تحتضن العاصمة الألمانية برلين ما بين 12 و 14 غشت الجاري فعاليات مهرجان فاس للثقافة الصوفية، وذلك في رحاب عدة فضاءات ثقافية عريقة مثل متحف بيركام . وهي مبادرة أولى من نوعها تعزز ميثاق العلاقة المتينة التي جمعت طيلة سنوات عدة بين صفوة من المثقفين والفنانين الألمان وهذا الحدث النموذجي: الأميرة فلزيتا روس شونبورن، باسكيال جوردان ، الأمير رودولف دوليب . كل هؤلاء الفاعلين النموذجيين انطبعوا بروح الثقافة الروحية وأعربوا عن تفاعلهم الكبير مع رسائلها الصوفية المتعددة والموجهة للعالم بإسره والتي تفصح عنها روح فاس الأندلسية خصوصا والمغربية عموما. إن هذا الاهتمام البليغ بالفكر الصوفي لا يهم فقط عمق البعد الروحي وثراء تراثه الأدبي والشعري والفني، وهو أمر ما زال مجهولا حول العالم الإسلامي بفعل هيمنة بعض الصور الكاريكاتورية المقترنة بتداعيات الراهن السياسي ، بل يخص أيضا الانفتاح الكبير لهذه الثقافة على مدارات روحية وثقافية عالمية أخرى. لقد قرر " منتدى الثقافات لأهداف عصرنا " الذي يترأسه الأمير رودولف دوليب باستشارة مع الأميرة فلزيتا روس شونبورن و باسكيال جوردان إعطاء بعد وجوهر خاصين للحوار الضروري للثقافات ، وذلك عبر ترحيل روح فاس جهة برلين: فاس سليلة الأندلس الوسيطية وملتقى الأعراف التوحيدية الثلاثة التي خلقت الشروط الاستثنائية لأرضية ثقافية مشتركة. كما حمل المنتدى المذكور قيم هذه الثقافة الحية إلى قلب إحدى المجموعات الكبرى والغنية للفن الإسلامي في العالم : مجموعة متحف بيركامون الذي يديره الدكتور ستيفان فيبر ، الموسوعي الألمعي والضليع في اللغة العربية وذخائر الحضارة الإسلامية. انه منتدى جديد لحوار الثقافات وتجربة إضافية ونوعية تبحث عبر الشراكة القائمة بين مؤسسة برلين ومهرجان فاس عن وضع لبنات" أرضية ثقافية مشتركة" ليس عن طريق العودة إلى الماضي الذي يظل مصدر الهام لكل ما هو أفضل ، بل اعتمادا على الثقافات والتجارب الحية ، والمبادرة إلى إحداث تغيرات واقعية وإبداع جديد لأندلس الروح. في قلب أوربا وتحديدا في رحاب مدينة ذات تقليد فني عريق وغني على المستوى الروحي ، سيمكن هذا اللقاء بدون شك من طرح الأسئلة، ولما لا عرض التطلعات الجوهرية بالنسبة لعصرنا .