يعد مركز «داركم» الذي دشنه ببروكسيل نهاية الاسبوع الماضي كل من محمد عامر الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج ووزير الثقافة بنسالم حمّيش من جهة، ووزيرة الثقافة Joke Schauvlieg الفلمنكية ووزير تكافؤ الفرص Pascal Smet . جزءا لا يتجزأ من مخطط استراتيجي شامل وغير مسبوق أعدته الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج، اسمه «دار المغرب»، حيث تبلغ تكلفته الاجمالية حوالي 790 مليون درهم وهو يقضي بإنشاء مجموعة من المراكز الثقافية في أبرز الدول التي تعرف حضورا مكثفا للجالية المغربية، حيث سيتم قريبا افتتاح مراكز ثقاقية مغربية مشابهة بكل من مونتريال وأمستردام وطرابلس وتونس .. ومن المتوقع أن تشكل هذه المراكز قطيعة تامة مع تدبير الشأن الثقافي للجاليات المغربية الذي كان سائدا في السابق، وخلافا لداركم المغربية الفلامانية، فإن المراكز الأخرى التي يتضمنها هذا المخطط الشمولي ستكون مغربية مائة بالمائة و ستساهم في نقلة نوعية للاشعاع الثقافي المغربي دوليا. بافتتاح دار مشتركة للثقافة بين المغرب والحكومة الفلامانية بقلب العاصمة البلجيكية بروكسيل يوم الجمعة الماضي، يكون حلم العديد من المغاربة والفلامانيين قد تحقق على الأرض بعدما ظل يراودهم منذ سنة 2003 ، تاريخ انبثاق فكرة المشروع لأول مرة، ورغم أن مجهودات كبيرة بذلت في هذا الاتجاه على عهد الوزيرة السابقة في شِؤون الجالية نزهة الشقروني ووزير الثقافة والشباب والرياضة الفلاماني بيرت أنسيو.. فإنه كان لابد من انتظار دفعة قوية وإرادة سياسية واضحة لتجسيد هذا الطموح على أرض الواقع. الدفعة القوية هذه جاءت من الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج والتي أدخلت هذا المشروع في إطار مخطط استراتيجي متكامل يهدف الى إنشاء مجموعة من المراكز الثقافية المغربية بالعواصم الأجنبية التي تشهد تمركزا كبيرا للجالية المغربية لجعلها قواعد تساعد في الوقت ذاته على تيسير عملية الاندماج لأبناء هذه الجالية وعلى الاشعاع الثقافي المغربي في الخارج ، وتتمتع هذه المراكز بما يكفي من المرونة في برمجتها الثقافية وفي تدبيرها المالي على حد سواء بما يساعدها بشكل عام على التأقلم بسهولة مع معطيات بلدان الاستقبال . ويتضمن هذا المخطط نوعين من المراكز الثقافية، بعضها يتوفر على بنية تقليدية على غرار المعاهد الثقافية الفرنسية أو البريطانية، حيث يتمتع الموظفون والعاملون داخل هذه المنشآت بصفة اعتبارية دبلوماسية، بينما تقتضي خصوصية بعض الجاليات المغربية نوعا آخر متميزا من هذه المراكز الثقافية، حيث يتم إنشاؤها بتعاون و شراكة مع البلد المضيف، وهو النموذج الذي تم اختياره لمركز بروكسيل «داركم» الذي دشنه نهاية الأسبوع الماضي كل من محمد عامر الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج ووزير الثقافة بنسالم حمّيش من جهة، ووزيرة الثقافة Joke Schauvlieg الفلمنكية ووزير تكافؤ الفرص Pascal Smet . وفي هذا السياق قال عامر إن الخصوصية التي تطبع الجالية المغربية ببلجيكا والعلاقات الغنية التي تمكنت من نسجها مع المجتمع الفلاماني هي التي أملت تشجيع مشروع ثقافي مشترك من قبيل مركز «داركم» الذي بقدر ماهو مؤسسة لتقوية التبادل الثقافي بين الجاليتين، هو كذلك وسيلة للاندماج للمواطنين من أصول مغربية في المجتمع البلجيكي بشكل أفضل والدفع بسبل التلاقح والتفاهم بين المغاربة والفلامانيين. ولا يخلو كلام محمد عامر من الدلالة حين نعلم أن الهدف من إنشاء هذا المركز هو رفع مستوى الوعي سواء لدى الجالية المغربية أو لدى البلجيكيين أنفسهم بثراء وتنوع الثقافة المغربية. من خلال تنوع العرض الثقافي الذي سيقدمه مركز «داركم»، تنوع من شأنه أن يصحح نوعا ما الصورة السائدة في بلجيكا وفي مجموعة من البلدان الغربية ، والتي تحصر التواجد الثقافي للمغرب في الشق الديني وحده . من جهته صرح لنا وزير الثقافة بنسالم حميش بأن هذا المركز الثقافي الذي تمت تهيئته بغلاف مالي يقدر ب25 .3 مليون أورو بمساهمة مغربية تناهز مليون أورو، سيفتح فرصة لتشغيل العشرات من الشباب المغاربة من خريجي المعاهد العليا للثقافة الذين سيعهد لهم بتنشيط البرامج الثقافية داخل هذا المركز بصفة منتظمة. وحول مدى شفافية الإجراءات المصاحبة لتشغيل هؤلاء الشباب المغاربة بهذا المركز الذي ستضخ فيه الحكومة الفلامانية زهاء 600 ألف أورو سنويا، أكد لنا حميش أن التوظيف ستسهر عليه لجن محايدة لاختيار الكفاءات والبر وفيلات المطلوبة للوظائف الثقافية المقترحة حسب معايير واضحة سيعلن عنها في حينها. ويجسد مشروع «داركم» بشكل أو بآخر الأبعاد الرئيسية للسياسة الثقافية التي اعتمدتها الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية في الخارج، والتي أعدت مخططا شموليا في هذا الاطار تبلغ تكلفته الاجمالية حوالي 790 مليون درهم لإنشاء المراكز المذكورة . وسيتم تمويل هذا المخطط الاستراتيجي في شقه الاستثماري من ميزانية الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالجالية المغربية المقيمة في الخارج (في إطار الموازنة العامة للدولة)، كما ستساهم في ميزانية الاستثمار بعض الصناديق المكلفة بدعم الأنشطة الثقافية، بالاضافة إلى مساهمة بلدان الاستقبال التي يتم إنشاء المركز الثقافية على أراضيها. أما الميزانية التسييرية لهذه المراكز الثقافية فسيتم جمعها من مصادر مختلفة وتتكون أساسا من منحة من الدولة المغربية ومن الموارد والمداخيل المتولدة عن المراكز الثقافية نفسها مساهمة الوزارات الشريكة، كما يمكن الاعتماد في هذا الاطار على الرعاية و الاحتضان من قبل بعض الشركات سواء مغربية كانت أو في بلد الاستقبال، هذا بالاضافة الى التبرعات والهبات التي يمكن أن تتلقاها البرامج الثقافية كل حسب طبيعتها. وبناء على هذا التصور العام الذي تضمنته السياسة الثقافية المعتمدة من قبل الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية في الخارج، يمكن إدراج مشروع «داركم» الذي تم افتتاحه نهاية الأسبوع الماضي بقلب العاصمة البلجيكية بروكسيل، حيث تم اعتماد الصيغة التشاركية بين المغاربة والفلامانيين في كل أطوار المشروع، سواء على مستوى التمويل أو على مستوى الادارة والتسيير. وهكذا، تمت تهيئة هذا المركز الثقافي بغلاف مالي يقدر ب25 .3 مليون أورو بمساهمة مغربية تناهز مليون أورو، حيث كلفت أشغال البناء والتجهيز بالمعدات حوالي 35 مليون درهم وتقدر الميزانية التي سيشتغل بها هذا المركز بنحو 3.5 درهم ستصب في تأجير المركز الثقافي المغربي الفلامنكي، بينما ستكلف أجور الموظفين زهاء 4 ملايين درهم فيما ستخصص 5 ملايين درهم للأنشطة الثقافية، أي أن المركز سيكلف في المحصلة أزيد من 12 مليون درهم سنويا، وذلك من أجل إدماج أفضل للمغاربة في محيطهم البلجيكي مع الحفاظ على مقومات هويتهم الأصيلة، خصوصا بالنسبة لأبناء الجيلين الثالث والرابع من المهاجرين والذين سيتوجه لهم هذا المركز بعرض ثقافي لم يكن معهودا لديهم من قبل، كما سيساهم مركز «داركم» الثقافي في التعريف بالمغرب كبلد غني بالمشارب الثقافية المتنوعة في مختلف المجالات وكذلك التعريف بتاريخ الحضارة المغربية من خلال إعداد مكتبة خاصة، بالاضافة طبعا الى التنوع الثقافي الذي سيحرص المركز على إبرازه سواء في فنون الأدب والغناء والتشكيل والمسرح و الطبخ ..الخ.