قرر وزير الصحة أن ينهج سياسة الهروب إلى الأمام، متجاهلا وجود نقابات وتنسيقيات في مجال الصحة، لإشراكها في النقاش المباشر والفعلي بشأن موضوع الخدمة الإجبارية، الذي لقي معارضة شديدة واحتجاجا واسعا في أوساط الأطباء، تمت ترجمته إلى وقفات ومسيرات ومختلف الأشكال النضالية، من بينها هجران المستشفيات ومقاطعة الدروس التطبيقية. الحسين الوردي، طرح مسودة أولية لمشروع قانون الخدمة الوطنية الصحية تم التأكيد في ديباجته على أنه "يهدف إلى الرقي بالمستوى الصحي للمواطنات والمواطنين وتيسير استفادتهم من الحق في العلاج والعناية الصحية"، لكن المثير في الأمر أن وزارة الصحة، وهي تشدد في ذات الديباجة على أن مسودة مشروع القانون هي معروضة على النقاش تكريسا لمبدأ التشارك والتشاور من أجل استقبال الملاحظات والمقترحات، خاصة من طرف الفئات المعنية، في أجل أقصاه أسبوعين، قبل عرضها على مسطرة المصادقة، رفضت أن يكون هذا التواصل مباشرا مع المعنيين بالجلوس إلى طاولة الحوار، واختارت أن يكون إلكترونيا! مشروع الخدمة الوطنية الصحية، الذي انكبت على إعداده لجنة وزارية مختلطة، وفقا لما أشارت إليه وزارة الصحة في وقت سابق، يؤكد توجها حكوميا للقطع مع التوظيف والعمل بالتعاقد بالنظر إلى أنه أقل كلفة وثقلا على المستوى المالي ومختلف التبعات الأخرى، وهو المشروع الذي يلقى رفضا واسعا، إذ أكد الدكتور أحمد زروال عضو اللجنة الوطنية للأطباء الداخليين والمقيمين ومنسقها الوطني السابق، على أنه سيُفرض على 8400 إطار من الأطباء المتخصصين، العامين والحاصلين على الإجازة في أحد مسالك المهنة التمريضية وتقنيات الصحة المتخرجين كل سنة، العمل بموجب عقدة تربطهم بوزارة الصحة في منطقة من المناطق وفي حرمان من الحقوق الأساسية، لتكون البطالة مصيرهم في نهاية المطاف، لأن الوزارة لن تكون مدعوة إلى التوظيف في قطاع الصحة بالنظر إلى الخزان/الاحتياطي البشري الذي سيكون متوفرا لها، وسترفع بذلك من حجم أفواج العاطلين. الدكتور زروال، شدّد في تصريح ل "الاتحاد الاشتراكي"، على أن هذا المشروع هو نكوص إلى الوراء وتراجع خطير يستهدف مستقبل الأطباء، مضيفا أنه يحبل بالعديد من المتناقضات، فإذا ما تم تفهم استثناء الأطباء العسكريين والمتخصصين العسكريين في الطب منه وفقا للمادة 20، فإنه من غير الطبيعي استثناء الأطباء المتخرجين من كليات الطب الخاصة، وهو ما يبين حجم التفرقة التي يتم الترسيخ لها وتصنيف الطلبة الأطباء، ما بين منتمين للفئات الميسورة التي يتم تعبيد الطريق أمامها، وما بين المنتمين للطبقات الشعبية المعرضين لمختلف أنواع الانتكاسات، مشددا على أن الأطباء لايرفضون خدمة بنات وأبناء هذا الوطن بل هو شرف لهم، لكن في إطار الوظيفة وليس التعاقد، مؤكدا في ذات الوقت على أن وزارة الصحة والحكومة تنكب من أجل الاشتغال على الأولويات الحقيقية لأن المشروع الحالي لايخدم بالمطلق قطاع الصحة، المواطنين والأطباء على حدّ سواء.