ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



للدرس والعبرة.... المبادرة الوطنية التي أسقطت رأس عامل إقليم خنيفرة السابق

لم يكن منتظرا أن يستقبل الشارع المحلي بخنيفرة إقالة العامل السابق، أحمد اشويحات، بكل ذلك التجاوب الكبير الذي إن دل على شيء فإنما يدل على ما يعانيه الإقليم من مظاهر»الحكرة» والتهميش والفقر والانحراف وغلاء المعيشة وحلم الشباب ب»الحريك»، وارتفاع الضرائب وتدني الخدمات الإنسانية وانعدام فرص الشغل وهزالة البنية التحتية وانتهاكات حقوق الإنسان وانتعاش التفويتات المشبوهة والمتاجرة في التوظيفات، ولعل الحضور غير المسبوق في «خطبة الوداع» قد أفسد على العامل السابق أحلامه، وظل متهما من طرف الكثيرين بسوء تدبيره للملفات الاجتماعية والاقتصادية، كما بنهجه لمعيار المحسوبية والإقصاء والتمييز على مستوى الدعم المقدم للجمعيات، وتوزيعه للصفقات على المقربين، وإحاطة نفسه بعناصر مافيوزية و»مستشارين» خاصين، وكذا بتدبيره الانفرادي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بطرق غير مبنية على دراسة حاجيات وانتظارات موقع المشروع.
الاهتمام الواسع بقرار عزل العامل السابق كان بمثابة رسالة مباشرة للعامل الجديد من أجل فك الحصار المضروب على المدينة والإقليم الذي بات على وشك الوفاة ب»السكتة القلبية» اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ورياضيا وحقوقيا وفلاحيا وتجاريا، رسالة من أجل الحد من «سنوات الضياع» ومظاهر الإثراء المحرم وإغناء المقربين وترك الأمور بيد المتلاعبين، والمؤكد أن التغطيات الإعلامية والبيانات الحقوقية والسياسية والنقابية، وكذا المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي كانت تندلع بين الفينة والأخرى على مستوى هذا الإقليم، تدل بوضوح على درجة الاحتقان الذي بلغته أحوال البلاد والعباد، وقد أنصت لأسبابها جلالة الملك وقت معاينته عن قرب الحالة المزرية التي يعانيها الإقليم، والمؤكد أن جلالته وقف على حقيقة التقارير المغلوطة والفساد المتفاقم والنهب المنظم والغابات المسروقة والمشاريع المعطلة، إلى جانب انعدام أية مشاريع أو منجزات أو استثمارات أو أثار إيجابية للمبادرة الوطنية، ولا حتى وحدات صناعية أو اقتصادية يمكنها امتصاص وتيرة البطالة والبؤس والأزمة، ومن هنا جاء الحدث في قيام جلالة الملك بإقالة الرجل الأول في السلطة الإقليمية، وبزيارة ثانية للإقليم في غضون أسبوعين بعد إعطاء تعليماته لوضع برنامج شامل ومندمج لتنمية الإقليم الذي تقدر ساكنته بأكثر من 511 ألف نسمة، من بينهم 52 بالمائة يقطنون داخل المجال الحضري.
بياض ناصع السواد
وفي الوقت الذي كان فيه الجميع بخنيفرة المدينة ، ينتظر من المسؤولين القيام بوضع مشاريع هامة أمام الملك، عقب زيارته للمدينة، لم يبق أمام الشارع الخنيفري غير التحسر ألما إزاء «المشاريع المضحكة» التي قدمت لجلالته بقصد وضع حجر الأساس لإحداثها أو تدشينها بخنيفرة، وكان من المفروض متابعة أصحاب المهزلة بتهمة «إهانة المقدسات» لإخلالهم بالاحترام الواجب للملك، ولأنهم لم يخجلوا من «الكذب على الملك» فإنهم لم يخجلوا حتما من رعايا جلالة الملك عندما عمدوا إلى طلاء حياة المدينة بمساحيق التجميل -كما في كل مرة يتم فيها الإعلان عن زيارة ملكية-، حيث صبغوا الأرصفة وقتلوا الكلاب الضالة وكنسوا الأزبال وزفتوا الحفر وأنبتوا الشجر واختطفوا المعاقين وجمعوا المتسولين وأخفوا الباعة المتجولين وحددوا مفترقات الطرق، إلا أن فطنة جلالة الملك تجلت في تفقده شخصيا أحوال الرعية، وعاين بأم عينيه حقيقة الواقع المؤلم تماما وهو يضع يديه على فضائح الاختلالات والشبهات التي خانت أمانة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حضريا وقرويا، ويُعذر المواطن بمدينة خنيفرة إذا ما عبر عن تخوفه من أن يطال الفساد غلاف المليار و271 مليون درهم الذي أعلن عنه تحت رئاسة جلالة الملك محمد السادس، بعد زوال فاتح ماي 2008، في حفل التوقيع على اتفاقية شراكة تأهيل وتنمية الإقليم.
كل المؤشرات أكدت حينها على أن جلالة الملك بإلقائه الحجرة في مستنقع خنيفرة، الذي ظل آسنا منذ استقلال البلاد، يكون قد خلع الكثير من أوراق التوت عن عورات متعددة، وبعد مبادرة جلالة الملك يتضح أن بعض المسؤولين الحكوميين أرادوا إبراز»حنة أيديهم» بمنطق العمل الميداني، وتذكروا مدينة اسمها خنيفرة حتى أنهم كانوا على مقربة من الحقائق إلا أن»عين ميكة» كانت هي الموقف السائد قبل حلول جلالة الملك بالمدينة وعزل المسؤول الأول على الإقليم، وحينها أخذوا ينفضون الغبار، كل من موقعه، عن مدينة كم صرخت واحتجت وطرقت الأبواب ولم تجد مجيبا، وربما من حق العديد من سكان خنيفرة انتظار زيارة ملكية أخرى إلى مدينتهم للإطلاع على الحسابات وسير مبادرة تأهيل وتنمية الإقليم، ولعزل ما يمكن من الرؤوس الفاسدة ومعاقبة المتواطئين والمتورطين.
تاريخ تائه في المستقبل
من حق المعلقين أن يسعدوا ما بعد المبادرة الملكية التي رفعت ما كان يروجه رموز سنوات الرصاص، في عهد الراحل الحسن الثاني، من كلام ترهيبي ظل إلى وقت قريب يردد أن خنيفرة محكوم عليها ب»السورسي» (الحبس موقوف التنفيذ مدى الحياة) عقابا لها على أحداث 1973، وكل ذلك حتى يتسنى للمفسدين امتصاص خيرات المنطقة في صمت على طريقة سلطات الاحتلال الفرنسي التي كانت تصنف الإقليم في خانة «المغرب غير النافع» لغاية نهب النافع فيه من أياد عاملة رخيصة وثروات غابوية ومعدنية ومائية وزراعية، وحتى نسائية، إلا أن خطط سلطات الاحتلال فشلت أمام المقاومة الشرسة، فيا ترى كم يكلف رد الاعتبار لهذا الإقليم من ماديات ومعنويات؟ وكيف يمكن أن تتم محاسبة ومساءلة كل الذين»تناوبوا» على اغتصاب هذا الجزء الأطلسي؟ على حساب ما راكمه من تاريخ بطولي واستقلال ثوري، ومن مئات قدماء المقاومين وقدماء المحاربين بأوروبا وأعضاء جيش التحرير والمعتقلين السياسيين وشهداء الصحراء والمطرودين من الجزائر، ولا حرج في أن نأخذ من باب النكتة حكاية الرجل الذي هاتف زوجته وأشعرها بأنه وصل إلى خنيفرة، فردت عليه بلهفة «ومتى ستعود يا حبيبي إلى المغرب؟»، وهذه واحدة من تعاليق المواطنين الذين لم يعد في اعتقادهم أي رابط لهم بوطنهم غير البطاقة الوطنية طالما ظلت منطقتهم عارية ..
وزارة الداخلية نفسها أجبرتها الظرفية، عقب الزيارة الملكية لإقليم خنيفرة، على الإشارة في بلاغ لها آنذاك للوضعية الصعبة التي يعيشها سكان بعض القرى، ومن بينها أنفكو وجماعة تونفيت، وللتعليمات الرامية إلى فك العزلة عنها وتقوية التجهيزات الاجتماعية بها، مشيرا إلى»أهمية الإقليم بالنظر لرمزيتها التاريخية المتميزة في تاريخ المقاومة ورصيدها الثقافي المتميز والذي تم تكريسه بإعلان جلالة الملك، في خطابه الذي ألقاه بمنطقة أجدير في17 أكتوبر2001، عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي شكل محطة حاسمة في المسار التاريخي لتجسيد هوية الدولة المغربية»، ولم يفت بلاغ الداخلية الاعتراف بأن العالم القروي لازال يعاني من تدني مستوى العيش وعجز واضح على مستوى التجهيزات والبنيات التحية.
تحت رحمة الانتظار
وإزاء رغبة جلالة الملك محمد السادس في تصفية تركة فاسدة وثقيلة، لم يعد أمام أعضاء اللجنة التي شكلها الملك من أجل وضع «برنامج شامل ومندمج لتنمية إقليم خنيفرة» إلا أن يأخذوا هذه التعليمات على محمل الجد دونما تسويف أو تماطل أو تلاعب، على الأقل أن يرفعوا الظلم الكبير الذي عانى منه أهالي المنطقة طويلا، والواضح طبعا أن العامل الجديد يكون قد التقط إشارات وزير الداخلية جيدا، هذا الذي أكد على ضرورة الالتزام بسياسة القرب والانفتاح والعمل الميداني وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين والاقتراب من اهتماماتهم وحاجيات الفئات الفقيرة والمعوزة وتوفير فرص الشغل مع تحفيز الفاعلين الاقتصاديين والمنعشين السياحيين على الاستثمار، وإلى جانب ذلك طالب الجميع من العامل الجديد بالمراقبة التقنية والمالية للمشاريع، وحفظ ذاكرة المنطقة وحماية المآثر التاريخية، وتشجيع برامج السياحة الجبلية وفتح المجال لاكتشاف ما يزخر به الإقليم من مؤهلات طبيعية ومواقع مصنفة تراثا عالميا وإرثا إنسانيا، وكذلك بمعالجة الملفات الثقيلة من قبيل مشكل البناء العشوائي وأراضي الجموع والتحفيظ العقاري، ومشكل النزاع المتعلق بأرض الكورص وحي بام (وادي الذهب حاليا)، وملف المشاريع المجمدة، والمشاريع التي ينتظرها السكان (نواة جامعية ومستشفى متعدد الاختصاصات ومنطقة صناعية ومتحف محلي ومدرسة تقنية ومعهد للموسيقى ومحكمة للاستئناف ومندوبية للسياحة ومندوبية للثقافة وملعب رياضي يليق بتاريخ كرة القدم المحلية)، إلى جانب ضرورة التحقيق في ما طبع المرحلة الأولى من المشروع الألماني المغربي للتطهير من شبهات مالية وتقنية، مع الاستفسار حول مآل غلاف الملياري سنتيم الذي تبرعت به الحكومة عقب الفيضانات التي ضربت المدينة، وفي مآل مشروع إقامة نصب تذكاري لتأريخ خطاب أجدير، والتحقيق في مجريات ملف جبر الضرر الجماعي الذي أعلن الاتحاد الأوروبي عن المساهمة في مشاريعه باعتبار الإقليم من المناطق التي تضررت جراء ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، ومنه إلى تعميق البحث في وضعية الثروة الغابوية والمناجم المعدنية ومقالع الرخام والفسيفساء، والمؤكد أن سكان العالم القروي ينتظرون من العامل الجديد التدخل لدعمهم بالماء الشروب والمسالك الضرورية ووسائل التمدرس والتعامل بديمقراطية مع برنامج كهربة العالم القروي.
متنفس خارج الاحتقان
وسبق أن شكل حفل توقيع عدد من الاتفاقيات المتعلقة بمشاريع مدرجة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حدثا هاما بامتياز، وإنه استطاع تشخيص المسؤولية التي يجب أن تنطلق منها مكونات المجتمع المدني والفئات المنتخبة وتدرك دورها في تدبير مرتكزات المبادرة والحاجيات الأساسية للسكان، عبر انخراط فعلي في مسلسل التنمية المحلية المستدامة بكل أبعادها وقواعدها، وكذلك في تطوير الأنشطة المستعجلة والمدرة للدخل.
وللتأكيد على إلزامية النتائج أعرب عامل الإقليم، أحمد اشويحات، عن أمله في»أن تخرج المشاريع المبرمجة إلى الوجود وتكون في صالح السكان»، قبل أن يدعوا المنتخبين وفعاليات المجتمع المدني إلى «أن يضعوا يدا في يد من أجل ضبط واكتشاف الأسبقيات الأولى للمواطن» ورفعها إلى اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية قصد الترتيب لتحقيقها.
وبالنظر إلى انتماء إقليم خنيفرة لجهة مكناس تافيلالت التي تعد من أفقر جهات البلاد، فقد ربح على الأقل، من خلال المشاريع المدرجة في الشطر الثاني من المبادرة الوطنية، برامج تنموية تشمل بنيات تحتية أساسية وخدمات اجتماعية إنسانية وتكوينية، وأخرى تتعلق بمساعدة الطفل والأم وذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين وبمحاربة الهشاشة والتهميش.
في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية احتضنت عمالة إقليم خنيفرة، يوم الثلاثاء 25 نونبر 2008، أشغال «الملتقى الإقليمي السادس للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية» لتبادل المعلومات والتجارب حول موضوع «القروض الصغرى والأنشطة المدرة للدخل»، واختتم بورشتين أسفرتا عن توصيات طالبت بتعديل قانون جمعيات القروض الصغرى حتى يتعدى سقف تمويلها للمشاريع مبلغ 50.000,00 درهم، وبضرورة وضع دليل واضح خاص بالقروض الصغرى لتمويل المشاريع المدرة للدخل، مع خفض نسبة الفائدة بالنسبة للمشاريع الممولة منها من طرف جمعيات القروض الصغرى في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ثم مراجعة قانون الجمعيات حتى يستفيد جميع أعضائها من المشاريع المدرة للدخل، وإعادة النظر في دليل مساطر الاستفادة من القروض الصغرى بإشراك مختلف المتدخلين.
وطالب المشاركون في الورشتين أيضا بالإعفاء من الضرائب على هذه المشاريع وانجاز دراسة وطنية لإيجاد آليات الالتقاء بين جمعيات القروض الصغرى والمبادرة الوطنية وجمعيات المجتمع المدني، وبتسهيل مسطرة التمويل وتخفيض نسبة مساهمة حاملي المشاريع (أقل من 30 %)، إضافة إلى ضرورة مساهمة جمعيات القروض الصغرى في إيجاد فرص التسويق لمنتوج الأنشطة المدرة للدخل بهدف تحويلها إلى سلاسل إنتاجية (السياحة القروية،...)، وإمكانية إدماج هذه الجمعيات والجمعيات المحلية في مسايرة المشاريع حتى تتطور نحو نشاط منظم ( مقاولة، تعاونية،...)، وإشراك الشركاء في تحمل المسؤولية والمؤسسات الأكاديمية في وضع المشاريع، ومن بين المطالب الأخرى إحداث صناديق للتمويل وتأهيل الفئات المستهدفة للاستفادة من القروض الصغرى، التشجيع على تبني مشاريع تكوين الحرفيين لتحسين الإنتاج والرفع من الجودة والتسويق، مع تقييم موضوعي لمشاريع الأنشطة المدرة للدخل الممولة، فيما توزعت التوصيات أيضا بين مطالبة المشاركين فيها بمراجعة تبسيط مساطر تكوين التعاونيات وبمراعاة آجال تسديد القروض تبعا لطبيعة المشروع، وتنويع المشاريع المستفيدة وتشجيع المقترحات الجديدة التي تتبنى مشاريع الأعشاب الطبية، صناعة الخزف والفخار، غرس أشجار الزيتون، الصبار، تجميع الأراضي، السقي بالتنقيط مثلا، إلى جانب المطالبة بإعادة النظر في منهجية إبرام الصفقات (تخفيض تكاليف شراء الماعز كمثال)، إلى غير ذلك من التوصيات.
مشروع مثير للجدل
ومن جهة أخرى، ما يزال قرار إجبار «جمعية تايمات» بخنيفرة على «الخروج من السباق» المتعلق بمشروع مركز سوسيوثقافي من القرارات التي أثارت جدلا واسعا، وأول المفاجآت خروج عامل إقليم خنيفرة بقرار يدعو فيه الجمعية إلى الانسحاب من مشروع المركز السوسيو ثقافي الذي تم الاتفاق على إحداثه بالكنيسة القديمة بشراكة تدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتكلفته المرصودة تصل إلى 600 مليون سنتيم.
أسباب القرار تعود بالأساس إلى تحميل «جمعية تايمات» مسؤولية تأخر إنجاز المشروع الذي سبق أن تم تقديمه لجلالة الملك محمد السادس خلال زيارته للإقليم في اليوم الثامن من أبريل 2008، وحُددت مدة خروجه إلى حيز الوجود في غضون ثمانية أشهر، غير أن الجمعية المعنية بهذا المشروع أخلت بالتزاماتها ولم تف بتوفير مساهمتها المتفق عليها، حسب مصادر من عمالة الإقليم هذه التي زادت فأكدت استفادة الجمعية المذكورة من تحويل مالي كشطر أول من البرنامج الأفقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، برسم سنة 2007، في عهد العامل المخلوع، أحمد اشويحات، والبالغ 62 مليون سنتيم، بينما تمت برمجة مبلغ 60 مليون سنتيم للشطر الثاني، برسم سنة 2008، لغاية إتمام المشروع، إضافة إلى 15 مليون سنتيم لدعم الأنشطة السوسيوثقافية للجمعية، في حين التزمت الجمعية المعنية في مضمون الاتفاقية بالمساهمة ب 250 مليون سنتيم، تضاف إليها مساهمة شركائها داخل الوطن وخارجه، وهذه الاتفاقية تسمح للجمعية بحق استغلال المشروع لمدة 99 سنة بسومة كرائية قدرها 1200 درهم.
وإذا كان العامل الحالي قد انطلق بقراره من أن المشروع عرف تأخيرا وتماطلا غير مبرر نظرا لغياب عطاء الجمعية وعدم التزامها بتوفير مساهمتها، فالجمعية بدورها لم تنف حضور ممثلين عنها في اجتماع للجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث تم تدارس الوضعية المتعلقة بمشروع المركز السوسيو ثقافي، وأثناء هذا اللقاء، يضيف أعضاء من «جمعية تايمات»، شدد عامل الإقليم على التسريع في إنجاز المشروع، بينما عرض مسؤول قسم العمل الاجتماعي، بالصوت والصورة، التدخلات المنتظرة من طرف جميع الشركاء لغاية إنجازه.
أوساط المراقبين تأكدت من توقف عجلة المشروع السوسيو ثقافي عن الدوران لحظة اجتماع اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية يوم 20 نونبر 2008، حيث تطرق عامل الإقليم للنقطة المتعلقة بوضعية المشروع، على أساس اتخاذ القرار اللازم طبقا للفصل 20 من اتفاقية الشراكة التي تربط اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ب»جمعية تايمات»، وذلك لاعتبارين، يضيف عامل الإقليم، أولهما كون المشروع يعرف تأخيرا في الإنجاز، مع أن المصالح المركزية تتابعه بشكل خاص على خلفية تقديمه لجلالة الملك عقب زيارته للإقليم، ويقول العامل إنه بعد تحويل مبلغ 62 مليون من الشطر الأول للمبادرة الوطنية برسم سنة 2007، تم تخصيص شطر ثاني برسم سنة 2008 بمبلغ 60 مليون سنتيم، وطلب من الجمعية توفير مساهمتها وتجنيد مساهمة شركائها، إلا أن هذه الجمعية لم تستطع الوفاء بالتزاماتها، وفي هذا الصدد، يضيف عامل الإقليم، تمت مراسلة الجمعية في الموضوع، كما تمت دعوتها والمكلفين بتتبع إنجاز المشروع لحضور الاجتماع المقرر يوم 14 نونبر 2008، إلا أن هذا الاجتماع لم يعقد بسبب غياب المعنيين بالأمر، ومن هنا تم الإجماع على ضرورة سحب المشروع من الجمعية بدعوى العمل على إنجازه داخل الآجال المحددة في برنامج تأهيل المدينة، وعبرت الجمعية عن أسفها حيال عدم دعوتها لحضور لقاء «الخميس الإعلامي» للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والذي جدد فيه عامل الإقليم موقفه من علاقة جمعية «تايمات» بمشروع المركز السوسيو ثقافي، وشرح أمام العديد من الصحفيين أسباب القرار القاضي بسحب المشروع من الجمعية.
رد فعل «جمعية تايمات» جاء بخروج أعضائها عن صمتهم بالإفادة أن جمعيتهم شرعت في أشغال المشروع، بدليل أن الأجور المستعمل في هذه الأشغال هو من عطاء الجمعية بدعم من أحد رجال الأعمال بخنيفرة، إضافة إلى أتعاب المهندس التقني، ولوازم الكهرباء التي تعهدت إحدى الشركات بالدارالبيضاء بالمساهمة بها وأحد الفاعلين الاقتصاديين من الحاجب بالأسمنت، وتضيف الجمعية أن شركة تابعة للاتحاد الأوروبي كانت بصدد المساهمة بأجهزة معلوماتية، وشركة «جاكوب» بتجهيز المرافق الصحية، كما وعدت منظمة بلجيكية غير حكومية بالمساهمة في المشروع بالقنوات المائية وأخرى فرنسية بالكهرباء، فيما تكلفت إحدى المنظمات الدولية بتسوية فاتورة الإسمنت والحديد، كما إلتزمت إحدى الشركات بالبيضاء بالمساهمة بالزليج، غير أن كل هذه «الهبات» توقفت بإعلان الجمعية صاحبة المشروع (تايمات) عن انسحابها من المشروع على خلفية إرغامها على الخروج في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مفاجئة، ولم يفت الجمعية القول بأنها تتوفر على ما يثبت وجود شبهات وخفايا سيتم وضعها أمام الرأي العام في الوقت المناسب.
وذكر مسؤولون من «جمعية تايمات» باجتماع حضره ممثلون عن جمعيات ومنظمات أوروبية، من فرنسا وبلجيكا وموناكو وسويسرا ورومانيا، وتمت خلاله دراسة سبل النهوض بالمشروع السوسيو ثقافي وتمويله على الصعيد الأوروبي، ولم يكن متوقعا أن «يهتز» المشروع على طريق غير معبدة، ويتخوف الملاحظون أمام ما جرى أن ينعكس ذلك سلبا على سمعة المجتمع المدني المغربي في عيون المنظمات الدولية والشركاء الأوروبيين.
وعن دوافع قبول الجمعية بخيار الانسحاب من المشروع، قالت مصادر منها أنها اتخذت هذا القرار بعد أن تم وضعُها أمام خيارين، إما تحويل مبلغ 250 مليون سنتيم المصرح به ضمن الاتفاقية في أجل لا يتعدى 20 يوما، وهو ما عجزت عنه الجمعية، أو الانسحاب النهائي الذي رأت فيه الجمعية الحل الأنسب من باب رفضها البقاء في دور جمع الأموال والتبرعات فقط (حين أخذت على عاتقها التكلف بمختلف الحاجيات والتقويمات المالية الخاصة بالمشروع)، ومباشرة بعد تخليها عن المشروع أعلنت لجميع شركائها المغاربة والأوروبيين موقفها، وأخذت في إرجاع ما حصلت عليه من تبرعات ومساهمات مالية، مع إلغاء الهبات التي كانت ستتوصل بها مستقبلا.
وأوضحت مصادر مسؤولة من الجمعية ل»الاتحاد الاشتراكي» أنها فوجئت بعدم وصول أجوبتها لعامل الإقليم الذي يقول إنها لا ترد على مراسلاته، وأكدت أنها ردت على كل هذه المراسلات، وتمنت أن يعمل العامل على فتح تحقيق في ملابسات الأمر، وأمام حديث الخاص والعام عن تجاوزات توحي بوجود تحويلات مالية مشبوهة تتعلق بالمشروع، أفادت الجمعية أنها تسلمت فقط مبلغ 62 مليون من برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وهذا المبلغ سمح لها باستعمال جزء منه في تصفية فاتورة تتعلق بمكتب الأبحاث والدراسات، والباقي في تسوية فاتورة شركة للبناء وأجرة الحراسة وتكاليف نقل الأحجار، ثم مصاريف حفل انطلاق أشغال المشروع، تلبية لطلب من العمالة، أما مبلغ 60 مليون المحول لحساب الجمعية من المجلس الإقليمي فقد تم تسليمه بواسطة شيكين لفائدة الشخص الذي يحرس/ يقطن بالكنيسة القديمة مقابل إخلائه المكان لغاية إنشاء المشروع، وكان من المفترض إفراغ هذا الشخص بالطرق القانونية المعروفة من منطلق مساءلته أولا حول ما إذا كان يتوفر على وثيقة تثبت ملكيته للمكان، مع ضرورة الإشارة إلى أن المجلس البلدي في تجربته الاتحادية أن سهر بصرامة على ما يتطلبه ملف الكنيسة ومحتلها من إجراءات كانت ستعود بالنفع على المجتمع المدني، وراسل في شأن ذلك كافة الجهات المعنية بالموضوع، بما فيها السفارة الفرنسية بالرباط.
وتقول مصادر من الجمعية إن الاتجاه الغريب استدعى الجلوس مع حارس/محتل الكنيسة الذي لم يخجل وهو يطالب أول الأمر ب 90 مليون سنتيم مقابل مغادرته المكان، وبعد نقاش واسع قبل بمبلغ ال 60 مليون سنتيم تم تحويله إليه، وذلك باتفاق مع مصالح معينة من عمالة الإقليم التي قامت بتحويل المبلغ إلى حساب الجمعية لتحولها بدورها وبنفسها ل»حارس الكنيسة».. وحلق في سمائه فور مصادقته وتوقيعه على الإبراء النهائي، ولم يتساءل أحد وقتها عن أصحاب الكنيسة؟ ولا عن قانون أملاك الدولة في مثل هذه الأمور؟ أو ما محل المستفيد من الصفقة من الإعراب؟ وهل ستتم مساءلته أم لا؟، علما أن حالته لم تتضمنها الاتفاقية المبرمة مع الجمعية، كما ليست هناك أية وثيقة تثبت أن الجمعية طالبت ببناية الكنيسة لإحداث مشروعها بل أن العامل السابق هو من اقترح هذا الفضاء على الجمعية عندما عانق هذه الأخيرة بشكل متميز أثار الكثير من علامات الاستفهام.
في الاتجاه المعاكس
ومن حق بعض المتتبعين الوقوف أمام ما صرح به أحد أعضاء «جمعية تايمات» الذي لم يستبعد أن تكون وراء قرابة حارس الكنيسة بمسؤول من القسم الاجتماعي ما يوحي بوجود شبهات تستدعي من الجهات المسؤولة فتح ما ينبغي من التحريات الشاملة في ذلك وفي ما إذا كانت أطرافا معينة قد دفعت باتجاه تذويب علاقة الجمعية بالمشروع، ولعلها الأطراف التي جعلت من الجمعية مجرد كومبارس ل»إخراج» فيلم الملايين المعلومة من صندوق المبادرة الوطنية والمجلس الإقليمي، ومن حق الكثيرين التعليق على الحفل الأسطوري الذي كان قد نظمه العامل السابق على شرف ضيوف الجمعية لغرض ما في منطق «الواضحات من المفضحات»، وأمام النقطة التي انتهت إليها «جمعية تايمات» لم يفت بعض المراقبين الإعراب عن استغرابهم أمام عدم قيام كل هذه الضجة حيال «جمعيات» لم يسألها أي أحد حول ما فعلته بالمساهمات التي استفادت منها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
مصادر من «جمعية تايمات» أشارت إلى بعض النقط الرئيسية التي جاءت ضمن النتائج التي أسفرت عنها تحقيقات لجنة مراقبة برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وأولها أن الجمعية لم تلتزم بشروط الاتفاقية، والجمعية تقول بأنها لم تقف على هذه الشروط إلا خلال لقائها بالعمالة، واعتبرتها خارجة عن إرادتها وليس من مهمتها، ثم أن المبلغ المالي الذي تم تحويله لحسابها ما قبل الشروع في أشغال المشروع هو أمر ليس من مسؤولية الجمعية، ذلك في إشارة إلى لجنة تدقيق الحسابات التي رفضت القبول بأمر تحويل مبلغ 62 مليون سنتيم من ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لحساب هذه الجمعية بدعوى عدم اكتمال عمرها لثلاث سنوات، وسجل حينها كيف اشتعل تبادل الاتهامات بين رئيس قسم العمل الاجتماعي والعامل السابق، ولما اطلعت ذات اللجنة على ملف مبلغ 60 مليون سنتيم الذي ساهم به المجلس الإقليمي لفائدة الجمعية، وتم الدفع باتجاه وضع المبلغ في «جيب» حارس الكنيسة في تلك الظروف الغامضة، اكتفت اللجنة بأن الأمر لا يدخل ضمن صلاحياتها من حيث لا علاقة له بإطار المبادرة الوطنية، ومن جهة أخرى رأت اللجنة أن عمالة الإقليم أخطأت في السماح للجمعية باستغلال فضاء الكنيسة القديمة لعدم وجود أي ترخيص من الأملاك المخزنية، والجمعية توضح في هذا الصدد أنها وضعت طلبا في الموضوع لدى مصالح الأملاك المخزنية وكان رد هذه الأخيرة أن على الجمعية سحب الترخيص من الرباط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.