تبدأ اليوم الخميس على شاطئ الصخيرات بالعاصمة المغربية الرباط، آخر جلسات الحوار بين الأطراف الليبية، التي تديرها الأممالمتحدة، عن طريق ممثل الأمين العام في ليبيا، برناردينو ليون، وهو يقول إن هذه الجلسات ستكون مسخّرة للتوقيع على آخر صيغة لاتفاقية المصالحة بين الأطراف المتنازعة، وملاحقها الأمنية والعسكرية، كما يتم في هذه الجلسات الاتفاق على تسمية أعضاء حكومة الوحدة الوطنية، التي تستلم حكم البلاد خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية، وتبسط سلطان الدولة على كل ليبيا، وتنتهي بذلك حالة الانفصام المرضي أو الشيزوفرينيا التي أنتجت حكومتان ومجلسان تشريعيان، وتسببت في خروج عدد من المناطق عن سلطة الحكومتين والمجلسين، كما هو الحال في المنطقة الجنوبية المحكومة من عصابات محلية ودولية وفرق إثنية تتصارع مثل حرب التبو والطوارق، ووضع أسوأ وأكثر وبالا في المنطقة الوسطى وعاصمتها سرت التي تحكمها داعش بأعلامها السوداء، ودعك من إمارة درنة وصراع أهل التطرف فوق أرضها، ولا علاج لهذه الحالة كما يرى المجتمع الدولي، وكما يقول أهل العقل من الليبيين، غير الوصول إلى هذا الاتفاق الذي يرعاه المندوب الأممي، وهذه الحكومة التوافقية الانتقالية التي يتم تعيينها وتمكينها من العودة إلى العاصمة ومباشرة إدارة دواليب الدولة والسير في طريق بناء المؤسسات الدستورية الثابتة التي تعبر من خلالها البلاد من المرحلة الانتقالية إلى مرحلة الحكومة الدائمة وعودة القانون والدستور. وهي كما يبدو واضحا، مفاوضات نهاية الشوط، فقد استنفد الجميع الوقت الذي كان ممنوحا لهم، منذ أن استلم مجلس النواب مهمته، واستلم المندوب الأممي وظيفته في ليبيا، والآن فإن المندوب الأممي قد وصل إلى آخر أيام ولايته، وسيقوم بتسليم العمل إلى مندوب أممي جديد تمت تسميته ليتولى الأمر من بعده، وكذلك فإن البرلمان الذي يمثل الشرعية، لأنه جاء عبر صندوق الانتخابات سيصل خلال الشهر القادم إلى نهاية مدته، ولم يبق الآن إلا أحد أمريْن إما أن تسفر الجهود التي بذلها برناردينو ليون مع فرقاء الحوار والمفاوضات التي استغرقت أكثر من عام إلى النتيجة المزمع الوصول إليها، وهي التوقيع النهائي على اتفاق المصالحة وتعيين حكومة الوحدة الوطنية، وإما فإن الباب سيبقى مفتوحا على كل الاحتمالات المخيفة التي يخشاها الليبيون، من عودة إلى الصراع المسلح، واستشراء تنظيم الدولة الإسلامية بشكل غير مسبوق، ووصول الانهيار الأمني إلى أشكال تماثل ما يحدث في الصومال على سبيل المثال، حيث الخطف والقتل والتفجير أحداث يومية، والاحتمال الخطير جدا، الذي صرح به أبوبكر بعيرة نائب رئيس البرلمان ونائب رئيس وفده في المفاوضات، هو تقسيم البلاد إلى ثلاثة بلدان على خطوط الكيانات السياسية القديمة في بدء نشوء دولة الاستقلال، عندما تم الجمع بينها في ولايات هي برقة وطرابلس وفزان، ولكن هذه المرة ليست ولايات وإنما دول لكل واحدة علم ودستور ورئيس وغير ذلك، دون اتحاد فدرالي ولا كنفدرالي، إلا إذا نجح مجاهدو الدولة الإسلامية في إعادة توحيد الكيانات الثلاثة تحت الراية السوداء. لست أنا من يرسم هذه الصورة الكابوسية لما يمكن أن يحدث للبلاد إذا فشلت هذه الجلسات الأخيرة للحوار، ولكنهم أناس من أهل الحراك السياسي، ومن المشاركين في الحوار، وأيضا من المراقبين الدوليين الذين بدأوا يشعرون بوجود حركات تصدر من هنا وهناك تحمل روحا عدائية للاتفاق، وتقضي على روح التفاؤل الذي ساد في الأيام الأخيرة. وهو تفاؤل كانت له أسبابه ودوافعه في ما أبداه أطراف الحوار من تجاوب وتفاعل، وعبّرت عنه جهات كثيرة على رأسها السيد برناردينو ليون نفسه، وشاركته فيه أطراف محلية وإقليمية ودولية، ولكن مع اقتراب ساعة الوفاق ووصول المشوار إلى نهايته، وانتهاء أي إمكانية للمماطلة والتسويف والذهاب خطوة إلى الأمام تعقبها خطوة إلى الوراء، كما كان الحال فيما سبق، وصار الآن الجميع أمام استحقاق الوفاق، والتنازل من أجل الوصول إلى سلامة البلاد، في مواجهة التحديات الكبيرة واحتمالات الخطر التي تهدد وحدة الوطن وأمنه واستقلاله، ولم تعد هناك مساحة للمناورة ولا للتسويف والمماطلة، فإن بعض أصحاب المصلحة في الفوضى وانهيار القانون وغياب الدولة وغياب المؤسسات الدستورية، صارت تصدر عنهم إشارات مؤسفة، توحي بإمكانية تقويض كل شيء، لضمان البقاء فوق أشلاء وطن ممزق وأنقاض وطن يتهاوى وينهار، فقد رأوه صعبا عليهم وقد وصلوا عبر البلطجة والسلاح، إلى أعلى مراتب القوة والسلطة، أن يعودوا الآن إلى مستوياتهم المتدنية القديمة، في حفر دهان السيارات التي جاؤوا منها. ويكفي أن أقول إنه منذ سقوط النظام السابق ونجاح ثورة 17 فبراير، حصلت المئات من جرائم الخطف والمئات من جرائم القتل والمئات من جرائم السطو على الملايين، إما سطوا مسلحا على البنوك، أو سطوا على مكاتب حكومية وإجبار المسؤول على التوقيع، بل وخطف رئيس وزراء وإجباره على بعض القرارات والممارسات، دون أن نرى عنصرا واحدا يحاسب على أي جريمة من هذه الجرائم أو ينزل به أي عقاب أو حتى يذكر اسمه باعتباره فاعلا لهذه الجريمة أو تلك، فهل هؤلاء الناس الذين استولوا على هذا المشهد وأداروه كما تدار عصابات المافيا، يمكن أن نراهم يتركون هذه المزايا، لحكومة شرعية تدير البلاد بمرجعية الدستور والقانون، وتحت حماية المؤسسة الأمنية والعسكرية. هؤلاء هم من يهددون فشل مفاوضات الفرصة الأخيرة، فهل ينجحون؟