السقوط من الطابق الثالث ينهي حياة أم بطنجة    أمن البيضاء يحقق مع جزائريين وماليين على خلفية دهس بين 7 أشخاص بسيارات رباعية    ميناء طنجة المتوسط يقوي قدراته اللوجستية باستثمار 4 مليارات درهم    الدرهم يتراجع بنسبة 1,18 في المائة مقابل الدولار الأمريكي بين شهري شتنبر وأكتوبر (بنك المغرب)    وقفات تضامنية مع غزة ولبنان بعدد من مدن المملكة        عدد وفيات مغاربة فالنسيا بسبب الفيضانات بلغ 5 ضحايا و10 مفقودين    الدريوش يتلقى استدعاء لتمثيل هولندا    بواسطة برلمانية.. وهبي يلتقي جمعية هيئات المحامين بالمغرب غدا السبت    فعاليات الملتقى الجهوي الثالث للتحسيس بمرض الهيموفيليا المنعقد بتطوان    مدافع الوداد جمال حركاس: تمثيل "أسود الأطلس" حلم تحقق        أكديطال تتجه لتشييد مصحة حديثة بالحسيمة لتقريب الرعاية الصحية    منظمات أمازيغية تراسل رئيس الجمهورية الفرنسية حول استثناء تعليم اللغة الأمازيغية    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الوسيط يعلن نجاح الوساطة في حل أزمة طلبة الطب والصيدلة    سانت لوسيا تشيد بالمبادرات الملكية بشأن الساحل والمحيط الأطلسي    ابنة أردوغان: تمنيت أن أكون مغربية لأشارك من أسود الأطلس الدفاع عن فلسطين    حجوي: 2024 عرفت المصادقة على 216 نصا قانونيا    التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا لكرة السلة 2025.. المنتخب المغربي يدخل معسكرا تحضيريا    "جبهة نقابية" ترفض المس بالحق الدستوري في الإضراب وتستعد للاحتجاج    المغرب وفرنسا… إضاءة التاريخ لتحوّل جذري في الحاضر والمستقبل    الطفرة الصناعية في طنجة تجلعها ثاني أكبر مدينة في المغرب من حيث السكان    أسعار الغذاء العالمية ترتفع لأعلى مستوى في 18 شهرا    دوري الأمم الأوروبية.. دي لا فوينتي يكشف عن قائمة المنتخب الإسباني لكرة القدم    من مراكش.. انطلاق أشغال الدورة الثانية والعشرين للمؤتمر العالمي حول تقنية المساعدة الطبية على الإنجاب    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (فيديو)    بيع أول لوحة فنية من توقيع روبوت بأكثر من مليون دولار في مزاد    مصدر من داخل المنتخب يكشف الأسباب الحقيقية وراء استبعاد زياش    وسيط المملكة يعلن عن نجاح تسوية طلبة الطب ويدعو لمواصلة الحوار الهادئ    "أيا" تطلق مصنع كبير لمعالجة 2000 طن من الفضة يوميا في زكوندر    كوشنر صهر ترامب يستبعد الانضمام لإدارته الجديدة    الهوية المغربية تناقَش بالشارقة .. روافدُ وصداماتٌ وحاجة إلى "التسامي بالجذور"    بعد 11 شهرا من الاحتقان.. مؤسسة الوسيط تعلن نهاية أزمة طلبة كلية الطب والصيدلة    هزة أرضية خفيفة نواحي إقليم الحوز    بحضور زياش.. غلطة سراي يلحق الهزيمة الأولى بتوتنهام والنصيري يزور شباك ألكمار    الجنسية المغربية للبطلان إسماعيل وإسلام نورديف    ارتفاع أسعار الذهب عقب خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة    متوسط عدد أفراد الأسرة المغربية ينخفض إلى 3,9 و7 مدن تضم 37.8% من السكان        إدوارد سعيد: فلاسفة فرنسيون والصراع في الشرق الأوسط        تقييد المبادلات التجارية بين البلدين.. الجزائر تنفي وفرنسا لا علم لها    حظر ذ بح إناث الماشية يثير الجدل بين مهنيي اللحوم الحمراء    خمسة جرحى من قوات اليونيفيل في غارة إسرائيلية على مدينة جنوب لبنان    المنصوري: وزراء الPPS سيروا قطاع الإسكان 9 سنوات ولم يشتغلوا والآن يعطون الدروس عن الصفيح    طلبة الطب يضعون حدا لإضرابهم بتوقيع اتفاق مع الحكومة إثر تصويت ثاني لصالح العودة للدراسة    إسبانيا تمنع رسو سفن محملة بأسلحة لإسرائيل في موانئها    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر والباحث موليم العروسي بالأبيض والأسودمن السياسة إلى فلسفة مابعد الحداثة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 08 - 2015

في هذا الحوار مع الأستاذ موليم العروسي الذي نقدمه للقراء يفترض مساءلة الحوار ذاته . كيف سيكون حوارنا معه ؟ و هل يستطيع ترميم المعنى من اللامعنى ؟ و ماهي موضوعات الحوار؟ ... الخ ، و هي كلها أسئلة تروم بما قاله موريس بلانشو من خلال قولة ماركيز دوساد يجب على الفلسفة إن تقول كل شيء مهما ارتعد الناس من ذلك أسئلة كثيرة تقترب منا كلما ابتعدنا عن مكان الحوار و تبتعد منا حينما نكون قبالته . و بين القرب و البعد يتبخر الكلام ليصير ماءا نشربه أحيانا ، و نرش به المكان في أحايين أخرى . الجلوس مع موليم العروسي يحملك إلى متاهة غريبة تبحث عنه فتجده في ليلته الموعودة . إلا انه يختفي مرة أخرى بين سيدة المقام و كائناتها في الطابق العلوي. و بين هذا و ذاك يحضر الخطيبي و دكالة ، الفن المعاصر ، المرأة ، الكتابة الروائية ، الأسطورة ، التسمية ، الأثر ، المؤسسة و كائنات أخرى تظهر و تختفي كما هو .
لا نستطيع قول الدهشة في هذا الحوار ولا نظن أننا حاولنا رسم بورتريها لهذا الكاتب / الباحث الذي يتقن حرب العصابات على الكلمات و الأشياء و إنما حاولنا بمكر شديد ضيافته بحب مع قراء محتملين . فأسئلة ما بعد الحداثة تسكنه ، لهذا يجب المشي و الترحال بين النصوص و الآثار اللتين لفظتهما المؤسسة ، ربما قد أقلقنا خلوته انطلاقا من النوافذ التي فتحها لنا، و لعل المجال الذي يشتغل فيه و عليه من بين مجالات اخرى ( علم الجمال بما باب مشرعة على الجسد ) هو الذي وضع مساحة رحبة في هذا الحوار . كان الحوار طويلا( في حدود أربع حلقات تدوم كل حلقة أربع إلى ست ساعات ) في مؤسسة محمد بنسعيد ايت ايدر بمرس السلطان بالدار البيضاء . لا نريد ربط هذه المؤسسة بالدلالة التي تحيل عليها، و إنما أشكر الأخ أحمد الحبشي الذي فتح لنا بابها ، مثلما أشكر الصديق الشاعر محمد عرش الذي ساعدني في تفريغ هذا الحوار .
o ماأريد العودة إليه هو أنه كان هناك حوار، لا يهمنا تقييمه والوقوف عند أهميته من عدمها المهم أنه وجد حورا بين الفنانين والكتاب والمثقفين...أما اليوم فهذا الحوار غير موجود بالمطلق على ما أعتقد.
n لأنه للأسف الشديد ليس هناك سؤال مشترك. السؤال المشترك الذي كان موجوداً آنذاك في ه التجربة كان هو سؤال الهوية وكان مقبولا أن يطرح خصوصا أن شعبا تلقة صدمة حضارية قوية كان عليه أن يستفيق منها. كان عليه، وكان هذا صعبا جدا، أن يحافظ على ما تعلمه من الفرنسيين أو الأسبان ويافع عنه كما كان عليه أن يرتفع بموروثه ليكون في مواجهة العالم. والطريق الوحيد كان هو طريق الكونية. لأنه كلما كانت الممارسات محلية قبلية إثنية كلما كانت ترفض الآخر وبما أن المثقفين والفناني كانوا يعرفون أن استمرارهم في الحياة رهين بانخراطهم في الكنية وأن الثقافة الغربية هي الباب نحو هذا الكونية فكان لابد أن يخلقوا نوعا من الانسجام أو التقارب بين ماورثوه عن ثقافتهم وما اكتسبوه من الثقافات الأخرى. هذه كانت إشكالية الجميع.
وفي هذا الباب أو أن أوضح شيئا أساسيا. لقد ظهر كثيراً اسم شبعة أو أُريد له أن يظهر رغم أنه لم يكن أساسياً على مستوى المنجز، ولم يظهر، محمد المليحي على الرغم من أهمية تفكيره ومنجزه الفني لأنه سوف يرتبط بعد ذلك بموسم أصيلة وبطابعها السياسي آنذاك والناس الذين كان بيدهم الكتابة عن ما يحدث في المغرب ثقافيا كان لهم توجه مختلف. لكن المليحي كان له دور أساسي في تجربة مدرسة الدار البيضاء. يجب أن مع المليحي جاءت زوجته طوني مارايني ولا أحد ينكر دورها في فترة من فترات تاريخ الفن بالمغرب، هل كان ذلك مهما أم لا لايهم أعتبر شخصيا أن ماقاموا به مهما لأنهم كانوا يحاولون التفكير في شيئ مؤداه هل من الممكن أن نؤسس لفن كوني انطلاقا من المحلي؟ بيرت فلينBert Flint) الذي نتحدث عنه كثيرا لكن لاأحد يعرف أنه كان زميلا وصديقا للمليحي أثناء الدراسة بمدريد حيث كان قد أتى من هولاندا لتحظير إجازة في الأدب الإسباني. ولما عادد المليحي من أمريكا للتدريس بالدا البيضاء استقدم بيرت فلينت الذي كان قد انقلب إلى أنتربولوجي يبحث في الفن القروي المغربي. المليحي كان يفكر في هذا الموضوع بجدية وكان يقول على أنه يجب أن نعود إلى دراسة ما يروج في ذهنية النساء اللواتي يشتغلن على الزربية لأنه كان يعتقد أنه انطلاقا من تصوراتهم يمكن أن ننتج نحن شكلا جديدا وحديثا لهذه التصورات. عندما توقفت التجربة اغتاظ المليحي ويعود بالائمة إلى اليوم على عبد اللطيف اللعبي قائلا أنه كان على اللعبي أن لايجر أنفاس للسياسة وأن يبقيها في مشروعها الثقافي البحث. وكان المليحي يظن،وهنا أنا غير متفق معه، أن السلطة كانت سوف تتركهم لحالهم لو أنهم اهتموا فقط بالثقافة. لاأظن ذلك لأن الحسن الثاني كان قد دخل في مشروع إعادة المغرب إلى التقليد وإنتاج تصورات تقليدية للمجتمع المغربي في كل ماله علاقة بالروح يعني بالإبداع وبالفن وبالموسيقى وعكس ذلك تماما بالنسبة لتحديث البنيات الإنتاحية. لم يكن لا مع تحديث الفكر ولا تحديث الفن لأن ذلك لا يخدم النظام الاستبدادي الذي بدأ في إعادة تأسيسها منذ تولي محمد الخامس لحكومة وإنابة ولي العهد الذي سوف يصبح ملكا سنة أو سنتين بعد ذلك. وأن ?جهاض مشروع أنفاس كان وارد إن بطريقة أو أخرى لأن الصوت الحر والصوت الحداثي كان يزعج النظام. والدليل هو منع الثقافة عشر سنوات بعد أنفاس ومنع الجسور ولاماليف وكلمة، وهذه كلها مجلات حاولت بكثير من الحيطة أن تتحاشى الدخول في مواجهو مع السلطة. لكنها منعت.
o هناك موضوعات تستفزني شخصياً، أذكر من بينها أولاً: لماذا يغيب اسم الفنان التشكيلي ويحضر اسم الكاتب على غلاف الكتب؟ وثانياً توقيع الفنان في آخر رسمه، هو ما يهيجه؟ كأننا نحيل على البصمة التي تميز هذا عن ذاك، في رأيكم كيف نفسر هذا الغياب؟ هل لأن المؤسسة تهمشه، أم أن المسألة تدخل ضمن سياق غيابه عن اللوحة؟
n مسألة عدم ظهور اسم الفنان على غلاف الكتاب، ينبغي أن نميز بين اللوحة، كلوحة، وما بين اللوحة، عندما تنتقل لشيء مطبوع على ورق، وتسمى Reproduction أي نسخ، حيث وضعت على الغلاف، لغرض معين، أي هي التي تثير المقتني حيث أن هناك اتفاق بين الفنان ودرا النشر على أن يسمح الأول للأخيرة بنشر لوحته على الكتاب قصد الترويج التجاري وفي المقابل يمكن أن يتقاضى أجرا كما يمكنه أن يكتفي بكون لوحته تشاع وتشهر من خلال المطبوع وكل ذلك حسب وضعه الاعتباري ومرتبته داخل السوق الفنية أو الرمزية.
في المغرب حدث اتفاق بين اتحاد الكتاب وجمعية االفنانين التشكيليين، بناء على المشروع الذي سمي آنذاك نشرة تحت مسمى الإشارة على أساس تبادل الدعم فيما بينهما. جاءت هذه الشراكة والتي أسس لها «محمد برادة« بصفته رئيسا لاتحاد كتب المغرب ومحمد المليحي بوصفه كاتبا عما لجمعية الفنانين التشكيليين، مرت هذه الفترة بجمياها وقبيحها وسوف تنتهي هذه بعد وصول محمد بنعيسى وانخراطه في حزب التجمع الوطني للأحرار وانخراط المليحي معه في نفس التجربة السياسية ولذا وبسبب المواقف السياسية البحثة توقفت تجربة الإشارة. لكن بالعودة إلى موضوع الغلاف يمكن ان نقاربه فقط من باب الاعتبارات الإشهارية التسويقية للكتاب ولا علاقة لها بالجانب التعبيري للوحة.ومن هنا يكتب اسم الكاتب فقط لأن اللوحة ليست إلا تلفيف للبضاعة التي هي الكتاب. على القاريء إذن إن هو رغب في ذلك البحث عن صاحب الرسم أو الصورة داخل دفة الكتاب.
أما فيما يخص التوقيع على العمل فهو أكثر تعقيدا نظرا لأن لها ارتباط بالعمل الفني في حد ذاته. االتوقيع لم يكن موجودا في العمل التصويري حتى لا أقول الفني، ظاهرة التوقيع برزت مع الحداثة، لأن الفنان أصبح مسؤولا عن عمله ينجزه هو ولا ينجزه شحخص آخر، لأن أعمال ليوناردو دافنشي لم تكن من إنجازه بل من إنجاز العمال الذين يشتغلون عنده في معمله الفني. وهؤلاء العمال مختصون في رسم عدد من الوضعيات، فمنهم من هو متخصص في رسم ذيل الفرس وآخر في الأن والبعض في خصر النساء...وعندما يعتبر العمال أن اعلمل قد انتهى يأتي المعلم الفنان لكي يقول هل انتهى العمل فعلا أم لازالت هناك أشياء تنقصه. أما بالنسبة للفنان الحداثي، انطلاقا من «دولاكروا» أصبح الفنان يتحمل مسئولية عمله ولا يخاف من قول » أنا الموقع أسفله «. ولكن متى يوقع الفنان عمله؟ بعد الإنتهاء منه بالطبع ولذا تصبح العملية معقدة، أي أين سيضع التوقيع؟ لأنه انتهى من بناء العمل هل هناك فسحة حيث يمكن أن يضع توقيعه؟، الفنانة كنزة بنجلون زوجتي مثلا، وهذا أمر أعيشه باستمرار،عندما تنهي العمل تطرح مشكلة التوقيع، لأن أي إضافة يمكن أن تفقد العمل توازنه، لذا فهي تضع التوقيع خلف اللوحة، ونادرا ما توقع العمل في الواجهة لأن التوقيع الذي يأخذ حيزا مهما قد يسيئ للعمل. ليس هذا تواضع من الفنان ولكن لأنه على المستوى البصري وجود توقيع قد يكون مخالفا لحركة وموسيقى اللوحة قد يشوش كثيرا على الإيقاع العام للوحة.
o هل يعني غياب توقيع الفنان أن العمل ليس ملكا له؟ بمعنى أنه سوف يرحل عنه إلى مكان آخر لا علم له به.
n لكن العمل سوف يظهر في اليوم الذي سوف يصبح للفنان قيمة على مستوى السوف الفنية. في تلك الحالة سوف تطرح مسألة التوقيع وإذا لم يكن العمل موقعا فسوف نلجأ للخبرة وعندما يصبح الأمر بيد الخبراء فهم ككل الخبراء ولقد تحدثنا عن هذا الموضوع، يمكنهم أن يتصرفوا حسب مصالحهم فمن الرفع من قسمة عمل رديئ إلى الحط من قيمة أعمال كبيرة. ولكن مسألة التوقيع وحسب ما أعرف والي هو مرتبط أكثر بكبيعة العمل الفني هي صعوبة أين أضع التوقيع.
طُلب من أحد أصدقائي الفنانين أن ينجز عملا ضخما من 40 م2، وهنا كان التوقيع مشكلة كبيرة جدا. لأن العمل كان كبيرا لذا كان من اللازم أن يتناسب التوقيع مع حجم العمل، بينما كان صديقي يوقع أعماله بطريقة عادية أي كأنه يوقع رسالة أو وثيقى إدارية بحجم الكتابة على الورق. فاضطر إلى تجريب توقيعه مرات عديدة على ورق قبل أن ينزله فوق العمل. وغالباً ما نجد أن الفنانين الذينتنقصهم التجربة، يكون أكثر عيوب أعمالهم هي تواقيعهم نفسها إذ غالبا و ما تكون غير متناسبة مع حجم العمل أو توضع في مكان يشوس على توازن العمل. ولقد سألتني عن علاقة الجدبة بالفن وقلت لك أن النقطة التي يضعها الفنان على العمل يمكن أن تكون التوقيع ويمكن أن تكون هي الإشباع المتحقق.
o لقد تحدثتم في أكثر من مناسبة عن مرتزقة الفن التشكيلي بالمغرب، والكيفية التي يتم استدراج الفنان إلى الريع التشكيلي، وهو أمر لا يتعلق بهذا الفن، بل يتعداه، إلى التحف الفنية النادرة في المغرب العميق، هل نحن اليوم أمام ضياع صورتنا؟ أم أن الزمن المغربي: عايز كده، كما يقول الإخوة في مصر؟.
n هناك مسألة يقولها «جيل دولوز» في مقابلة تلفزيونية، يسألونه حسب الحروف الأبجدية الاتينية من الألف إلى الياء. فكان السؤال عن الرداءة فحددها على انها فضاء، موجود على الدوام، لكن هل هناك من يستغل ذلك الفضاء أم لا؟ هناك في بعض الأزمنة، يوجد أناس ليكونوا فيه ويكونون كثر حتى يستطيعون الظهور للعيان ويسيطرون على الساحات والفضاءات العمومية.، و نحن اليوم في زمن الإنتقال من حالة إلى أخرى هذا لا يعني أننا سوف ننتقل إلى الأحسن نحن في حالة انتقال من زمن إلى زمن، ونعيش بعمق أزمة الانتقال. هناك من سيحتج ويقول هل سنبقى دائما في الأزمة؟ هناك شعوب عاشت الأزمة لمدة طويلة وهناك شعوب أخرى ليست بها ازمة وهي نائمة حضاريا وباستمرار. على العكس نحن في المغرب نعيش حركية الأزمة إنما هذه الحركية الموجودة الآن هي بسبب أن القديم يموت، والقادم يبحث له عن مكان. أنت تعرف أنه عندما كان الفكر الذي هو سائر اليوم لأن يصبح قديما، عندما كانت تقام محاضرة ل «كاتب» تجد المدرج ممتلئاً عن آخره، ويمكن ، للمكان أن يستوعب 1200 شخصاً، لكن اليوم، يمكن أن تكون محاضرة مهمة، مع شخص مهم، فيحضر عشرة أشخاص فقط أو العائلة فقط، لكن هناك حالات أساسية، خصوصاً الناس الذين يرددون للجمهور ما يريد، ولا يدفعونه إلى التفكير. وأنا رأيت هذا النوع من الشيوخ الموجودين في المغرب، يمكن أن تحضر جامعة، وتمتليء المدرجات عن آخرها، رغم أنهم يعرفون ماذا سيقول. وهذه هي الرداءة، فكذلك في الفن، جزء كبير، من الفنانين رأوا أن أسماء، لها مكانة مهمة، لها نجاح على مستوى السوق فأصبح هؤلاء الفنانون يستنسخون تجربة هذه الأسماء، ولذا أصبحت سمة الفن هي تكرار الأشياء التي نعرفها. أسماء محترمة ثقافيا واعتباريا لكنها تكرر ما قام به القاسمي أو بلكاهية..على اعتبار أن هذا هو الطريق للسوق.و لا تعيد النظر في عملها. لحسن الحظ سواء كان الأمر في المغرب أو في مصر بما أنك ذكرت مصر هناك فنانون ملتزمون بجودة منجزهم وهناك العامة التي تسترزق بالاشتغال على ما يطلبه السوق. يمكنك أن تسمس هذا ريعا تشكيليا لكن السوق بدأت تبور شيئا وتركز الاهتمام على الفنانين الجيدين وليس على النساخ.
o هناك مسألة ذكرتها وهي كيف يضع الفنان نفسه على الصورة وخصوصا الصورة الإعلامية وأنت تعرف الطرائق المتعددة لبلوغ ذلك. ولكن في نفس الوقت هناك فنانون عاشوا على الهامش. لما ماتوا صعد سهمهم في السوق الفنية. وأذكر هنا مثال عباس الصلادي. ما هو نظرك في هذا الأمر؟
n فيما يتعلق بالعلادي والغرباوي، هم فنانون كانوا إما برغبة منهم، أو لظروف خاصة، كانوا هامشيين، فالصلدي كان يعيش في حي هامشي في مراكش، ومن تم انتقل إلى دراسة الفلسفة في الرباط لكن أصيب بمرض، وجعله دائماً، يكون في حالات لا تسمح له بالتعايش في الأوساط البورجوازية وخصوصا كما تريد البرجوازية أن يكون الفنان؛ البرجوازية تريد أن يكون للفنان جنن لكنه جنون مضبوط. أي أن هناك صورة الفنان المجنون الذي التي ترسخت لدى البرجوازية من الصور النمطية التي أنتجها القرن الثامن عشر وبدايات القرن العشرين باوروبا. وهذا الشيء كان يتقنه «محمد القاسمي» تجده مع اليساريين والبورجوازيين، ويتحدث كلتا اللغتين، وكذلك «بلامين» لكن «بلكاهية» كان يتحدث ويتعامل فقط مع البورجوازيين ولا يخادع أحدا، لكن كان له رأي خاص. لكل من هؤلاء الفنانين طريقته في التعامل مع الإعلام والتواصل، وتوطيد العلاقة بالصحافة والكتاب الذين يتعاطون الصحافة لكي تثنوا على عمله ولكي يصنعوا له الألقاب التي تبقى متداولة على الألسنة من قبيل الفنان الكبير أو المبدع الخلاق...في المقابل لم يكن القاسمي يبخل على هؤلاء الصحافيين بالمعلومات أينما تواجد كان يستعمل الهاتف أو الفاكس ليخبرهم بما يفعل ولهذا كان يتصدر الأخبار...هذه الطريقة جعلت القاسمي يكون رصيدا مهما على المستوى الشعبي لكنه في نفس الوقت يبيع أعماله، التي كانت تروج بشكل جيد، وكان هو يعيش في وضعية مريحة وجيدة... عكس الجيلالي الغرباوي، فهو كان يتعاطى الكحول كثيرا، وكان غالبا ما يحدث له ما كان يحدث للكاتب محمد خير الدين يمكن أن يسكر ويقلب الطولات على الجميه أذا ما تعارض شيئ ما مع مزاجه المتمرد، لذا كان الناس يتحاشونه، ولا يدعونه للحفلات التي يستعملونها غالبا للدعاية الشخصية. أما عباس الصلدي كان أيضا في وضعية صحية يرثى لها، وكانت أعماله تباع بأثمنة رخيصة، لكن الناس ناضلوا لرفع الثمن، إذن هذه المسألة أساسية بالنسبة للفنان، لذا طالبنا ونطالب بوضع قانون، وخصوصاً في المزادات العلنية التي تنظمها دور البيع خصوصا في المدن المغربية الكبرى، على فرض نسبة من ثمن بيع أعمال الفنانين المتوفين والذين لم يستفيذوا قيد حياتهم من السوق الفنية، وتخصيص هذه الحصة لعائلاتهم، لكي تستفيد. إذن مسألة التواجد الإعلامي للفنان مسألة خاصة وشخصية هناك من يتقنها وهناك من لايتقنها ولكن هذا لايعني أن الذي لا نراه اليوم لن يعود إلى الواجهة غدا حتى ولو كان ذلك بعد وفاته. أعطي دائما مثال القاسمي لأنه مدرسة في هذا الباب ولأنني تابعت بطريقة دقيقة مساره منذ سنة 1977، كان متزوجا من أوروبية وهذا يخلق ببيته ومحترفة حالة تهيئ لاستقبال المقبلين على شراء اللوحات، كما يقطن في الهرهورة بجوار عبد الكبير الخطيبي الذي كان يستقبل كبار المفكرين من أرجاء المعمور وكان هو أيضا يهتم بالفن التشكيلي وإذا ألقينا نظرة على الكتاب الذين تحدثوا عن القاسمي فسوف نجد أن عددا منهم كانوا أصدقاء الخطيبي اولا. كان من الممكن أن يكون القاسمي عبقريا دون أن ينتبه إليه أحد ولكن دور المثقف والمفكر كان حاسما في كثير من الأمور بل حتى في تطور فكر القاسمي. هذه الأمور أسوقه للفنانين الشباب لحثهم على التعامل مع الكتاب والمبدعين بصفة عامة لأن بقاءهم يدورون في حلقة الحرفة لوحدها لن يجعلهم يتقدمون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.