لا ينازع أحد الآن، إن وطنيا او دوليا في الاهمية التي باتت تكتسيها الجمعيات، والادوار الاجتماعية والاقتصادية التي اصبحت تضطلع بها، والامثلة كثيرة في هذا الاطار، التي تبرز فعالية ونجاعة العديد من اعمال ومشاريع الجمعيات في المدن والقرى - بيد أن انحراف العديد من الجمعيات عن المسار السليم لروح وفلسفة هذه الالية المجتمعية، وتحويل البعض منها الى كائنات خاصة تبتدع كل الاساليب من اجل الظفر بالمنح والدعم، او لنقل الهمزات بتعاون واحيانا بتواطؤ مع بعض المحسوبين على هذا القطاع العام او ذاك، يطرح سؤال المراقبة والمتابعة وايضا سؤال اقبار او عدم ايلاء بعض القرارات الوطنية, التي كانت ترمي تطهير المشهد الجمعوي وتطويره والرقي بعمله وتحصين المال العام من العبث والفوضى, الاهمية اللازمة. في الملف التالي ملامسة لبعض الاشكالات التي تنخر جسم ونسيج العمل الجمعوي ببلادنا. يقدر عدد الجمعيات في المغرب بحوالي 40 ألف جمعية. ويقارب عددها في مدينة الدارالبيضاء الالف جمعية تقريبا .بلغ عددها سنة 2005 حسب وثيقة رسمية نتوفر عليها 721 جمعية تتوزع بين المحلية والوطنية وفروع هذه الاخيرة. وإذا كانت العديد من الجمعيات قد ساهمت وتساهم في الاضطلاع بادوار هامة جدا إن على مستوى التأطير التربوي والبيداغوجي للطفولة المغربية او على مستوى خدمة الساكنة في نقاط مختلف من المغرب من خلال الاسهام في تفكيك العزلة عن هذه المنطقة او تلك امثلة العديد من جمعيات الجنوب التنموية. ومحاولة اقلاعها اجتماعيا واقتصاديا، او على مستوى بلورة انشطة ومشاريع تستهدف الرقي، ولو نسبيا، بالحالة السوسيو - اقتصادية لشرائح اجتماعية مختلفة. اذا كانت إذن العديد من الانشطة والمشاريع على الارض، تبرز بالفعل الدور الفاعل للعديد من الجمعيات في المدن والقرى، وتكشف من جهة ثانية مدى ارتباط قوة حضورها، بشفافية تدبيرها لملفات المشاريع ومصداقيتها، ونزاهتها في تدبير الملفات او تصريف اي هدف مفترض، فإن حالة الفوضى التي يشهدها جزء ليس باليسر من هذا المجال الحيوي في تدبير جزء من الشأن الاجتماعي والاقتصادي، جعلت المشهد الجمعوي عموما يعيش نوعا من أزمة الثقة في علاقته مع الرأي العام الوطني والمواطنين بشكل عام، و حتى المتتبعين والمراقبين والسبب راجع اساسا ,وهذا ما تؤكده الوقائع وكذا الملفات العديدة التي نتوفر عليها، وكذا ما ينشر باستمرار في الصحافة الوطنية، او ما يعرض على القضاء و ما ترصده الأجهزة المختلفة, غير أنه يبقى» طي الكتمان» الى «لخبطة» الآلاف من الجمعيات، وتحويل العديد منها الى دكاكين للمتاجرة، ووكالة لجمع الاصوات مسبقا لهذا المرشح الانتخابي المفترض وذاك، او هذه الجهة او تلك، ومجالا للنصب والتحايل على المال العام بشراكة احيانا مع فقهاء التكييف القانوني والقانون منهم براء, الذين قد ينتمون الى هذه المؤسسة العمومية او تلك. فإلى ماذا تعزى هذه الفوضى؟ هل أسباب مرض جزء من المشهد الجمعوي او القسط الوفير منه، راجعة الى تداخل عوامل متعددة، منها ما له علاقة بتكوين مسؤولي مكاتب الجمعيات وقناعاتهم وقيمهم، أم أن الأمر تتدخل في العديد من جوانبه عوامل مختلفة منها سعي البعض، كما يقال، الى افراغ المشهد الجمعوي من فلسفة وروح ماجاء به القانون على الاقل، واستثمار البعض الاخر هذه الالية المجتمعية ,اي الجمعيات من اجل تحويل اموال عامة عن غير مقاصدها، والاسهام من تم في الاثراء الشخصي وهذا ما تؤكده علي سبيل المثال لا الحصر الرسالة الموجهة الى عامل عمالة مقاطعات - انفا من طرف اكثر من 20 جمعية تندد فيها بتصرفات جمعية معينة؟ قبل الاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها، لابد من الاشارة الى أن هناك جمعيات بالجنوب وغيرها اسهمت فعلا في ادماج العديد من القرى والمناطق في محيطها الاقليمي والوطني، عبر شق الطرق بها، وانجاز العديد من مظاهر البنية التحتية بها كالمدارس، والآبار، وقنوات الماء الصالح للشرب ، اعتمادا على إمكانيات مالية تتألف تارة من الدعم والاكتتاب الشخصي لأعضاء الجمعيات والمتعاطفين معها والمحسنين، وتارة أخرى بدعم مشترك يجمع بين المساهمات الشخصية، والمساهمات الوطنية والدولية : وفي هذا الإطار أوضح لنا علي بوتكة النائب الثاني للكاتب العام لجامعة جمعيات جهات سوس ماسة درعة ان الجامعة التي يشمل مجال عملها منطقة تزنيت، واشتوكة آيت باها، وتارودانت، وسيدي إفني قد عقدت مؤخرا لقاء في مدينة الدارالبيضاء، طرحت فيه العديد من المشاريع التي تستهدف خلق مصادر مدرة للدخل بالمناطق الجنوبية لبلادنا، مثل مشاريع تربية النحل، والماعز، وزراعة الاعشاب التي تتلاءم مع مناخ المنطقة والتي تتوفر على إمكانيات التصدير، وخلق تعاونيات خاصة بإنتاج زيت أركان، والزعتر، والشيح، وتوفير من تم مناصب شغل لفئات مختلفة، منها فئة المواطنين الذين يقومون بالهجرة مجددا صوب »مواطنهم الاصلية« أي قراهم ومداشرهم، بحكم تقدم سنهم، وعدم قدرتهم المادية على مواكبة التطورات المعيشية بالمدن : وأردف قائلا، أن من بين المشاريع المطروحة أيضا، خلق مشاريع تهم المئات او الآلاف من سكان القضايا بالجنوب الذين يهجرون بيوتهم خلال موسم «»لعواشر«« من أجل جمع الزكاة بالعديد من المدن ومنها أساسا الدارالبيضاء، التي تشكل موردا ماليا، او »ميزانية« عيش لهم خلال سنة بكاملها وكشف من جهة أخرى، ان هناك من المسؤولين في اللجان المحلية الموكول إليها بتدبير ملفات مشاريع التنمية البشرية، والسعي من تم الى الإسهام بهذه الطريقة او تلك، الى تحريف بعض من الاهداف النبيلة والسامية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها جلالة الملك والتي مكنت من تطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية لعشرات الآلاف من المواطنين عن اهدافها المتمثلة في محاربة الهشاشة الاجتماعية، والتخفيف على الاقل من آفة الفقر والبطالة والامية وغيرها... شهادة هذا الفاعل الجمعوي الذي حول بمعية العديد من المنتسبين الى ذات المدشر بمنطقة تارودانت شبه »دويلة« تتولى تدبير العديد من حاجيات الدوار وانتظارات قاطنيه، تتقاطع الى حد بعيد مع الإشكالات المطروحة آنفة والمتعلقة بفوضى المشهد الجمعوي، وإضافة العديد من مظاهره بالمرض بسبب تصرفات العديد من المنتسبين او المتطفلين على الحقل الجمعوي، وتواطؤ البعض من الذين يفترض فيهم السهر على فرض المسار السليم لعمل الجمعيات، مع العديد من »الفاعلين« الجمعويين الذين تحولوا بشراكة مع المتواطئين الى قناصي »الهمزات« على حساب المال العام، وضدا على ما ينص عليه القانون، وأخلاقيات العمل الجمعوي كما هو متعارف عليها عالميا. فما هي إذن، اسباب فوضى العمل الجمعوي عموما، او بعضا من مظاهره على الوجه الادق؟ من بين العناصر الاساسية التي قد تشكل مؤشرا أساسيا لمعرفة اسباب الفوضى والانحراف وتحويل العمل الجمعوي عن غير مقاصده، عنصر المنح والدعم المالي الذي قد تستفيد منه هذه الجمعية او تلك، فالعديد من الكائنات الجمعوية تظهر هنا وهناك، ليس من أجل تقديم خدمة او المساهمة بنشاط او عمل إنساني تضامني، او اقتراح مشاريع او ما إلى ذلك، بل إن وجودها مرتبط بالاساس بالبحث عن المنح، والدعم المالي لمشاريع تكون أحيانا تافهة، وأحيانا أخرى وهمية او تفتقد لأي أسس معقولة قد تجعل منها مشاريع ذات أثر فعلي على السكان .ولنا في هذا الباب أمثلة كثيرة وكثيرة جدا، وأحيانا ثالثة، ملتبسة وملفقة الى حد ما، يكشف البحث في خيوطها عن وجود أطراف مختلفة تشترك في »صناعة« او مباركة هذا المشروع او ذاك دون مصوغ او مبررات معقولة.. والسبب يعزى على ما يبدو الى الرغبة في اقتسام »الكعكة« العامة [نسبة الى المال العام]، بين مسؤول او مسؤولي هذه الجمعية او تلك وبين بعض المحسوبين على قطاعات عامة... وفي هذا السياق نشير الى أن الوزير الأول السابق سبق ان أصدر منشورا او مذكرة في غاية الاهمية تتعلق بالتدبير الجيد لعمليات إعطاء المنح من طرف المؤسسات العمومية الى جمعيات المجتمع المدني... ومن بين العناصر الاساسية لهذا المنشور - المذكرة الذي أرفق بقرار وزاري، أولا السعي الى إقامة علاقة شراكة جديدة ومغايرة بين الدولة والجمعيات من خلال «»إدماج الشراكة داخل إطار اتفاقي»«، والعمل على انتقاْْء »شراكات تكون موجهة بالأساس نحو القطاعات الأولية في العمل الحكومي وقتئذ والمتمثلة في محاربة الفقروالتهميش الاجتماعي، ومساعدة النساء والأطفال الذين يوجدون في وضعية صعبة، وهي المواضيع وغيرها التي أكد جلالة الملك في أكثر من مناسبة على ضرورة إيلائها الأولوية في مجال تدبير الملفات الاجتماعية والاقتصادية، إن على الصعيد المركزي او المحلي. من بين العناصر ذات الدلالة الكبرى في مذكرة الوزير الأول السابق ادريس جطو بعد الحث على إقامة علاقة شراكة قوامها التوفر على العديد من المواصفات، والإلتزام بالعدد من الشروط [بين طرفي العملية، الجمعية والسلطة المانحة أوالمصادقة على الدعم المالي لأي مشروع مفترض..]، الدعوة الى »التسيير الحسن للجمعيات من خلال احترام مقتضيات القانون التي تقضي تقديم الجمعيات الحاصلة على المنح لميزانياتها وحساباتها حسب شروط نظام المالية والمحاسبة، ومن خلال أيضا مراقبة تسيير مالية الجمعيات عبر آليات مختلفة، منها آلية لجنة منح الدعم الذي يفترض فيها - حسب مذكرة الوزير الأول - أن تعتمد في اختيار مشاريع الجمعيات التي قد تحظى بالدعم، على معايير الشفافية والموضوعية، والاستفادة المباشرة للسكان««وآلية المتابعة ورفع تقرير وطني سنوي حول وضعية ومآل هذا النوع من الشراكة إلى الوزارة الأولى. فأين نحن من هذا التوجه وغيره من القرارات الوطنية التي تستهدف تطهير العمل الجمعوي وتطويره والرقي بأدائه لتكون في مستوى الأهداف الموكولة إليها، وفي مستوى تطلعات وانتظارات والتحديات المفروضة عليه إن محليا أو وطنيا؟ فأليس تقويم العمل الجمعوي في العديد من مظاهره بات اليوم ضرورة وطنية؟ وهو التقويم الذي قد يمكننا, إن سلك اتجاها سليما من توفير ملايير السنتيمات [وهو ما أكده لنا العديد من الفاعلين في العشرات من الجمعيات] والقضاء على مختلف مظاهر الفوضى والعبث التي شهدها العديد من مناحي الحقل الجمعوي ببلادنا، والإسهام بالتالي في تطوير وتقوية وتحصين هذا القطاع الحيوي من المتطفلين والمتربصين، وقناصي الهمزات العامة، والمتواطئين من أطراف مختلفة، والمتحاليين على القانون وعلى المال العام. والأهم من هذا وذاك تمكين الجمعيات الجادة وذات المصداقية من الإمكانيات التي قد تمكنها من تفعيل العديد من أعمالها ذات العلاقة المباشرة بالسكان.