبريل 1979) أن 21 % من مبحوثيه ببرج مولاى عمر «تؤكد أن عمل المرأة يجب ألاّ يؤخذ كمعطى أساسي أو كقاعدة يجب إتباعها». وفي مقابلاتنا التي أنجزناها متسائلين (بعد 25 سنة وبنفس الأسئلة) بخصوص ضرورة أو عدم ضرورة اشتغال المرأة كموقف صفيحي، وجدنا أن النسبة قد انخفظت إلى حدود 15 %، بينما استقر اعتبار عمل المرأة عيبا مع انفتاح هذا الموقف بصفة استثنائية في حالة مرض الرجل أو فقده لعمله. فالمرأة تعمل خارج المنزل في نظر المعطى القيمي والثقافي لأحياء الصفيح كحالة قريبة من الفهم الذكوري ، في حالة مرض الزوج أو موته أو في حالة عجزه عن العمل فقط، وقد تساهم المرأة في ترسيخ هذا التصور حيث وجدنا أن نسبة لا بأس بها من النساء يعتبرن عملهن خارج المنزل عيب وإهانة للرجل. ويظهر أن خروج المرأة للعمل يحيطه صراعها لإستعادة حريتها واستقلالها ، ويشكل هذا الموقف تيارا اجتماعيا يناضل داخله الرجل باحتشام من أجل بقاء الأشياء على عهده بها على اعتبار أن اشتغال المرأة خارج المنزل يعتبره الرجل مساسا برجولته ونجد هذا الموقف السلبي من عمل المرأة قويا عند حضور متغير السن والدخل الفردي . فعند انخفاظ السن وانخفاظ الدخل الفردي يتجه الرجل الى قبول عمل المرأة بالخارج ، وكلما ارتفع السن والدخل الفردي اتخذ الرجل موقفا سلبيا من عمل المرأة . كما أن هناك أسباب أخرى غير الدخل الفردي والسن والجنس تؤثر بشكل واضح من مواقف اشتغال المرأة، فتوزيع الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة يسيطر على العلاقة الاجتماعية بينهما بأحياء الصفيح ، فالفقراء هم أكثر تشبثا ببعض القيم التقليدية التي تجعل الرجل الآمر والناهي وصاحب السلطة العليا داخل الأسرة ، وهم الذين يجعلون للموقف السلبي من عمل المرأة شرعية للتداول، فالرجل للمشاكل العامة والإنفاق والحماية والمرأة لشؤون المنزل وإنجاب الأطفال والذكور منهم بشكل خاص، وبذلك تعتبر أخلاق الرجولة في المجتمع الصفيحي «أن اضطرار المرأة إلى العمل خارج المنزل ينقص من مركزها الاجتماعي، ولهذا فإن العمل بالنسبة للمرأة المغربية العادية ليس تشريفا أو دلالة على تحررها أو تقدمها بقدر ما هو دلالة على فقرها وسوء تقديرها من قبل الرجل سواء كان زوجا أو أخا ولهذا كانت نسبة النساء القائلات بعدم ضرورة العمل مرتفعة». حول ضرورة عمل المرأة الاستنتاج الثاني أن الشرط الثقافي للمرأة يعتبر عملها عيبا خاصة عندما يكون الدخل الفردي للأسرة مرتفعا وخاصة بين الفئة العمرية (26و45) التي تجد الرجل في قمة عطائه الجسدي، ويكون هذا الموقف في برج مولاي عمر مشتركا بين الرجال والنساء، من ذلك تصورهما لمفهوم المركز الاجتماعي والكرامة الاجتماعية، فكلما ارتفع دخل الأسرة باعتبار عمل الزوج وعمل الأطفال من الذكور شعرت المرأة بتفوقها واتجهت إلى النظر إلى العمل خارج البيت كشئ غير ضروري بينما يتجه الرجل مع ارتفاع الدخل إلى التأكيد على ضرورة اشتغال المرأة في حالة الحاجة والعوز. أما المفارقة العجيبة التي تزكي القوة الانغراسية المجتمعية القروية، تلك الازدواجية في خطاب الرجل، العلني وهو الموقف الايجابي من عمل المرأة في حالة انخفاض الدخل، أما الموقف الخفي والذي يعبِّر عنه العقل الباطن للرجل من ذوي الدخل المنخفض فهو اعتبار عمل المرأة إما غير ضروري وإما موقفا متنافيا مع كرامته وقيمه « حيث يحتد الشعور بالكرامة والتمسك بكل القيم التقليدية كلما شعر الرجل بتدهور قيمته الاجتماعية ،أو الاقتصادية .إن التشبث بهذه المواقف دلالة على أن الرجل لم يعد لديه ما يتشبث به سوى هذه القيم. إنها الضمانة الوحيدة للاحتفاظ بمركزه وكرامته، للنضال ضد ضراوة المجتمع وقساوة الواقع». الموقف من تمدرس البنات إن ارتباط الحياة الإنجابية للمرأة الصفيحية بمدى حصولها على الذكور في كل ولادة يعيد نفس الإنتاج العلائقي للتصورات القروية لقوة الأسرة من الناحية الاجتماعية وبالتالي التصورات التي تحدد موقع المرأة داخل هذه المنظومة الفحلية، «أما الأولاد فإنهم يتمثلون القدرة الإنتاجية والقوة الاجتماعية على السواء ولهذا يحرص القروي على أن يكون له أكبر عدد ممكن من الأولاد الذكور ولهذا ترتفع قيمة المرأة الولود التي تنجب ذكورا أكثر مما تنجب إناثا» (5) ، إن هذا التصور العام ليس من شأنه إلا أن يعيد إنتاج نفس القيم الذكورية لنفس الأجيال أو ثلاث أجيال على الأقل فكل من الفتيان والفتيات «يتخذوا نماذج تؤدي بهم في نهاية المطاف إلى أن يكونوا كآبائهم، ويبين بقاء بعض الممارسات أن الأيديولوجية الأبوية والتقليدية ما زالت سائدة ، الأمر الذي يعوق تقدم المرأة وتحريرها». فتعليم الإناث في أحياء الصفيح تؤثر فيه كل من المتغيرات الاقتصادية والبيئة الاجتماعية من قيم وعادات وتقاليد وأعراف. فعلى المستوى التاريخي فقد عرقلت سلطات الحماية الفرنسية حصول أبناء أحياء الصفيح على الخدمات التعليمية وبالتالي فقد شكل جمود الحراك الاجتماعي la mobilité sociale على استنساخ نفس القيم الذكورية عبر أجيال تعاقبت على هذه الأحياء، فأصبح سكانها يمارسون بشكل طبيعي منع الفتاة من التمدرس بينما يجيزه للفتى متّخذا نفس المبررات التي ينتجها الوعي القروي وهو «الفتاة للبيت» وهذا ما وجدناه بحي برج مولاي عمر حيث تصل نسبة الأمية عند النساء إلى حدود 75 %، وقد انعكست وضعية جهل المرأة على تربية أبنائها وتنشئتهم ، على أن ما يتصف به المجتمع القصديري من قيم تشكل تسطيحا ثقافيا إذا قيس بالمجتمع الحضري، وقد تعلقت النظرة السلبية من التمدرس إجمالا وعلى الخصوص تمدرس الفتاة لما أصبحت البطالة مرتبطة بالمتخرجين من المدرسة . وبذلك كانت نظرة العينات التي قابلتها لا تعتبر التعليم هدفا في حد ذاته ولا لذاته مما جعلهم ينفرون من تمدرس أبنائهم، فبالعلاقة مع الاستزادة من الدخل تُرسل الفتيات للعمل كخادمات في البيوت أما الفتيان فيعتبرون من أعمدة دخل الأسرة فهم الباعة المتجولون منذ نعومة أظفارهم. وإذ نلاحظ أن المستوى التعليمي لرب الأسرة متقدم في كل الأحيان على الزوجة نسجل بحي برج مولاي عمر حالات استثنائية يصل فيها وعي المرأة الى التفوق على قرارات الرجل ،يحاول إثرها الآباء التعويض عن المركز الاجتماعي المقهور بتأمين التعلم بولد واحد وببذل كل التضحيات في سبيل ذلك. فتعليم البنت عند الصفيحي الكبير السن يعني خروجها واختلاطها وربطها علاقة مع التلاميذ وبصفة عامة انفلاتها من المراقبة الو الدية حيث يحرص الرجل على كرامته ويعتقد أن شرفه تشكِّل فيه المرأة نقطة ضعفه الأساسية، وباعتبار أن الأب والأم المحافظان على المنطق الذكوري والمسؤولَيْن عن الكرامة ويمثلان الموقف الأسطوري الذي يجعل المرأة معرضة للإغواء وشيطان الشهوة الجنسية، وباعتبار كذلك أن الشاب بالحي وكخلاصة لقيمه المجتمعية لا يستطيع التعبير عن حقيقة وجوده إلا بمغازلة فتيات الحي. يبدوأن الرجل بحي برج مولاي عمر يعتبر تعليم البنت سلوكا يتعارض مع القيم والتقاليد والعادات، فهو عيب وتنكر للأصالة والكرامة.والدور الاجتماعي الذي تُهيأ له البنت كزوجة في المستقبل يجعل12 من المبحوثين من أصل 30 يعتبرون أن تعليم البنت غير ضروري على اعتبار أن البنت عندما تتزوج لا تحتاج إلى المعلومات التي تتلقاها في المدرسة بل هي محتاجة إلى جميع الخبرات التي تتلقاها من أمها والمتعلقة بتسيير شؤون البيت وتربية الأطفال ، غير أن المرأة دون 35 سنة من المبحوثات تعتبر الفتاة المتعلمة أكثر نجاحا في حياتها العملية ، نظرا للتحول في القيم التي تجعل الفتاة عندما تحصل على عمل فهي تساعد أسرتها بنصيب كبير من أجرتها بخلاف الذكور الذين يصرفون ثلثي أجرتهم في مصاريف خارج المنزل والقليل من ذلك الأجر ينقطع عن العائلة بمجرد ما يتزوجون. وأمام التحولات الاجتماعية الذي عرفها تعلم الفتاة في الآونة الأخيرة بأحياء الصفيح ساعدت الفتيات على الترقي الاجتماعي من خلال التعامل مع الأنترنيت وحصولهن على زواج ناجح اقتصاديا بأزواج من خارج الوطن، الشيء الذي ينعكس بشكل إيجابي على عائلة الفتاة التي تعرف ازدهارا اقتصاديا بسبب ذلك. فالعقلية «الباتريركية» للأب والأم على السواء وفي إطار حب الملكية التي أنشؤوا عليها أطفالهم لا يستطيع من هذه الزاوية فهم الآباء لنفسية أبنائهم وخاصة الذكور عند استقلالهم بحياتهم الخاصة، ولهذا أصبح الاتجاه الجديد لحي البرج ينحو نحو تعليم البنات بهدف الرفع من مستوى الأسرة، خاصة الأمهات المتحمسات أكثر لتعليم بناتهن وبذلك نلاحظ أن النسبة التي تعتبر تعليم البنات عيبا نسبة ضعيفة نسبة لحجم القيم التقليدية وقد نلاحظ هنا ومن خلال الجدول أن مقاربة النوع لاتتدخل في اعتبار تعليم البنات عيبا . لقد أصبح الصفيحي ينظر إلى تمدرس الفتاة من زاوية اقتصادية محظة، فقد ثبت أن الفتاة المتعلمة تنتقل إلى سلم اجتماعي أفضل بسبب حصولها على زوج تفيض شروطه الاقتصادية على باقي العائلة وبذلك تغير الاهتمام بالذكر نحو الأنثى. « فبالرغم من كوننا نعيش خروجها(المرأة) إلى مجال العمل والإنتاج في قطاعات مختلفة، وكذلك بداية تحررها النسبي من بعض أشكال الحجر والوصاية...الخ، فإننا ما زلنا نلاحظ تواجدا لعديد من الأفكار والمعتقدات التقليدية المناهضة لتحرر المرأة ومساواتها مع الرجل ، ولا سيما في الأوساط الهامشية في المدن، وفي المناطق القروية على العموم.» (6) والتي تشكل رافدا أساسيا للأخلاق والقيم بالنسبة لساكنة أحياء الصفيح المغربية. ملحوظة أنجزت هذه الدراسة السوسيولوجية القيمة قبل سنوات، عندما كان حي برج مولاي عمر بمكناس صفيحيا، قبل أن تتم إعادة هيكلته في سياق برنامج «إعادة إيواء ساكنة دور الصفيح». وبالنظر لأهمية خلاصات الدراسة التي تطال وضعية المرأة داخل تجمعات صفيحية أخرى في العديد من المدن المغربية، ارتأينا نشرها هنا تعميما للفائدة.