تحل الذكرى الأولى لرحيل الفقيه السي الطيبي بن عمر أحد مؤسسي حركة الطفولة الشعبية وأحد رموز العمل الجمعوي النزيه وواحد من الأعمدة الأساسية للفعل التربوي والتنشيطي بالمغرب ولجيل بناء المغرب الجديد بعد الانعتاق ، لقد وافته المنية يوم رابع أكتوبر من السنة الماضية. لقد كان رحمه الله كشجرة شامخة، كشجرة وارفة امتدت ضلالها بمجالات متعددة لسبعة عقود، بل إنه الشجرة الشامخة الوارفة بامتياز، التي أعطت ثمارها لأكثر من جيلين من تاريخ المغرب، إنه فقيدنا الأب الحنون، المدرسة الحداثية التي ما إن تبصم الواحد منا حتى ترافقه أخلاقه ودروسها أينما حل وارتحل في مجتمعنا وخارج بلدنا. وبهذه المناسبة التي تحتفل بها فروعنا وجهاتنا عبر ربوع الوطن الذي عاش من أجله المرحوم، لا يسعنا إلا أن نترحم على الروح الطاهرة لسي الطيبي وأن نستحضر محطات نضاله وأخلاقه العالية هو ورفاقه الذين وضعوا نصب أعينهم مستقبل المغرب وأكدوا على أن مستقبل الشعوب هي طفولتها وناضلوا باستمرار ودون هوادة من أجل رفع كلمة الطفولة قضية وتنظيما وحقوقا. لقد كان رحمه الله يؤكد على استقلالية الفعل التربوي ومن تم استقلالية حركة الطفولة الشعبية عن كل الضغوطات والحسابات التبخيسية السياسية والمالية والنقابية والمجتمعية، ويدفع بالمناضلين إلى بلورة مواقفهم حسب قناعاتهم لأن في ذلك إغناء للموقف الجماعي والجمعوي. لقد كان رحمه الله مدرسة في التربية الشعبية يساهم في تربية الأجيال على الاعتماد على ذاتها وبلورة طموحاتها وتكوين نفسها من خلال تكامل بين الأجيال وبين الفئات المكونة للمجتمع، مدرسة لقدسية التربية الحديثة ونقاوتها، حيث كان يؤكد دائما وباستمرار أن التربية المغرية الواقعية والحديثة للناشئة والطفولة والشباب، تعد شرطا أساسيا لتقدم البلاد، وكان حريصا على أن لا تصبح التربية ذيلا للسياسة أو تكتيكا لها، لذلك ظلت حركة الطفولة الشعبية عبر قرابة ستون سنة حركة مستقلة في ممارساتها وفي قراراتها، في مبادراتها وبرامجها، في تنظيماتها وفي استحقاقاتها. لقد انبثق مشروع تأسيس حركة تربوية تعنى بالأطفال والشباب ، من زخم الطموحات الشعبية للمغاربة في نضال واسع وشامل من أجل الانعتاق والتحرر، مرتكزا على قيم حضارية تنطلق من دور المنظمات والجمعيات كشريك مجتمعي، وكفاعل في مواطنة المنتسبين له ، وكمشع لقيم ومثل وطنية تحررية في مجتمع جديد منفتح على آفاق التحرر والتطور، بتأسيس حركة تربوية كقوة اقتراحية وبديل تقدمي وفعل يومي مواكب لتربية وتنشئة الأجيال ، كمدرسة و تيار تربوي متجدد. فمن قلب معركة التحرير الوطني وحماس بناء المغرب الجديد في خضم التحضير للانتقال إلى الاستقلال السياسي للمغرب التقت مجموعة من الشباب الوطني المؤمن بضرورة المشاركة الفعلية وتحمل المسؤولية في هذا البناء والمساهمة في انتقال شرائح المجتمع المغربي إلى العصرنة والخروج من التخلف. واستقر الرأي على ضرورة التعبئة والتنظيم من أجل: العمل الجماعي التطوعي المتوجه لخدمة الطفولة والشباب بإشراك الآباء والأمهات والعمل في أوقات الفراغ وفي هوامش المدن وأحياء الصفيح والقرى، واستقر رأيهم على تأسيس فعل يعتمد: التربية الشعبية الحية والأساسية بالتنشيط التربوي السوسيوثقافي لكل أبناء الشعب حيث يجب تكافؤ الفرص و المشاركة في المشاريع الوطنية بمحاربة الأمية بالتربية الصحية وبكل ما يمكن أن يساهم به الشباب المتعلم والمتحمس للبناء خارج أوقات عمله وموازاة مع انشغالاته اليومية. لقد جسد سي الطيبي رحمة الله عليه، مع مجموعة الرواد وعبر توالي الأجيال من بعدهم هذه الاختيارات، ورأسمال حركتنا الذي توارثته الأجيال هو الثقة في المستقبل والإرث المتجذر في مجتمعنا وشعبنا هو خدمة الوطن من قلب تعبئة مجتمعية، الطفولة الشعبية أو مدرسة الفقيه السي الطيبي، هي مدرسة التطوع والوفاء والاستمرارية على نفس المبادئ، مدرسة الشفافية والتربية على الديمقراطية والقيم النبيلة. إننا نعتز بكوننا نشكل عن طواعية واقتناع استمرارية الأجيال باختلاف تكوينها وتعدد مرجعياتها ودرجة وعيها وانتمائها وعمق إيمانها وتطوعها، ومستوى انخراطها في القضايا الأساسية للمجتمع المغربي وبصفة خاصة قضايا الطفولة والشباب. إن رهانات التربية حاضرة بقوة في قلب التحولات والانتقالات التي تعرفها بلادنا، التربية التي تهيئ الأفراد للانخراط في مجتمع الغد ولا يمكن لنا داخل حركة الطفولة الشعبية، من جهة كمناضلين مدافعين عن الفكر التربوي الحداثي الذي يهدف إلى تكوين وتأهيل الفرد ليكون أكثر ديمقراطية ومسؤولية داخل مجتمع أكثر ديمقراطية وحرية. ومن جهة ثانية، كمبادرين -مع باقي المكونات التي نتقاسم معها العديد من القضايا التربوية والتنشيطية- لطرح الاقتراحات والمشاريع التي تهدف إلى تطوير الفرد وتنمية المجتمع؛ لا يمكن لنا إلا أن نكون داخل هذه الدينامية المجتمعية نؤثر فيها ونتأثر بما يقع حولنا. رحل الرجل و ما رحل عنا، سيظل نبراسا لنا ولكل الأجيال التي عاش معها والآتية على نفس الدرب، وسيظل منارة مشعة في التربية الشعبية وسيظل فقيها في مدرسة بناء الوطن والإخلاص للوطن ومرجعا للعمل الجاد والولع بحب الشعب والتفاني في عشقه. عهدا لك سي الطيبي أنك باق في قلوبنا وفي عقولنا، وأن لنا في المستقبل أمل دائم ، وعهدا لك أننا على درب خدمة الأطفال والشباب أمل وعماد والاستثمار الأفضل في المستقبل سائرون، وكما علمتنا بان الولع يقتضي وجود اعتقاد شخصي وشعور داخلي بالحق عند عمله، والذي يتمكن من التبليغ الى الآخرين ما يعتقده بواسطة التفسير والمثال. والإيمان يبرهن عن عدالة القضية التي يدافع عنها وينشرها وعن انتصارها المحقق، وأن المواطن النشيط يبتكر ويحقق أكبر المشاريع. رحم الله فقيدنا الفقيه سي الطيبي بن عمر وعاشت حركة الطفولة الشعبية وهي على أبواب ذكرى تأسيسها الستون، قوية بمبادئها ومتجذرة في خيارات الشعب المغربي التواق الى الانعتاق والتطور.