بدت زعيمة الاشتراكي الموحد الرفيقة نبيلة منيب، في الوقفة أمام البرلمان دفاعا عن المعطي منجب، حاملة لرسالة، جاءت بها من السويد:لا يمكن أن تدافع عن بلاد برمتها ، إذا عجزت عن الدفاع عن حياة رجل واحد فيها! ولا أحد سيتهم زعيمة الحزب اليساري بأنها تستغل قضية المعطي منجب في تدمير صورة المغرب، وهي العائدة من على رأس وفد يساري زار استوكهولم للدفاع عن شرعية القضية الوطنية. ولا أحد أيضا سيلغي رسالتها:أنا هنا .. كما كنت هناك. وإذا كلفناها بحمل بريدنا الديمقراطي الوطني إلى السويد ، علينا أن نقرأ بريدها في تلك الأمسية الخاصة بالرباط. و قد بدا اليسار إلى جانبها، بمن فيهم القادة الآخرون الذين لم يرافقوها إلى ديمقراطية الفايكينغ السويدية ، (ابتعادا منهم -ربما- عن المخزن الذي يكون قد فخخ الرحلة بإرادته التدخل فيها !) انه جزء من القوى التي ترفض الوضعية الجديدة التي وضعت فيها البلاد من خلال معطي منجب.... هو مؤرخ سياسي وحقوقي وكاتب وأستاذ جامعي مغربي في إضراب عن الطعام منذ الخامس من أكتوبر الحالي، تقول السلطات المغربية إنها منعته من السفر بسبب تحقيقات في شبهات مخالفات مالية. وهي تريد أن تقول إنه لا هو أستاذ ولا هو كاتب ولا هو جامعي مغربي، بل مجرد محتال دولي يشبه باعة اللوحات المزورة في قصص الأدباء الشباب! غير أن منجب الذي سبق له أن صرح لرويترز أنه » يفضل الموت على حياة بلا عدل«، كان يردد صدى قديما لمقولة لأفلاطون: من يفضل الحياة على الحرية يصبح عبدا! منجب الذي يوجد في تماس معنا، نحن الذين اختارتنا الصدفة التاريخية للصحافة، عبر صحافة التحقيقات، كان رئيسا لمعهد بن رشد الذي أغلق أبوابه قائلا إن السلطات منعت كثيرا من اجتماعاته ومؤتمراته. ويتلقى معهد بن رشد والجمعية المغربية لصحافة التحقيق التي يتعاون معها منجب تمويلا من منظمتين لدعم الصحافة مقرهما هولندا. في هولاندا .. يوجد هولاند! ولهذا وجهت زوجته نداء للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للتدخل »لانقاذ حياة« زوجها المضرب عن الطعام منذ 18 يوما. وقالت كريستيان داردي منجب في رسالتها إلى هولاند "»زوجي مضرب عن الطعام للمطالبة بالكف عن مضايقته وإلغاء منعه من مغادرة البلاد«". وأضافت "»أناشدكم -سيدي الرئيس- القيام بكل ما في وسعكم لإنقاذ حياة زوجي«، مؤكدة أن الأخير »مستهدف بسبب مواقفه النقدية، خصوصا منذ انتخابه على رأس جمعية للدفاع عن حرية الصحافة *الحرية الآن*«. الواقع أن الأجنبي، في حضوره في هذه القضية، لا يختلف إلا بحدود قدرة الدولة على التفاعل معه وظبط سقفه. والأجنبي، كان هولاند أو هولاندا، محكوم بسيادة القرار، لا بسيادة الارتجال. علينا أن نفكر في كل نقط الضعف التي راكمناها في القضية، مهما تبدو عادلة في زاوية البحث القضائي: 1-عندما يرى العالم رجلا يعتقل ويتوجه إلى المقر الأمني على متن سيارة إسعاف: فأول ما يفكر فيه:لا تطلق النار على سيارة إسعاف، وتشتغل المجازات وبلاغة الإسعاف في عقله ووجدانه، لون ينتصت لأكثر من صوت السيارة وهي تنقل رجلا ضعيفا إلى أول جهاز، أي الأمن القضائي. هذه مفارقة لا تنتصر فيها أي دولة مهما كانت كبيرة في نواياها القضائية أو السياسية أو الجنائية. وعندما يرى العالم أن المعطي منجب توجه » من العاصمة الرباط إلى الدارالبيضاء (86 كلم) على متن سيارة إسعاف، حيث تم نقله للمرة الثانية الى مستشفى حكومي في العاصمة بعد تدهور حالته الصحية بسبب مرض السكري والاضطرابات القلبية التي يعاني منها«، لا يمكن أن نطلب منه أن يقرأ صك الاتهام وأن يدقق في المساطر.وعندما تعلن أكثر من 50 منظمة حقوقية مغربية تضامنها مع المعطي منجب تجاه »هذه المحنة التي فرضت عليه في خرق سافر للقوانين الوطنية والمواثيق والعهود الدولية، «... يجب على عقل الدولة الكبير أن يفكر أبعد من هذا، وينظر إلى المحيط الذي برزت فيه هذه القضية ، لرجل معارض ربما لم يحسن اختيار «الشلة« لكنه أجاد في اختيار الشعار »الحرية الآن..«. 2- المحيط الحالي يقول لنا، إننا في جو شتنبري للغاية فيما يخص القضية الحقوقية المغربية، عرس الذيب بامتيازهذه عناوينه: * رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ، جواكيم روكر، يثمن بجنيف الاصلاحات »الجريئة« التي قام بها المغرب في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة. * نيويورك تايمز :»يتعين على الحكومة المغربية التوقف عن مضايقة الصحافيين والسماح لمجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان بالقيام بعملها طبقا للدستور المغربي والمعايير الدولية (...)«. *200 ألف شخص يطالبون بالإفراج عن مغربيين سجنا بعدما ادعيا تعرضهما للتعذيب.( إشارة إلى..وفاء شرف وأسامة حسن). *الشرطة المغربية تستجوب ناشطا مضربا عن الطعام بعد منعه من السفر... وبالنسبة لبلاد كالمغرب، يسعى خصومها إلى تحويل القضية الوطنية، من قضية سياسية لاكتمال الوحدة الترابية إلى قضية حقوقية، لا يمكن أن تتعامل مع »مَسْطَرة»procedurisationالقضية التي تقترب من الحقوق أو الحريات... معطي منجب ليس رجلا فوق القانون، لكنه ليس تحت السياسة، والمرحلة التي تعيشها البلاد، بعد كل الذي قطعته في صناعة نموذجها الحقوقي وتحسين صورتها الديمقراطية، يجب أن تقرأ الوقائع والتصرفات كما يجب، لا كما قد يحجبها التفكير المسطري. لنا قضية ترتكز، في جوهرها على المكتسبات، في الوقت الذي يركز الآخرون على الطابع الحقوقي لكل خلاف مهما صغر، حتى تصبح البلاد في قامة.. رجل واحد. 3- لا أحد يمكنه أن يمنع الرأي العام والخيال العام للناس من أن يتذكر في مثل هذا التشابه ما حدث لمصري يسمى سعد الدين ابراهيم، وتقول سيرته إنه أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومدير مركز ابن خلدون للدراسات . وهو عضو مجلس أمناء عدة مؤسسات حقوق الإنسان مثل، المؤسسة العربية للديمقراطية، والمشروع للديمقراطية في الشرق الأوسط. وقد واجه معارضة الحكومة المصرية وخصوصا سلطة الرئيس حسني مبارك، واعتُقل بتهمة تلقي أموال من الخارج، حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة »الإساءة لصورة مصر« و»الحصول على أموال من جهات أجنبية دون إذن حكومي«، كما وجهت له النيابة المصرية تهمة التجسس لحساب الولاياتالمتحدةالأمريكية..الخ. هذا التقارب (مع احتساب الفارق بين الحالتين لفائدة البلاد وليس لفائدة المؤرخ ) بين الحالتين يدعونا إلى أن نفكر بكثير من التحرر من ضيق الأفق الذي يقدمه لنا الركن الجنائي في القضية.... أعتقد بأن المغرب أقوى بكثير من "«أعراض المعيار"» أو "المسطرة" لأنها الآن غير منتجة..وما تحقق ميدانيا يفوق بكثير حالات الأفراد التي تسلط عليها الاضواء بشكل كثيف. وإذا كان لا بد من الاستسلام إلى "«أعراض المعيار"،» فيجب أن نعتبرهذه القضية «معيارا منتجا «، في اتساع ديمقراطية البلاد في تحمل معارضيها. ونبتعد عن «تقسيم العمل » بين من ينتج المساطر وبين من ينفذها، كما في التنظيم السابق للعمل. أخرجونا من عرس الذيب..إلى عرس عاد. وأعيدوا المعطي إلى كتبه ومكتبه!