في سنة 2009، ومؤشرات أفول حكم زين العابدين بن علي تونس تتراكم، نشر الصحفيان الفرنسيان نيكولا بو وكاثرين غراسيي كتابا مثيرا وجد موثق حول زوجة الرئيس المخلوع، ليلى الطرابلسي. طوال سنوات عديدة، لعبت «الرئيسة» دورا محوريا في تدبير البلاد، وكان همها الأساسي، ومعها عشيرتها، وضع اليد على خيرات وثروات تونس. من قصة اليخت المسلوب من أحد كبار المصرفيين الفرنسيين إلى محاولات ليلى وآل الطرابلسي التحكم في أهم قطاعات الاقتصاد التونسي، يروي الصحافيان اللذان سبق لهما، في 2003، توقيع كتاب «حين يصير المغرب إسلاميا»، تفاصيل الملفات المرتبطة بعشيرة «الوصية على عرش قرطاج»، ملفات تفوح منها روائح الرشوة والفساد والنهب والوضاعة الفكرية. لكن المفاجأة في رحم حياة القصور التونسية الحزينة رغم بذخها، يكشف الصحافيان العاملان في موقع بقشيش الإخباري الذي توقف مؤخرا، تكمن في قوة شخصية «الرئيسة». إن نهمها إلى الربح المالي وقدرتها على توظيف أقاربها في المواقع الحساسة يجعلان منها الوريثة الشرعية لوسيلة بورقيبة التي حكمت تونس في جبة زوجها العجوز والعليل. وبعد نجاحها في التأثير على أوضاع تونس اقتصاديا وماليا، ستسعى ليلى، خلال مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى البحث عن موقع قدم في رحاب السلطة، وذلك عبر تقمص شخصية «الوصية على العرش الرئاسي» بمساعدة ذويها وبفضل الصمت الفرنسي المتواطئ. «يبدو إذن أنك سيدة تونس الأولى؟» بهذه الكلمات عبرت ليلى الطرابلسي بن علي عن غضبها من «صديقتها» نعيمة الماطري ذات صباح من صباحات صيف 2008، يروي الكاتبان، قبل أن يقوما بتعريف «الصديقة». نعيمة هذه هي الزوجة الطموحة «للخائن» منصف الماطري الذي حاول سنة 1962 قلب نظام بورقيبة وسجن، بسبب ذلك، عشرة سنوات قبل أن يرد له الرئيس الجديد، بن علي، الاعتبار سرا. ونعيمة هي أيضا والدة صخر الماطري الذي تزوج، في 2004، نسرين، ابنة ليلى وزين العابدين. لكن لا شيء كان على ما يرام بين «الصديقتين» في ذلك الصباح، يضيف المؤلفان، أما سبب غضب ليلى من نعيمة فيكمن في «إقصاء» الثانية للأولى، هي وزوجها الرئيس، من حضور الحفل الخاص الذي أقامه آل الماطري على شرف العقيد القذافي في فيلتهم الفخمة بالحمامات، رغم أن الزعيم الليبي كان في زيارة رسمية للبلاد. الأمر أغضب ليلى الطرابلسي إذن، ودفعها إلى وضع النقط مجددا على الحروف بصراحة أمام «صديقتها»، خاصة وحفل القذافي لم يكن الصفعة الأولى التي وجهتها حرم الماطري لحرم بن علي. أجل، يضيف الكتاب، سنة قبل ذلك اللقاء العاصف، كانت ليلى، السيدة الأولى فعليا، قد بعثت بنعيمة، «المدينة لها بالكثير»، في مهمة بليبيا لكي تشرح للعقيد القذافي أسباب غضبها من سهى عرفات (أنظر الحلقة السابقة). وكانت أرملة الرئيس عرفات قد اتصلت من قبل بالزعيم الليبي لتبكي له حظها المتعثر مع زوجة بن علي، مما دفع القذافي إلى مساعدتها ماليا. وشاءت الأقدار، يشرح المؤلفان، أن تعلم ليلى أن رسولتها إلى طرابلس لم تقم بمهمتها، وأنها، أكثر من هذا، أطلقت العنان للسانها أمام القذافي لممارسة النميمة في «الوصية على عرش قرطاج» في حضرته. سنوات قبل ذلك، يذكر المؤلفان، لم يكن بن علي بصحة جيدة، مما دفع نزلاء قصر قرطاج إلى التفكير جديا في خلافته، لكن ليس بحثا عن ضمان مستقبل البلاد، بل سعيا إلى تأبيد النظام المافيوزي للرئيس الجنرال والوصية على عرشه، وذلك للاطمئنان على ثروة وأمن سلالتهما، وخاصة ابنهما الحبيب، محمد زين العابدين الذي كان الشعب يسميه «الأمير الصغير». في تلك الحقبة، حسب الكتاب، وبالضبط منذ 2004، انتبهت ليلى الطرابلسي إلى أن صخر الماطري يستجيب لمتطلبات «انتقاء شخوص المسرحية» هذه، فرتبت، بتواطؤ مع نعيمة، زواج الشاب (24 سنة حينذاك) مع ابنتها نسرين. وبما أن صخر كان يحب فتاة أخرى، فقد شرحت له والدته نعيمة رهانات عقد قرانه على إحدى بنات آل بن علي، بينما تكلفت ليلى الطرابلسي بترتيب استدعاء عشيقة الشاب إلى مخفر الشرطة ووضعها تحت الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة. وإثر هذا الاعتقال، يؤكد الصحافيان، غضت الفتاة الطرف عن حبها لصخر، وهي تعيش، منذ ذاك، مخبأة في فرنسا. وحسب الكاتبين دائما، فقد أنقذ الزواج بصخر نسرين من حياة الليل والسهر. ويعترف الكتاب بأن صخر، بالإضافة لقدرته على جعل نسرين تعود إلى «الطريق الصحيح»، كان يتوفر على مؤهل غير قابل للجدل يجعل منه الصهر المثالي: إنه سليل البورجوازية الكبرى التونسية ذات الأصول التركية، البلديين، تلك البورجوازية التي تشمئز بمجرد إثارة اسم آل بن علي الوصوليين. وقد كان صخر يشاطر ذويه الرأي هذا، بل كان ينعت، حسب الكتاب، أصهاره وآل الطرابلسي ب «المتشردين والصعاليك». لكن هذه التفاصيل لم تكن تهم ليلى الطرابلسي، المنحدرة هي الأخرى، مثل زوجها زين العابدين، من وسط متواضع، لأنها كانت متيقنة من أن الحفاظ على مكانتها يستلزم تحالفا استراتيجيا مع هذه البورجوازية. قبل عقد قرانه على ابنة الرئيس و«الوصية»، لم يكن صخر الماطري، رغم انحداره من عائلة بورجوازية عريقة، يتمتع بما قد يجلب الأنظار إليه، ووفق المعلومات النادرة المتوفرة حوله قبل زيجته، فهو لم يحصل سوى على دبلوم تقني متخصص قبل أن «يتبختر» شهورا طويلة في بروكسيل. بداية وجود سليل آل الماطري تعود إذن، إذا ما صدق المؤلفان، إلى ما بعد مصاهرته لبن علي والطرابلسي. وفي هذا الإطار، كانت الأسبوعية الاقتصادية «أفريك» قد كتبت أنه، في 2005، هندس ولوج مجموعة شركات عائلته إلى رأسمال «نستلي تونس»، لكنه، شهورا بعد ذلك، سيفضل التحليق بعيدا عن الأسرة في سماء الاقتصاد والأعمال. وفي رمشة عين، يقول الصحافيان، سيصبح «الصهر» خبيرا في ممارسات مالية مماثلة لممارسات بلحسن الطرابلسي، ليراكم ثروة قياسية في مدة زمنية قياسية. وبما أن تلميع صورة صخر الماطري، صهر الرئيس و«الوصية على عرش قرطاج»، كان يحتاج، بالإضافة إلى الحضور الاقتصادي الوازن، إلى عمق سياسي ليكون مهيئا لكل الاحتمالات، فقد كان من اللازم عليه أن يعبر عدة محطات. تمثلت المحطة الأولى، يوضح الكتاب، في توطيد تأثيره إعلاميا وفبركة منظوريته كرجل قوي وكقائد. وهكذا، سيحصل على 70 % من رأسمال «دار الصباح» في أبريل 2009، وهي مجموعة إعلامية محلية مهمة ذات سمعة طيبة وتصدر جرائد «الصباح» و«لوتون». أما المحطة الثانية، يواصل المؤلفان، فتمثلت في هبته امتدادا سياسيا، وهي المهمة التي أسندت للمستشار الخاص للرئيس المخلوع: عبد العزيز بن ضياء. هكذا، حصل سليل الماطري على عضوية اللجنة المركزية للحزب الحاكم في غشت 2008. وفي السنة ذاتها «انتخب» على رأس خلية الحزب في قرطاج درمش بنسبة ... مائة بالمائة! وبفضل صيته ك «خليفة محتمل للرئيس»، ستتجاوز جغرافية تدخلات صخر حزبيا حدود دائرة خليته، يستطرد الصحافيان، مما سيجعله، مثلا، يحضر في سوسة اجتماع «لجنة التنسيق الجهوية الموسعة» (نونبر 2008) أو «ندوة الإستراتيجية الطاقية» في غامارت . هذا، ومن أجل إضفاء بعد إنساني على أنشطة صخر، يوضح الكتاب، أسس الماطري الأب والابن، في نونبر 2008، جمعية «دار الماطري» المهتمة بمرضى السرطان. في 2009، أصبح يبدو أن صخر الماطري تسلق الهرم إلى درجة صار معها من المستحيل زعزعته، لكن كلمة الحل والعقد ظلت بأيادي عرابه زين العابدين وليلى الطرابلسي، حسب المؤلفين، وهوما يمكن استنتاجه من نتائج عرض تفويت الرخصة الثانية للهاتف الثابت والثالثة للهاتف المحمول (29 يونيو 2009). لقد تنافس للظفر بالرخصتين وجهان من العيار الثقيل: شركة مروان مبروك (زوج سيرين، ابنة بن علي من زواجه الأول) وشركاؤه من الفرنسيين من جهة، وصخر الماطري وشركاؤه الأتراك من جهة ثانية. ووفق وجهة نظر الكاتبين، فأهمية الرخصتين المالية والتكنولوجية حسم الموضوع داخل الرأس الرئاسي. وقد فاز بالصفقة مروان مبروك و«فرانس تيليكوم»، نظرا لأن عرضهما كان أجود تقنيا حسب حيثيات القرار الرسمي. صخر الماطري، «الخليفة المحتمل» أيامها لزين العابدين، لم يفلت من النقد من طرف مقربين من الرئيس، ذهب بعضهم إلى حد اتهامه بعقد لقاء سري مع زعيم الإسلاميين، راشد الغنوشي، في لندن. وفي هذا السياق، تساءل الكاتبان أيضا عن سر ترك التونسيين يطلعون على محتويات موقع «بقشيش» في يونيو 2009، علما أن الموقع (المستحيل ولوجه باستمرار في تونس) كان يتضمن حينها مقالا يؤكد تورط صخر في فضيحة أخلاقية. مثلما كان بعض معارضي الداخل ينشرون في شبكة الأنترنيت رسائل غير موقعة تحذر بن علي من مخاطر اختيار ابن الماطري خلفا له... ووفق ما ورد في الكتاب، فإن صخر كان قد استشعر هبوب رياح معادية له ستكنسه يوم غياب عرابه وصهره. ولذا، جعل زوجته تضع طفلتها الأول في كندا لتحصل -أوتوماتيكيا - على جنسية ذلك البلد الذي اقتنى فيه، سنة 2009، سكنا بما لا يقل عن... مليونين ونصف مليون دولار! أجل، الحذر واجب حين لا يكون الإنسان سوى وريث محتمل لعرش قرطاج!