عرف المغرب ، منذ عقود، عدة تحولات وتغيرات مست مجموعة من الميادين والمجالات، كل واحد من زاوية معينة ، وبطرق مختلفة. وتعتبر ظاهرة التحضر من الطواهر الاجتماعية التي عرفت تطورات وتغيرات مهمة، في المجتمع المغربي ، وهي ليست نتاج ارتفاع عدد السكان في المدن وإنما النزوح الكثيف للأسر المغربية من المجالات الريفية المجاورة الى المدن خاصة في فترة ما بعد الاستقلال. ويعتبر النزوح وهجرة الاسر القروية الى المدن من المشكلات والمعيقات التي تتخبط فيها المدن المغربية بسبب الازدواجية بين عادات ريفية يصعب تجاوزها يحملها النازح من القرية الى المدينة تتجلى اساسا في الملبس والمسكن، وطريقة العيش ولغة التواصل، كل هذه العادات تساهم في اختلاط الثقافة بين المدن والقرى المغربية ، ويصعب من مهمة اندماج الاسر القروية في النسيج الحضري، بشكل عاد وطبيعي . ومن بين المشكلات التي تعترض اندماج الساكنة البدوية بالمدن المغربية نجد السكن، اي صعوبة العثور على وحدات سكنية في متناول هذه الفئة ذات الدخل المحدود، وهذا ما يؤدي بها الى الاستقرار في ضواحي المدن. وهذا ما ينعكس سلبا على تطور المدن على عدة مستويات ويعيق تنميتها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، هذا من جهة. ومن جهة اخرى تواجه الساكنة النازحة مشكل الاندماج الثقافي بفعل نقلها للثقافة البدوية في اوساط المدن والمتمثلة اساسا في اللباس والاكل، الى جانب عادات اخرى تكرس صعوبة اندماج بين الثقافة الريفية والحضرية. وتشكل صعوبة الاندماج هذه عائقا اساسيا في نمو المدينة واستيعابيها لجميع الفئات العمرية وفق نمط ونسيج حضري سليم، لذلك فالمدينة ملزمة بمواجهة الاثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للنازحين ومحاولة دمجهم بشكل يتوافق مع برامج وتصاميم نمو المدن وتطورها على جميع المستويات والقطاعات وفق رؤية شمولية . أمام هذه الصعوبات، فإن العديد من الاسر الريفية النازحة للمدن، والتي لم تستطع الاندماج بالنسيج الحضري للمدن خاصة الفئات التي عاشت شبابها في الوسط الريفي، غالبا ما تضطر الى العودة الى احضان الارياف، مبررة ذلك بما تشهده المدينة من ازدحام شديد وكثرة الادخنة المنبعثة من المركبات الصناعية، وضيق الوحدات السكنية وقلة المساحات الخضراء، عكس المجالات الريفية ، حيث الهدوء والسكينة واتساع المساحات الخضراء. تجدر الاشارة الى انه من العوامل الرئيسية في نزوح وهجرة الساكنة البدوية الى المدن اساسا البحث عن لقمة العيش في ظل غياب فرص الشغل بالمجالات الريفية، ثم ضعف البنية التحتية وهشاشتها ،اضف الى ذلك انعدام وقلة المرافق العمومية من مؤسسات تعليمية، خاصة الجامعية، ثم المستشفيات، ودور الشباب القادرة على تلبية متطلبات هذه الفئة النازحة وتوفير الظروف الضرورية لاستكمال المسار التعليمي لأبنائهم، وهذا ما يخلق المزيج بين الثقافة البدوية والحضرية بالنسبة للأبناء. وارتباطا بهجرة الساكنة الريفية الى الحواضر تؤكد مجموعة من المعطيات والاحصائيات، ان تهميش القرى و تكريس عزلتها، مع وجود اختلالات شابت نموها في مجموعة من القطاعات الحيوية كالاستثمارات في المجالات الفلاحية ، كل هذا ناتج عن فشل مخططات التهيئة العمرانية وغياب برامج التهيئة الريفية ومحدودية فاعليتها والاستمرار في سياسية المركزية الادارية والاقتصادية والاجتماعية. وفي إطار السياسة الجهوية والتقسيم الجديد الذي سيعرفه المجال الترابي المغربي ،اصبح لزاما على الفاعلين السياسيين العمل على تفعيل مبادئ ومرتكزات الجهوية الموسعة وتطبيق سياسة القرب عن طريق انعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين جودة التصاميم الوطنية والجهوية والمحلية وتفعليها على ارض الواقع ، ورسم التوجهات الكبرى لسياسة اعداد التراب الوطني وخاصة مخطط التنمية القروية، والتي من شأنها أن تخفف العبء عن المدن ووقف نزيف هجرة سكان الارياف اليها.