حظيت فقرة افتتاح تباري أفلام المسابقة الرسمية بمهرجان الفيلم الوطني بطنجة ضمن دورته 12 بتتبع خاص، تم على إثره احتفاء بفيلمين لقيا إعجاب الجمهور والمتتبعين والسينمائيين. فعلى مستوى الفيلم الروائي القصير تقدم كأول فيلم للعرض شريط «عرائس» للمخرج مراد الخوضي (21دقيقة). كما تقدم على مستوى الأفلام الروائية الطويلة فيلم «الجامع» للمخرد داوود اولاد السيد. فيما يخص شريط «عرائس» للمخرج مراد الخوضي، فرغم أن هذا الأخير هو أول تجربة سينمائية للمخرج، إلا أن المخرج الشاب استطاع أن يقدم عملا توفق فيه على مستوى التصوير في إبراز جمالية المكان وجمالية الفضاءات الأساسية.. كما توفق في تقديم جيد للمثل الشاب الواعد فريد الركراكي الذي تألق ضمن هذا العمل بشكل لافت، مكنه من تقديم وجه من الوجوه والشخصيات التي لم يسبق أن قدمها ضمن مساره الفني. حيث استطاع المخرج أن يقدم مضمونا متداولا - حول جريمة خطر اغتصاب الأطفال - لكن برؤية إخراجية مختلفة، زاوج فيها بين إيقاع سريع وأسلوب وبناء درامي منسجم. وبعيد عن بعض الملاحظات المتعلقة بتصوير المشاهد الداخلية التي تظل غير موفقة.. فعلى العموم يمكن القول أن التجربة عامة تستحق التشجيع. وعلى مستوى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، يبدو أن فيلم «الجامع» لداوود اولاد السيد حظي باستقبال جماهيري،. فقد استطاع داوود اولاد السيد عبر فيلمه أن يظل وفيا لأسلوبه السينمائي.. كما تمكن من تقديم فكرة وموضوع جديدين، من خلال قصة مغربية الطابع والشخصيات والفضاءات.. تدور أحداث «الجامع» كلها حول مسجد بني من طرف مخرج بمنطقة معروفة بتصوير أفلام سينمائية.. فبعد الحصول على ترخيص التصوير و بناء الديكورات، وبعد انتهاء جميع العمليات، يرحل الفريق التقني والفني ويترك صاحب أرض ديكور مسجد، في مشاكل حيازة الأرض من طرف إمام، ورغبته في تحويل الديكور إلى مسجد حقيقي.. فتوفق المخرج في جعل كل أحداث الشريط تدور في قالب يمزج بين الفكاهة والجدية، كما أن أغلب الشخصيات أدت أدوارها بتناسب مع الحدود المرسوم لها.. وإذ يؤكد المخرج مرة أخرى قدرة السينما المغربية على تنويع موضوعاتها وأساليبها.. وبالقدر الذي استمتع فيه المتابعون لمهرجان الفيلم الوطني لأفلام مغربية توفقت في جذب الحضور، على مستوى جودة التصوير أو الصوت أو الكتابة السيناريستية..، فإن عدد كبيرا من السينمائيين المغاربة لم يستسغ المستوى الهابط لأعمال قدمت خلال هذه الدورة ، بعد مشاهدة أعمال من قبيل «أكادير بومباي» لمخرجته مريم باكير، وفيلم «الخطاف » لسعيد الناصري.. تحكي قصة فيلم «أكادير بومباي» لمريم باكير أحداثا اجتماعية، حيث تعيش إيمان، 14 سنة بتارودانت، وتعشق بجنون الأفلام الهندية.. وتحلم بالعيش في أكادير ..وبفضل جارتها، الجميلة ليلى، التي تعيش بأكادير وتحل بتارودانت من وقت لآخر لزيارة والدتها، ستتمكن إيمان في النهاية من الذهاب إلى مدينة أحلامها. تذهل الفتاة بسحر أكادير الفاتنة، لكن الحلم يبقى قصير المدى. إذ تتعرض لمحاولة اغتصاب تنقذ بعدها بأعجوبة. ولعل أحد الإشكالات التي يقدمها فيلما « أكادير بومباي» و«الخطاف» هي استخفافهما بذكاء الجمهور المغربي.. ومعها يتم طرح سؤال الطموح للوصول لتحقيق أكبر رقم مبيعات على مستوى شباك التذاكر، وبالتالي تحقيق ما يمكن تسميته «السينما الشعبية» التي تهدف الحصول على نسبة متابعة عالية. والحقيقة وللتاريخ نقول أن تأسيس «سينما شعبية» لا تمر بالضرورة عبر إنتاج وإشاعة الرداءة الفنية ببلادنا.. فالسينما الشعبية حتى في الدول الغنية في إنتاج هذا الجنس السينمائي مثل الهند، تقدم أعمالا تحظى بحد أدنى من الجودة، كما تحترم جمهورها وتحترم ذكاء هذا الجمهور.. وفيما يخص شريط «الخطاف» فتتلخص أحداثه في سسلسلة وقائع اجتماعية. خالد، سائق طاكسي سري، يقطن في حي شعبي بالدار البيضاء، نقلب حياته رأسا علي عقب عندما يلتقي، سعاد، سيدة تعرف عليها في المطار ، ستشغله سائقا خاصا بفضل شجاعته و شخصيته المرحة. بعد وفاة زوجها تاركا لها ثروة كبيرة، تعود سعاد إلى المغرب محاولة كشف سر موت والدها. فيجد خالد نفسه متورطا في قضية إجرامية خطيرة. تلك بعض شذرات من قصة يغيب عنها الجذب كما تغيب عنها أحيانا كثيرة الروابط الدرامية الحقيقية والبناء المنسجم والرؤية الشمولية.. مقابل ذلك تبرز إشكاليات سينمائية أكثر حدة على مستوى الجودة والبناء العام للقصة وتسلسل الأحداث في تجربة فيلم «الخطاف » لسعيد الناصري. حيث لا يعدو الفيلم أن يكون مجرد مجموعة سكيتشات مخاطة على مقاسات غير منسجمة، تزاوج أحيانا بين التمطيط والإضحاك المجاني ودغدغة العواطف والتنميط. لهذه الأسباب ولأخرى عزف كثير من الجمهور عن متابعة كامل فقرات الشريطين، بل اعتبر كثير من السينمائيين والنقاد أن هذا أمر يحط من قدر السينما المغربية، كما يحط من قدر الجمهور المغربي ومن ذكاء هذا الجمهور.. وإذا كان بد من نهج اختيار «سينما شعبية» من أجل تلبية مختلف الأذواق وتلبية ذوق جمهور مغربي عريض وواسع، فلماذا لا يمكن اعتماد تجارب فنية مغربية ممتعة، تختط لنفسها نفس الطموح، مثل تجربة «السنفونية المغربية» للمخرج كمال كمال، وأخذها عبرة ونموذجا للارتقاء بأعمال من هذا الجنس السينمائي.