ضمن هذا المزيج الثقافي الفريد تتميز الجالية المغربية بديناميتها وتعبر عن قدرات مثالية في الاندماج. فهذه الجالية متواجدة بقوة في المؤسسات التمثيلية سواء الفيدرالية أو الجهوية وداخل الحكومات الاقليمية والمجالس البلدية وفي عالم الأعمال والأوساط الجامعية، حيث يمثل مغاربة بلجيكا نموذجا اندماجيا رائعا ومتميزا. بما لا يقل عن مائة متحف وستين مركزا ثقافيا لا تعد بروكسيل فقط مركزا للمؤسسات الأوربية ولحلف شمال الأطلسي لكن أيضا مدينة الفكر والثقافة، وموئل العديد من الكتاب والشعراء والفنانين. ففي هذه المدينة عاش لفترة اثنان من كبار الشعراء الفرنسيين هما رامبو وفيرلين، والرسام روني ماغريت ولاحقا المغني جاك بريل والذي تحتضن العاصمة البلجيكية مؤسسة تحمل اسمه ومعرضا دائما لإبداعاته. وتتنوع متاحف بروكسيل ملامسة مختلف أنواع الفنون والحرف والمنتجات والابتكارات التي وسمت تاريخ البشرية من الكاكاو والشوكلاتة الى السيارات، والملابس وأنظمة الصرف الصحي مرورا بالرسوم المتحركة والفنون الجميلة مقدمة بذلك من خلال معارض متنوعة نماذج لشتى الإبداعات والابتكارات سواء البلجيكية او الاجنبية وحتى الغرائبية منها. ويعكس ذلك التأثير الثقافي الأجنبي متعدد الأوجه في المدينة والذي يعد أحد أوجه ثرائها وتنوعها. ومثلت الهجرة، الموضوع الراهن الذي ما يزال يشكل مصدر انشغال عالمي بفعل الابعاد المأساوية التي ينحوها، فرصة ثمينة لبروكسيل، إذ ساهمت وما تزال في ثرائها متعدد الابعاد، فمن النادر في شوارع المدينة ألا يصادف المرء في طريقه مغاربة وكونغوليين وأتراكا أو باكستانيين وسوريين. وضمن هذا المزيج الثقافي الفريد تتميز الجالية المغربية بديناميتها وتعبر عن قدرات مثالية في الاندماج. فهذه الجالية متواجدة بقوة في المؤسسات التمثيلية سواء الفيدرالية أو الجهوية وداخل الحكومات الاقليمية والمجالس البلدية وفي عالم الأعمال والأوساط الجامعية، حيث يمثل مغاربة بلجيكا نموذجا اندماجيا رائعا ومتميزا. ويعتبر طه عدنان الكاتب والشاعر المغربي المقيم في بركسيل منذ أكثر من 20 سنة أن مساهمة الهجرة المغربية متميزة بشكل بالغ ضمن الصيرورية الثقافية المتنوعة لبروكسل. ويقول »بروكسيل ليست فقط مجرد ديكور لهذه الحركية الغنية بل فضاء أنتمي اليه. ففضاء بروكسيل مجموعة عناصر متنوعة ومختلفة .. فضاء يمكن الجميع من العثور على ضالته وتحرير طاقاته واستلهام أفكاره«. وأضاف ان هذا الفضاء »يمكن الجميع من بناء فسحة الحرية والإبداع الخاصة به وصيانتها في إطار الاستقلالية والاحترام بعيدا عن نماذج الاندماج المفروضة. وهذا أمر طبيعي أن نحاول المساهمة في بناء روابط اجتماعية بين مختلف الطوائف في عاصمتنا«. وبخصوص الجالية المغربية يؤكد عدنان بصراحة أنه بعد نصف قرن من التواجد النشط والفعال في بلجيكا تعتبر هذه الجالية حاليا واحدة من أكبر الجاليات دينامية وفعالية في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، بفعل مساهمتها الفعالة وغناها وقيمتهما المضافة داخل المجتمع وقدراتها الهائلة على الاندماج والانصهار في بيئة مختلفة. ويضيف هذا الكاتب الذي أشرف على تنسيق المؤلف الجماعي »بروكسيل المغربية« الصادر في يناير الماضي عن دار نشر (لوفنك) في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذه الحركية الثقافية والفنية الغنية ساهمت من جهة أخرى في إبراز الحضور الثقافي والفني المغربي في بروكسيل والعالم. ويضيف إن الامر يتعلق بحضور يسير في منحى إحداث فضاء للتلاقي والتشارك الثقافي والفني وإبراز المكنونات الثقافية لكل طرف وبالخصوص العمل على فهم أفضل للآخر، ويعد ذلك نموذجا فعالا للتبادل الثقافي الذي يتكرر ويتفاعل كل لحظة وحين في هذه العاصمة الأوربية. وانعكس تأثير الهجرة على بروكسيل بمرور السنين أيضا على السلوكيات اليومية والعادات وكذلك التقاليد الغذائية. فأصبح سكان بروكسيل أكثر ميلا للقاء الآخرين والرقص على إيقاعات موسيقى التنوع سواء خلال الحفلات العمومية او حتى الخاصة وأيضا الاقبال على الأطباق الأجنبية، حيث لم يعد غريبا تذوق أطباق من قبيل بسطيلة بالسمك أو اللحم المشوي والكباب الشرقي أو كباب دوروم التركي أو الميزي اليوناني في مطاعم المدينة. وبلغة المال تعتبر مساهمة الهجرة حاسمة في الاقتصاد البلجيكي فقد أظهرت احصائيات حديثة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن المهاجر المتوسط يساهم سنويا ب3500 اورو كضرائب ومساهمات مالية في مالية الدولة اي ما يمثل 1 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وتضيف الدراسة أنه بالمقارنة مع باقي بلدان المنظمة فإن هذا الرقم يجعل من بلجيكا أحد بلدان الاستقبال حيث عمل المهاجرين يساهم بشكل أفضل في تغذية خزائن الدولة. وفي العام 2014 احتفلت بلجيكا بذكرى خمسين سنة على الهجرة المغربية اليها. وقد ساهمت نقاشات عمومية وتظاهرات فنية ورصد وتحليل صحافي في وسائل الاعلام البلجيكية في إبراز هذا الحدث والإشادة بدور ومكانة الجالية المغربية كما كانت مناسبة لتصحيح عدد من الافكار النمطية التي التصقت بصورة هؤلاء الذين يعملون بالتزام مواطن، وجدية تثير الاعجاب والاحترام داخل المجتمع البلجيكي الذي أصبح اليوم بفعل تلك المساهمة أكثر تنوعا وتسامحا ومتعدد الثقافات.