أجمع فاعلون في حقل الفن التشكيلي المغربي، على أن ظاهرة الأعمال الفنية المزيفة أصبحت تربك إيقاعات البيع في المزادات العلنية، وتمس في الصميم الملكية الفكرية والحقوق المجاورة للفنانين، وخاصة الراحلين منهم، وبالخصوص: الجيلالي الغرباوي، عباس صلادي، محمد القاسمي، محمد الدريسي، ميلود لبيض، محمد الدواح، الشعبية، العربي بلقاضي.
عبداللطيف الزين، فنان تشكيلي وخبير فني محلف من طرف المحاكم المغربية، يقول في تصريح ل"العربية.نت"، إن هذه الوضعية تعود بالأساس إلى مصداقية الخبراء وغياب شروط الممارسة الحقيقية لمفهوم الخبرة، مستحضرا في هذا السياق، واقعة التشكيك في خبرة الفنان كريم بناني التي أنجزها لفائدة مؤسسة "ميمو آرت"، بخصوص مجموعة من الأعمال الفنية التي أشر على أصالتها قبل عرضها حسبه من طرف هذه المؤسسة في مزاد علني، تبين في ما بعد أنها مزيفة.
وأشار الزين، إلى أن هذه النازلة مازالت معروضة على القضاء المغربي بمحكمة الاستئناف بالرباط، بعد أن صدر بشأنها حكما ابتدائيا أكد فيها على أن هذه اللوحات غير أصلية استنادا إلى خبرة مضادة قام بها هو نفسه، مشيرا إلى أن التزوير لا يطال فقط أعمال الفنانين المغاربة، بل يشمل أيضا فنانين أجانب تتداول أعمالهم بالمغرب، كما هو الحال لبيكاسو الذي سبق وأن أنجز خبرة حول بعض لوحاته، تأكد له أنها مزورة بعد أن عرضها على وريثة هذا الفنان "مايا بيكاسو"، التي عرضت عليه الصورة الشمسية لهذا العمل الأصلي وتبين له تفاوت حجم إطاره مقارنة باللوحة المزيفة.
و اعتبر عبداللطيف الزين، أن الخبرة الفنية وحدها لا تكفي أحيانا، وأن هذه الأخيرة تتطلب من الخبير معرفة أساليب الفنان تبعا لكل مرحلة تاريخية من مساره الفني، و معرفة بتاريخ الفن المغربي والتاريخ العالمي للفن التشكيلي، فيما تستند الخبرة العلمية تبعا له على نتائج المختبرات العلمية التي تمكن من معرفة تاريخ ولادة اللوحة وطبيعة المواد المستعملة من صباغات في تمازجها واختلاطها والفترة التي ينتمي إليها إطار اللوحة والسند المعتمد وتاريخ صناعته (ورق، قماش، جلد، خشب إلخ).
نخر في جسد الإبداع
جامع لوحات، لم يرد ذكر اسمه، أكد في حديث ل"العربية.نت"، على أن إن بروز مثل هذه الظواهر السلبية، التي رافقت انتعاش القطاع، قد يحد من هذه الانتعاشة في أي لحظة وقد يحدث أزمة وتراجعا في سوق التشكيل، مشيرا إلى أن الأعمال التي تتعرض للتزييف هي التي تفوق قيمتها التجارية سقف 600 ألف درهم، وهو ما قد يقود في نظره، نحو فقدان الثقة في أسواق المزادات بالبيع العلني، خاصة تلك التي توجه إليها –حسبه- اتهامات بترويج الأعمال المزيفة.
ويضيف المتحدث، قائلا: "لقد كنت من عشاق اقتناء الأعمال الفنية لرواد التشكيل في المغرب ومؤسسيه، أمثال الغرباوي والشرقاوي والشعيبية، لكن بمجرد ما طالعتنا أخبار التزوير الذي أصبح ينخر جسد الإبداع في المغرب، تراجعت عن الاقتناء واقتصرت على شراء أعمال الفنانين الأحياء الذين ألزمهم بشهادة الأصالة، فلا يمكن حاليا المخاطرة باقتناء أعمال الراحلين التي أصبحت عرضة للسرقة الموصوفة ولكل أشكال الانتحال"، والتي تضر حسبه بالفنان ومقتني اللوحة".
الناقد التشكيلي والكاتب المغربي عبد الرحمان بن حمزة، في تصريح ل"العربية.نت"، اعتبر أن بروز الظواهر السلبية والطفيليات، يظل دائما مرتبطا بانتعاش قطاع معين، ويحدث هذا أيضا تبعا له في بعض البلدان الأوربية، لكن شتان ما بين بلدان تتوفر على ترسانة قانونية وأعراف تجارية وظوابط علمية وفنية، وواقع مغربي يعيش فراغا تشريعيا قاتلا على هذا المستوى يقول بن حمزة، مطالبا وزارة الثقافة في أن تأخذ على عاتقها مبادرة تنظيم هذا الحقل، خاصة بعد أن توسعت -حسبه-قاعدة جامعي اللوحات في صفوف الفئات الوسطى والطبقات البرجوازية، والتي غالبا ما تعتمد تبعا له في عملية الشراء على السماع والتقليد، لأنها تكون غير مسلحة بزاد فني ثقافي، مما يجعل في نظره، مغامراتهم غير محسوبة.
وأوضح بن حمزة، أن تطور سوق اللوحة التشكيلية بالمغرب، لم يصاحبه قانون تنظيمي يحدد آليات اشتغاله، ويقنن العلاقة ما بين الرواق والفنان من جهة ومع الزبون من جهة أخرى، متحدثا عن المعايير المهنية المحددة لمفهوم الرواق، والمسائل المرتبطة بحقوق الفنان والحقوق المجاورة، مشيرا في نفس السياق إلى الغياب شبه التام للمعاجم والكتب الموسوعية الخاصة بالفنانين التي تؤكد القيمة الفنية لأعمالهم بعيدا عن ما وصفه بالمزايدات والمضاربات التكتيكية الواهية، وأن المجموعات الفنية الخاصة والعامة لم تتطور –حسبه- إلا في مطلع الثمانينيات.
وعبر الناقد المغربي، عن أسفه لرواج بعض الأعمال المزيفة في مزادات علنية، متسائلا، هل يتم ذلك من باب التآمر على حقوق الفنانين، أم أن مصدره الجهل، وغياب منظور احترافي في تدبير الحقل يحترم حقوق الفنان، والذي هو معفي من الضريبة، وإلا كان الله في عونه، يقول بن حمزة.
فريد الزاهي من جهته يحمل جانب من المسؤولية في ما آل إليه سوق اللوحة بالمغرب، إلى الفنانين أنفسهم، ففي مؤلف له بعنوان "من نظرة، أخرى"، يقول فيه : "هناك سوق سري للغاية، الفنانون التشكيليون هم محرضوه، اسألوا العديد من الفنانين كيف يبيعون أعمالهم: عموما خارج المعارض والأروقة، بدون عقد وأحيانا بدون الاحتفاظ على نسخة من اللوحة المباعة وبدون تسجيل قائمة مقتني أعماله الفنية، فنانون ك صلادي باع أعماله لأي عابر سبيل بأزمنة بخسة، سوق أسود بكل الألوان". هذه السوق يعتبرها الزاهي، أنها تساهم في تشجيع هذا الخليط الذي يفسح المجال للأعمال المزيفة.
إشارة الكاتب إلى الفنان العصامي الراحل عباس صلادي، فيه إحالة إلى الظروف المؤلمة التي عاشها حين كانت أخته هي من يتكفل بعرض لوحاته على السياح في ساحة جامع الفنا العتيقة بمراكش، وأنه كان يبيع لوحاته بثمن بخس، أعمال تأكدت قيمتها الفنية والمادية بعد رحيله، لتصير بذلك عرضة للتزييف والانتحال من طرف السماسرة المولعين بجمع المال على حساب حقوق الورثة الفعليين للفنانين الراحلين.