اعتمدت حكومة عبد الاله بن كيران منذ مجيئها سياسة تقشف حادة تحت ذريعة الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية للبلاد، غير أن التقشف الحكومي خصوصا على مستوى الاستثمار العمومي الذي يعد المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد في المغرب ، و تقاعس الحكومة عن التدخل في الوقت المناسب لمصاحبة بعض القطاعات الحيوية و إنقاذها من تداعيات الأزمة العالمية ، أثرا سلبا على عدد من الشركات الكبرى التي ظلت لزمن طويل تمثل مفخرة للصناعة الوطنية. وتزامن تنصيب الحكومية الحالية ، مع دخول مجموعة من المقاولات الصناعية في دوامة أزمات مالية متباينة ، تأثرت منها على الخصوص المقاولات الصناعية المرتبطة بشكل وثيق بالأوراش العمومية التي تطلقها الدولة ، ووبرامجها القطاعية، وانعكس تباطؤ الاستثمار العمومي بشكل مباشر أو غير مباشر على قطاعات صناعية هامة فقدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة عشرات الألاف من مناصب الشغل ، كقطاع البناء والأشغال العمومية وقطاع الاسمنت و الصناعات المعدنية و الصناعات الاستخراجية و مجموعة من الصناعات التحويلية، كما وقفت الحكومة موقف المتفرج وهي تشاهد قطاعات صناعية أخرى تتخبط في الأزمة ، كما هو الحال بالنسبة لصناعة التكرير و مصفاتها الوحيدة سامير مثلما تفرجت الحكومة منذ مجيئها على أزمة صناعة البلاستيك بسبب مزاحمة القطاع غير المهيكل.. بالمقابل تسائلنا مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام للبلاد عن دورها في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، حيث تؤكد الأرقام الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن القيمة المضافة للقطاع الصناعي عرفت تباطؤا في وتيرة نموها مستقرة في 1% عوض 3,3% خلال الفصل الاول من السنة الماضية، فالقيمة المضافة للصناعات التحويلية مثلا لم تراوح مكانها حيث سجلت نسبة 1,8% عوض 1,7% ، وكذلك تراجعت مساهمة قطاع البناء والأشغال العمومية لتستقر في 1,3% عوض 2,1%، وفي المنحى ذاته انخفضت القيمة المضافة لأنشطة الصناعة الاستخراجية ب 10,9% عوض ارتفاع قدره 12,3%. . لافارج وهولسيم .. تترنحان تحت وطأة أزمة سوق الاسمنت لم يسبق لشركة "لافارج" المتواجدة بالمغرب منذ 1928 ، والتي مازالت تعد أكبر مصنع للإسمنت في البلاد، أن عرفت أزمة متواصلة كالتي شهدتها خلال السنوات الثلاث الماضية ، بسبب انكماش المبيعات الذي أثر على ماليتها ، وهو ما أكده سعد الصبار، المدير العام لشركة لافارج المغرب، حين تحدث في أخر خروج إعلامي له عن تراجع سوق الإسمنت في المغرب خلال السنوات الثلاث الأخيرة ، وذلك بسبب الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يمر منها قطاع البناء. وأوضح الصبار على هامش تقديم حصيلة لافارج المغرب خلال سنة 2014، أن قطاع الإسمنت سجل انخفاضا في السنة الماضية بنسبة 5.4 في المائة مقارنة مع سنة 2013. ولم يسلم الفاعل الثاني في القطاع من تداعيات هذه الأزمة حيث كشف دومينيك درويت، رئيس مجموعة هولسيم للإسمنت، من جانبه أن مبيعات الإسمنت في المغرب ما فتئت تتدهور للعام الثالث على التوالي وذلك بسبب تراجع ملحوظ في عدد أوراش البناء بالمقارنة مع سنتي 2011 و2012 اللتين عرف فيهما الطلب على الإسمنت ذروته ، حيث لامست المبيعات حينئذ عتبة 17 مليون طن قبل أن تتراجع في العام الماضي إلى نحو 14 مليون طن. وقال درويت، خلال لقاء صحفي عقده مؤخرا ببورصة الدارالبيضاء للكشف عن النتائج المالية لمجموعته، إن مبيعات الإسمنت في المغرب تراجعت بنسبة 5.4 في المائة خلال العام الماضي، نتيجة انكماش القطاع العقاري إذ انخفضت وتيرة إطلاق المشاريع العقارية الجديدة بنسبة 8 في المائة مقارنة مع 2013. وللحفاظ على مستوى رقم معاملات الشركة، لجأت إلى الزيادة في أسعار بيع الإسمنت بنحو 2.5 في المائة. ورغم ذلك انخفضت مبيعات الشركة في السوق المغربية بنحو 2 في المائة، فيما انخفضت مبيعاتها من الخرسانة بنسبة 8 في المائة، ومن مبيعات الزلط بنسبة 27 في المائة. أيقونات الصناعة الوطنية تواجه أزمة خانقة ..والحكومة «خارج التغطية» ؟ ! اعتمدت حكومة عبد الاله بن كيران منذ مجيئها سياسة تقشف حادة تحت ذريعة الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية للبلاد، غير أن التقشف الحكومي خصوصا على مستوى الاستثمار العمومي الذي يعد المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد في المغرب ، و تقاعس الحكومة عن التدخل في الوقت المناسب لمصاحبة بعض القطاعات الحيوية و إنقاذها من تداعيات الأزمة العالمية ، أثرا سلبا على عدد من الشركات الكبرى التي ظلت لزمن طويل تمثل مفخرة للصناعة الوطنية. وتزامن تنصيب الحكومية الحالية ، مع دخول مجموعة من المقاولات الصناعية في دوامة أزمات مالية متباينة ، تأثرت منها على الخصوص المقاولات الصناعية المرتبطة بشكل وثيق بالأوراش العمومية التي تطلقها الدولة ، وبرامجها القطاعية، وانعكس تباطؤ الاستثمار العمومي بشكل مباشر أو غير مباشر على قطاعات صناعية هامة فقدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة عشرات الألاف من مناصب الشغل ، كقطاع البناء والأشغال العمومية وقطاع الاسمنت و الصناعات المعدنية و الصناعات الاستخراجية والبيتروكيماوية و مجموعة من الصناعات التحويلية، كما وقفت الحكومة موقف المتفرج وهي تشاهد قطاعات صناعية أخرى تتخبط في الأزمة ، كما هو الحال بالنسبة لصناعة التكرير و مصفاتها الوحيدة سامير مثلما تفرجت الحكومة منذ مجيئها على أزمة صناعة البلاستيك بسبب مزاحمة القطاع غير المهيكل.. بالمقابل تسائلنا مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الداخلي الخام للبلاد عن دورها في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، حيث تؤكد الأرقام الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن القيمة المضافة للقطاع الصناعي عرفت تباطؤا في وتيرة نموها مستقرة في 1% عوض 3,3% خلال الفصل الاول من السنة الماضية، فالقيمة المضافة للصناعات التحويلية مثلا لم تراوح مكانها حيث سجلت نسبة 1,8% عوض 1,7% ، وكذلك تراجعت مساهمة قطاع البناء والأشغال العمومية لتستقر في 1,3% عوض 2,1%، وفي المنحى ذاته انخفضت القيمة المضافة لأنشطة الصناعة الاستخراجية ب 10,9% عوض ارتفاع قدره 12,3%. . وأوضح درويت أن انخفاض مبيعات الإسمنت، كان له انعكاس سلبي على النتائج المالية لمجموعة هولسيم المغرب في 2014، غير أن الشركة تمكنت عبر تصدير الكلينكر (الاسمنت نصف المصنع) إلى إفريقيا، والزيادة في أسعارها بالمغرب، من التخفيف من وطأة انكماش السوق الوطني للإسمنت. وكشف مسؤولو مجموعة «هولسيم المغرب» أن انكماش المبيعات والانخفاضات في السوق الوطنية لم يمنع المجموعة من البحث عن منافذ أخرى لتعويض هذا النقض، حيث تمكنت الشركة من تعديل الكفة لصالحها عبر التصدير إلى موريتانيا والسنغال وساحل العاج وسيراليون. وأشار درويت إلى أن مبيعات الشركة من الكلينكر في إفريقيا تضاعفت ست مرات بين 2013 و2014، وبذلك تمكنت الشركة من زيادة رقم معاملاتها بنسبة 6 في المائة ليبلغ 3.3 ملايير درهم في نهاية 2014. من جهة أخرى عبر رئيس هولسيم المغرب عن قلقه من الوضعية المالية المتأزمة التي يعرفها عدد من المنعشين العقاريين الكبار الذين يعدون من أبرز زبناء المجموعة- في إشارة إلى أليانس والضحى والسعادة والشركة العقارية العامة، وهو ما ينبئ باستمرار انكماش سوق الإسمنت في المغرب، وتوقع درويت انخفاض مبيعات الإسمنت في المغرب بنسبة 2 في المائة خلال العام الحالي. «مناجم».. أكبر شركة تعدين في المغرب تعيش ظرفية عصيبة لم يسلم قطاع الاستخراج المعدني بالمغرب خلال السنوات الثلاث الماضية من تداعيات الأزمة ، بسبب تأثير الأسواق الخارجية ، ومن أيرز المقاولات التي تأثرت سلبا بهذه الظرفية الصعبة شركة «مناجم» التي تعد أكبر شركة تعدين خاصة بالمغرب والمتواجدة به منذ 1930 ، حيث عاشت هذا العام وضعا سيئا بعدما سجلت أرباحها الصافية تراجعا حادا يقدر بحوالي 54.3%، حيث تقلصت بحوالي 184.8 مليون درهم نهاية السنة المالية 2014 لتستقر في حدود 220 مليون درهم بدل 405 ملايين درهم المسجلة في عام 2013. وعزت «مناجم» سبب تقلص أرباحها الى الانخفاض الذي شهدته أسعار المعادن في الأسواق الدولية طوال العام الماضي، خاصة أسعار الفضة التي نزلت بحوالي 22 في المائة كما نزلت أسعار الفليورين ب 17 في المائة، فيما تقلصت أسعار كل من الذهب والنحاس بحوالي 6 في المائة، وهو ما كان له وقع سلبي على قيمة الأرباح . ومع ذلك فقد تحسنت بشكل طفيف إيرادات الشركة بنسبة 2% بفضل ارتفاع إنتاج النحاس (+ 70%) والزنك (+ 11%)، وذلك في سياق انطلاق الانتاج بمنجم أم الجران والارتفاع القوي للإنتاج بمنجمي «جبل العسل» و»ذراع أصفر.» وتأثرت أرباح مناجم بشكل خاص بالانخفاض القوي لفرعها الشركة المعدنية إيمضر المتخصصة في إنتاج الفضة التي تملك مناجم 80 في المائة من رأسمالها. وانخفضت أرباح إيمضر بنحو 260 مليون درهم (51 في المائة)، وهبطت مبيعاتها بنحو 150 مليون درهم (13 في المائة) خلال 2014 مقارنة مع 2013، وذلك نتيجة هبوط أسعار الفضة بنسبة 22 في المائة في السوق الدولية وانخفاض درجة تركز الفضة في منجم إميضر جنوبورزازات. كما نزل سعر سهم الشركة بنحو 12 في المائة في ظرف عام، ما أثر سلبا على سهم الشركة الأم مناجم التي هوى سهمها بحوالي 37 في المائة خلال العام الماضي . و مع بداية 2015 تغير توجه أسعار المعادن في السوق الدولي نحو الارتفاع، مما عوض شركة مناجم ما تكبدته في السنة الماضية. صناعة البلاستيك بالمغرب تعاني من هيمنة القطاع غير المهيكل قال بلال بنعمور، الرئيس المدير العام لشركة «البلاستيك»، التي تعد أبرز فاعل وطني في القطاع منذ الخمسينيات من القرن الماضي، إن صناعة البلاستيك في المغرب التي توفر أزيد من 45 ألف منصب شغل مباشر ، ما زالت تعاني من هيمنة القطاع غير المهيكل الذي تجد الدولة صعوبة في محاربته. وكشف بنعمور في حديث ل « الاتحاد الاشتراكي « أن منتوجات القطاع غير المهيكل لا تشكل خطرا على المقاولات المهيكلة فحسب بل على الصحة العمومية بالدرجة الأولى ، خصوصا وأن العديد من المنتوجات البلاستيكية التي تغرق الأسواق الوطنية مصنوعة من مواد و ملونات بلاستيكية غير مراقبة صحيا. وتحدث بلال بنعمور بشغف عن مهنة صناعة البلاستيك بالمغرب والتي استطاعت مقاولته العائلية «البلاستيك»، على مدى حوالي 60 عاما أن تترك فيها بصمات واضحة، معتبرا أن ملايين الصناديق البلاستيكية التي صنعتها الشركة لفائدة كبريات الشركات الوطنية من قبيل كوكا كولا و دانون وصاديق الحليب شكلت وما زالت جزءا حميميا من حياة المغاربة طوال عقود من الزمن . وعلى الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها الحكومة الحالية منذ مجيئها بخصوص محاربة القطاع غير المهيكل إلا أنها لم تنجز على أرض الواقع ما يؤكد صحة نواياها إذ ما زالت الظاهرة تتفشى في بعض القطاعات ، كما هو الحال في قطاع البلاستيك، لتنتشر أكثر مما كانت في السابق . الحكومة ظلت لشهور تتفرج من بعيد على أزمة «سامير» وكأن الأمر لايعنيها ! على الرغم من أن أزمة شركة سامير كانت بادية للعيان منذ عدة أشهر ، ورغم التحذيرات وأجراس الإنذار التي ظلت الصحافة الوطنية تدقها بخصوص هذه المقاولة الفريدة التي ترهن قطاع المحروقات في البلاد، إلا أن الحكومة ظلت تتفرج من بعيد و كأن الأمر لا يعنيها إلى أن وصلت الشركة إلى حافة الهاوية بعدما أوقفت تشغيل مصفاتها منذ أزيد من أسبوع.. وقد أكد مصدر للاتحاد الاشتراكي أن السبب الرئيسي للمشاكل التي تتخبط فيها سامير هو الانخفاض القوي والمفاجئ لأسعار النفط خلال سنة 2014. ويقول المصدر «وجدت الشركة تحت يدها مخزونا هائلا من النفط الخام الذي اشترته بأسعار باهظة، وبالإضافة إلى كميات كبيرة سبق أن تعاقدت بشأنها في السوق الآجلة قبل انخفاض الأسعار. وبالتالي اضطرتها تقلبات السوق إلى البيع بالخسارة». وفوق ذلك، يضيف المصدر، عرفت السوق المغربية للمواد النفطية شبه إغراق مع تهافت الشركات الكبرى على الاستيراد، مستغلة انخفاض الأسعار الدولية بسبب انخفاض سعر الختم من جهة، وبسبب تراجع الاستهلاك في الأسواق الرئيسية، خاصة أوربا، بسبب الأزمة الاقتصادية، من جهة ثانية. وفي هذا السياق عرفت شركة سامير تقلصا كبيرا في مبيعاتها نتيجة منافسة الواردات، والتي أدت مع خسارة القيمة التي تعرض لها المخزون إلى تكبد الشركة لخسارة جافة تجاوزت 3.4 مليار درهم في 2014. لم تكن سامير الصناعة الوحيدة التي تضررت من تداعيات الأزمة العالمية، فالصناعة الوطنية للصلب والحديد بدورها، والتي لا تقل أهميتها الاستراتيجية عن صناعة التكرير، عانت من المنافسة غير النزيهة للواردات الرخيصة القادمة من جنوب أوروبا، خاصة من إسبانيا والبرتغال، والتي أدت إلى إغلاق إحدى الشركات السبع الوطنية الكبرى في هذا القطاع وتخبط باقي الشركات في مشاكل مالية لا تنتهي. والمثير للأسف والحنق في كل ذلك، موقف المتفرج الذي ارتكنت إليه الحكومة. ففي الوقت الذي تتخذ فيه حكومات العالم إجراءات متشددة لمكافحة الإغراق التجاري لأسواقها وحماية نسيجها الصناعي من التخريب في ومن الأزمة، تعيش بلدنا نوعا من التسيب وأسواقها مفتوحة لكل من هب ودب دون حسيب ولا رقيب. في حالة سامير، كما هو الشأن بالنسبة لصناعة الصلب والحديد، ترك الحبل على الغارب في مجال الاستيراد يعتبر خطأ استراتيجيا. فقصة استيراد المواد النفطية بدأت كإجراء استثنائي عندما تعرضت مصفاة سامير للحريق في 2002، وذلك بهدف سد الخصاص في تزويد السوق في انتظار التعافي الكامل للشركة، لكن الإجراء الاستثنائي أصبح قاعدة مع مرور الزمن. وأصبحت الشركات المستوردة تتوفر على مخازن ضخمة للمنتجات النفطية في موانئ الجرف الأصفر وطنجة والعيون، والتي تمتلئ عندما تنخفض الأثمان وتفرغ عندما ترتفع. صناعة الصلب في خطر وشركات القطاع خارج حماية الحكومة.. تزامن مجئ الحكومة الحالية مع أزمة خانقة ضربت القطاع الوطني لصناعة الصلب والحديد الذي خسر 600 منصب شغل منذ 2011، وفقد إحدى شركاته الأساسية السبعة خلال هذه الفترة، والتي اضطرت إلى وقف نشاطها بسبب إغراق السوق، حسب تقرير للجمعية المغربية لصناعة الصلب. وأعلنت الشركة المغربية للصلب والحديد سوناسيد ترقب انخفاض ملموس في نتائجها للنصف الأول من العام الحالي بسبب الانخفاض القوي لأسعار البيع، والتي نزلت بنسبة 12 في المائة خلال النصف الأول من العام حسب تقديرات الشركة. واليوم يدق هذا القطاع الصناعي ناقوس الخطر مرة أخرى محذرا من موت محقق مع بداية العام المقبل إذا لم تبادر الحكومة إلى اتخاذ أي إجراء لحمايته، والتي تزامنت فترة الأزمة الرهيبة للقطاع مع فترة ولايتها. الأزمة التي يعيشها هذا القطاع الذي يكتسي أهمية استراتيجية باعتباره إحدى الركائز الأساسية للصناعة الوطنية، جاءت نتيجة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، إذ أدى الكساد الذي ضرب أوروبا إلى انخفاض مهول في استهلاكها لمنتجات الحديد والصلب، وبالتالي البحث عن منافذ خارج القارة العجوز لتصدير الفائض المتراكم من المنتجات من أجل ضمان استمرار نشاط مصانعها. وفي هذا السياق برز المغرب، بحكم القرب من أوروبا وبحكم اتفاقية التبادل الحر، كهدف سهل، خاصة بالنسبة للصناعة الصلب الإسبانية والبرتغالية التي تعاني أزمة خانقة في بلدها. وخلال هذه الفترة عرفت السوق المغربية لمنتجات صناعة الصلب والحديد إغراقا حقيقيا، إذ ارتفعت واردات من قضبان الحديدية المستعملة في البناء والخرسانة بنسبة 315 في المائة بين 2011 و2014، وارتفعت واردات الأسلاك الحديدية المستخدمة في تصنيع المسامير والشبابيك الحديدة بنسبة 127 في المائة خلال نفس الفترة. وفي المقابل كانت تكبدت الصناعة الوطنية لهذه المنتجات خسائر فادحة حيث نزل الانتاج الوطني للأسلاك الحديدية بنسبة 57 في المائة ونزل إنتاج القضبان المستعملة في البناء بنسبة 24 في المائة ، ونزل حجم مبيعات الصناعة الوطنية من هذه المواد بنسب مماثلة. وفي هذا السياق تضاعفت حصة الواردات في الاستهلاك الوطني لمنتجات الصلب والحديد أضعافا مضاعفة فيما انكمشت حصة الصناعة الوطنية بشكل مقلق. وما كان لهذا الاكتساح من طرف الواردات أن يكون لولا سياسة الإغراق التي اعتمدها المصدرون الأوروبيون الذين عرضوا بيع منتجاتهم بخسارة. والسبب تكدس المنتجات في مخازن المصانع الأوروبية بسبب الأزمة التي تجتازها بلدانهم. وقدر الإتحاد الأوروبي فائض إنتاج صناعات الصلب الأوروبية الذي لا يجد له طريقا إلى السوق بنحو 500 ألف طن في السنة في المتوسط خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وأوصى بالبحث عن منافذ خارجية لتسويق هذا المنتوج بأي ثمن. ومما زاد الطين بلة دخول الصين الشعبية على الخط وتصديرها لمنتجات الصلب والحديد بأثمنة قاتلة. وطالبت الصناعة الوطنية باتخاذ إجراءات حمائية قبل أربعة أعوام محذرة الحكومة من مغبة ترك الحبل على الغارب في هذا المجال. وبالفعل استجابت الحكومة وأطلقت تحقيقا من أجل إثبات وجود إغراق في 2012. غير أن المرسوم المتعلق باتخاذ تدابير الحماية لم يصدر إلى في مارس 2014. والمثير في الموضوع أن القرار النهائي للحكومة جاء متراجعا عن الاتفاق الذي توصلت إليه مع ممثلي القطاع. فبدل أن تغطي التدابير المتخذة فترة أربعة أعوام فاجأت الحكومة القطاع باعتماد الإجراءات على عامين فقط. السبب في هذا التراجع حسب المتتبعين هو خضوع الحكومة لضغوط الإتحاد الأوروبي، من جهة، والشركات المغربية المستوردة المستفيدة من الأسعار المنخفضة جدا التي تعرض بها اسبانيا والبرتغال منتجاتها وعددها 20 شركة مغربية. أما عن الإجراءات المتخذة في حد ذاتها فانحصرت في فرض رسم إضافي بقيمة 0.55 درهم للكيلوجرام المستورد من أسلاك وقضبان الحديد، علما أن هذه الواردات لا تخضم لأية رسوم جمركية حين تكون من مصدر أوروبي أو عربي تنفيذا لاتفاقيات التبادل الحر. كما تضمنت الإجراءات السماح للشركات العشرين المستوردة باستيراد 66 ألف طن من قضبان البناء و110ألف طن من الأسلاك بدون أداء هذا الرسم، وعللت الحكومة هذا الإجراء بكون هذه الشركات تستعمل القضبان والأسلاك المستوردة كمادة أولية لإنتاج المسامير والشبابيك الحديدية. ومع بداية السنة الحالية رفعت الحكومة السقف المعفي من الرسم بنسبة 10 في المائة. ويطرح هذا الإجراء أسئلة ثقيلة، خصوصا وأن المنتجات التي توفرها الصناعة الوطنية مثيلة تماما للمنتجات المستوردة، سواء من حيث الخصائص الكيماوية والفيزيائية، أو من حيث الأشكال والأصناف والأحجام. والسؤال الكبير هو من المستفيد حقيقة من هذه الهدية، المستوردون المغاربة أم ممونيهم الأوروبيين الذين يبحثون عن منافذ لبضاعتهم الكاسدة بأثمان أقل من كلفة الإنتاج، والتي زاد من حدة انخفاضها بالنسبة للسوق المغربية انخفاض سعر العملة الأوروبية. ومع اقتراب أجل انتهاء العمل بهذه الإجراءات الترقيعية في 31 دجنبر 2015 يشد قطاع صناعة الصلب الوطني أنفاسها وهو ينظر إلى اقتراب أجله إذا لم يتم فعل أي شيئ من أجل إنقاذه. وسبق للجمعية المهنية لصناعة الصلب المغربية أن رفعت رسالة إلى الحكومة في أبريل الماضي تطالبها بفتح تحقيق مستقل حول استمرار مشاكل إغراق السوق وحجم المخاطر الحقيقية التي تواجه القطاع، مطالبة بإعادة النظر في إجراءات الحماية المتخذة وتمديد فترتها إلى أربعة سنوات. وعززت الجمعية مطالبها بتقديم مخطط لإعادة هيكلة القطاع من أجل تقويته والرفع من تنافسيته، والذي تضمن مجموعة من التدابير على مستوى كل شركة على حدة بالإضافة إلى تدابير مشتركة على صعيد القطاع. وبعد زهاء خمسة أشهر من إيداع هذا الطلب تململت الحكومة لتعلن بداية هذا الشهر أنها قررت إطلاق دراسة جديدة حول مشاكل القطاع. والسؤال هل ستأخذ الدراسة نفس الفترة التي استمرتها دراسة 2012، وبالتالي لن يصدر المرسوم المتعلقة بالتدابير الجديدة لحماية القطاع إلا في 2017؟ وهل ستصمد الحكومة أمام ضغوط الصناعات الأوروبية؟ أم أنها ستفضل التسويف والانتظار علما بأن وضع القطاع لم يعد يحتمل. وللإشارة فالعديد من البلدان، وعلى رأسها تركيا ومصر وروسيا والولاياتالمتحدة واستراليا، اتخذت تدابير حمائية للدفاع عن صناعاتها الوطنية للصلب والحديد في السنوات الأخيرة، ما يرشح المغرب إذا لم يحتذي بها إلى أن يصبح مكبا لأطنان القضبان والأسلاك ذات المصدر الأوروبي والصيني، والتي ستكون معروضة للبيع بثمن الشحن فقط في طل استمرار الكساد والأزمة. الإغراق التجاري يهدد الشركة الوطنية للبتروكيماويات SNEP الواردات الأوروبية من المنتجات المنافسة ارتفعت 444 في المائة يتواصل نزيف الشركة الوطنية للبتروكيماويات (سنيب) في انتظار انتهاء التحقيق الذي أطلقته الحكومة حول مزاعم الشركة بكونها ضحية للمنافسة غير النزيهة من طرف الواردات القادمة بأثمنة بخسة من أوروبا والمكسيك. وأعلنت الشركة التابعة لمجموعة ميلود الشعبي أنها تتوقع نتيجة سلبية (خسارة) خلال النصف الأول من العام الحالي بعد انخفاض حاد في أرباحها الصافية لسنة 2014 بنسبة 47 في المائة. ونتيجة لإغراق السوق المغربية بمنتجات مستوردة من إسبانيا والبرتغال وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والمكسيك والولاياتالمتحدة بأسعار تقل بنحو 30 إلى 50 في المائة من الأسعار العادية عند الخروج من مصانع هذه الدول، تعطل البرنامج الاستثماري لشركة سنيب، والذي يهدف إلى مضاعفة قدراتها الانتاجية استعدادا لولوج أسواق إفريقية، في منتصف الطريق. بدأت مشاكل الشركة في 2012 مع إغراق السوق بمنتوجات بلاستيكية قادمة من الولاياتالمتحدة بأسعار منخفضة بشكل غير عادي. وعلى إثر ذلك توجهت الشركة في 6 يونيو 2012 بطلب إلى الحكومة من أجل اتخاذ تدابير ضد الإغراق في وجه المنتجات الأمريكية طبقا لمقتضيات الاتفاقية الخاصة بمكافحة الإغراق مع منظمة التجارة العالمية، في 24 يوليوز من نفس السنة انطلق البحث والتحقيق في مزاعم الشركة وفعلا تم اتخاذ إجراءات في هذا الاتجاه في 26 دجنبر 2013، وتمتد هذه الإجراءات على خمس سنوات. غير أن مشاكل الشركة لم تنتهي، إذ سرعان ما برز خطر آخر والمتمثل في إغراق السوق مرة أخرى بالمنتجات القادمة من أوروبا والمكسيك، والتي تستوردها 18 شركة مغربية بأثمان غير قابلة للمنافسة. وفي 2014 طالبت الشركة باعتماد إجراءات جديدة للحماية من الإغراق، خصوصا وأن الواردات القادمة من أوروبا من هذه المنتجات ارتفعت بنسبة 444 في المائة في 2014 مقارنة مع 2012، وأصبحت أوروبا المزود الأول للمغرب بحصة 94 في المائة من الواردات في 2014 بعد أن كانت حصتها لا تتجاوز 18 في المائة في 2012. ولم تتحرك الحكومة من أجل فتح تحقيق حول مزاعم الشركة إلا في يوليوز الماضي، وسيكون على الشركة أن تتحمل عدة أسابيع إن لم تكن شهور أخرى قبل أن تظهر نتائج التحقيق وتتكرم الحكومة باتخاذ إجراءات لحماية الصناعة الوطنية التي ينخرها الإغراق التجاري والمنافسة غير النزيهة.