ليلة الأربعاء 2010/12/29، استضاف برنامج «مباشرة معكم»، نخبة...!! من المطربين، صحبة ممثل وزارة الثقافة، ولم تتم استضافة كاتب كلمات، ولا منتج صاحب شركة إنتاج غنائي. اقتصر تدخل الحاضرين، إما للدفاع عن نمطهم الغنائي الذي ينتمون إليه، وإما لتلميع صورتهم، بامتداح ما قدموه من أعمال غنائية، دون وعي بغياب النقد الأكاديمي العلمي، الذي وحده يستطيع الحسم في تقويم الفن أو غيره. المغني المنتمي للأغنية العصرية، كان صائبا، عندما صرح بأن الموسيقى هي علم مثل الرياضيات!! لأن من أقامها هو الفيلسوف الإغريقي فيتاغورس 497 - 572 ق.م، على علم الحساب. فأصبحت عنده علما بمعنى الكلمة، بل إنه استنتج ببحثه العلمي أن العالم عنده هو: «عدد ونغم»، مما يفيد أن من لا ثقافة له لا فن له، ولن يتحقق هذا إلا بالدراسات والبحث المتواصل، بولوج المعاهد الموسيقية وركوب التخصص، وليس بالصدفة، ولا بالموهبة وحدها. ولا حتى بالوراثة. تطرق أحد الحاضرين إلى إبداعات الرعيل الأول، وأثنى عليها، وتناسى أن هذا الكم الهائل من الغناء بمختلف شعبه وأنماطه، لم يكن موجودا في بداية عهد الاستقلال، وحتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي، مما ساهم في تمييز بعض الأعمال، وجعلها تبقى راسخة في الذاكرة المغربية. منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، أصبح الطرب العصري يخضع وحده لمراقبة لجنتي الكلمات والألحان، في حين أن المنتمين لغير هذا الطرب ولجوا مقر الإذاعة والتلفزة بدون تحوز لأي محضر مصادق عليه من طرف اللجنتين.. فهمين بعض «التسيب» الفني، وانتشر «فساد الذوق»، وظهر أفراد ومجموعات في كل شبر من أرض المغرب، الكثير منها ليس لها أي هوية فنية، وخاصة في أواسط الثمانينيات والتسعينيات، عندما أصبح الإعلام السمعي البصري تابعا لوزارة الداخلية. وفي غياب ضوابط قانونية وتنظيمية.. فتح الباب على مصراعيه دون حسيب ولا رقيب، بل تحول جهاز التلفزة إلى أداة للدعاية، لإنتاجات غنائية مولها أرباب شركات الانتاج للترويج لبضاعتهم، لأشرطتهم، ومن خلالها اكتساب ذلك الفنان أو الفنانة الشعبية.. ! أو تلك المجموعات: الشهرة والمال، بدون كلل ولا تعب، وفي أقصى مدة، في حين بقى الطرب العصري أسير الفراغ والجمود، بسبب الانتظار الطويل للحصول على النوبة، للتدريب وتسجيل أغنية!! صحبة أحد أجواق البيضاء، أو فاس، أو الرباط. ولم يكن صالحا نسبيا للتسجيل سوى استوديو الرباط وحده، بل تم حجز كل هذه الاستوديوهات صحبة أجواقها لإنتاج ما يسمى بالأغاني الوطنية، مما أثر على الطرب العصري بالسلبية. في سنة 2007، ثم حل لجنتي الكلمات والألحان اللتين دامتا أكثر من (30) ثلاثين سنة. وكان لهذا الحل الانعكاس السلبي على الطرب العصري، إذ كان يجب الاحتفاظ بأعضاء اللجنتين وتكليفهم بتدريب ملحنين شباب لهم تكوين موسيقي أكاديمي وأساتذة معاهد موسيقية على دراية كبيرة بعلم الموسيقى وأساتذة جامعيين مختصين في الدراسات الأدبية. ومازاد في الطين بلة هو الاستغناء عن الأجواق الثلاثة في كل من البيضاء، وفاس: والرباط، مما دق آخر مسمار في نعش المنتمين إلى الطرب العصري، مما عرض أغلب أعضائها إلى التهميش والمرض وحتى التشرد... وحتى المنتجين الخواص الذين جلهم ليس له إلماما أدبيا ولالة تكوينا موسيقيا.. لم يعد يستطيع أحد منهم يغامر بإنتاج أغاني عصرية، لأنها غير مربحة.. أو لم يقل أحد الحاضرين في البرنامج «إيلا بغى يديري فاييت، يغامر بالطرب العصري»، علما أن عددا لا يستهان به من العيوط تتكرر مواضيعها بإيقاعات وآلات أخرى دخيلة علىها، وأغلب هذه الأعمال موسيقاها غير مضبوطة وأصواتها تغنى بالفوص نوط. لا جديد يلامس وجدان المتلقي السامع الواعي المثقف، سوى دردك وزيد دردك! فهل هذا هو الفن المقبول؟