افتتحت، مساء السبت بفضاء متحف البطحاء التاريخي بفاس، فعاليات مهرجان فاس للثقافة الصوفية في دورته التاسعة التي تحتفي بالمحبة كإحدى القيم المثلى في الثقافة الصوفية، بتقديم عرض فني عبارة عن ترانيم صوفية وإضاءات روحية مشحونة تكريما لروح رائدة العشق الإلهي رابعة العدوية . وقدم الفنانون سميرة القادري وفاطمة الزهراء القرطبي ومروان حجي وصلاح الدين محسن، خلال السهرة الأولى التي تتبعها جمهور كبير من عشاق هذا النمط الفني، لوحة إبداعية متكاملة تمتح من قصة رابعة العدوية بعشقها وفنائها وتوهجها وذلك تكريما لهذه المرأة المتصوفة التي تعتبر أول من سلك درب العشق الإلهي واجترح الفناء في حب الله وقعد له، قبل أن يسير على نهجها متصوفة كبار خلفوا أشعارا صوفية تمجد التعايش بدل الإقصاء والتسامح والإخاء وتنبذ العنف وكل مظاهر الكراهية. وتغنى الفنانون، خلال هذا الحفل الذي سما بالجمهور إلى مدارج المحبة الإلهية والوجد مستشرفا عوالم التصوف بما تكرسه من قيم الإسلام المثلى، بأشعار رابعة العدوية وغيرها من المتصوفة أمثال جلال الدين الرومي وابن الفارض وابن عربي وغيرهم، وجميعها تدعو إلى المحبة والإخاء والتعايش وتنتصر لقيم التضامن والإيثار والعيش المشترك . وبرع المشاركون في هذا الحفل الفني من خلال الحوارات والترانيم الصوفية، وكذا عبر التنويع في الإيقاع والأداء في تقديم عمل إبداعي استطاع من خلال لوحات فنية أن يحتفي بتقاليد وإيقاعات الموسيقى المغربية التي تزاوج ما بين الشرق والغرب في توليفة فنية تعكس غنى وتنوع الموروث الفني المغربي بكل روافده . وكانت فرقة (دالغوشيا) من فرنسا قد برعت، قبل ذلك خلال الحفل الافتتاحي الرسمي، في تقديم إبداعات صوفية مستوحاة من أشعار جلال الدين الرومي التي تمجد الحكمة والمحبة والإيثار وتدعو إلى نبذ العنف والأنانية والكراهية. وأنشدت هذه الفرقة، التي تضم أربعة فنانين، من خلال وصلات موسيقية مصحوبة بالطبوع الفارسية العريقة أشعارا لجلال الدين الرومي ينتصر فيها لقيم المحبة بمختلف تجلياتها كما يحتفي بإنسانية الإنسان بعيدا عن الدين أو اللون أو الجنس أو العرق. وستتواصل الأمسيات والسهرات الفنية، التي تقام في إطار هذا الحدث الثقافي والفني المنظم من قبل "جمعية مهرجان فاس للثقافة الصوفية"، بإحياء حفلات لفن السماع والموسيقى الصوفية العربية والأندلسية، إلى جانب تقديم فقرات تزاوج ما بين الأمسيات الصوفية وحلقات الذكرo من بينها حفل لفن السماع تحييه، مساء اليوم الأحد، الطريقة القادرية البوتشيشية والطريقة الصقلية الوزانية (المغرب). كما ستعرف دورة هذه السنة، التي تنظم تحت شعار "دين الحب .. من رابعة إلى ابن عربي وجلال الدين الرومي إلى وقتنا الحاضر"، مشاركة مجموعة من الفنانين المغاربة والأجانب، بالإضافة إلى العديد من الفرق الفنية والمجموعات الإنشادية كالطريقة القادرية البوتشيشية والطريقة الصقلية وسماع الطريقة الريسونية وسماع الطريقة الشرقاوية والوزانية (المغرب) والطريقة الخلواتية للشيخ نور الله فاتح وسماع الطريقة الرفاعية (تركيا). وموازاة مع هذه الأمسيات الصوفية والأنشطة الفنية المختلفة، ستعرف هذه الدورة، في شقها الأكاديمي، تنظيم مجموعة من الندوات الفكرية والموائد المستديرة والحوارات والنقاشات التي ستتمحور حول دور التصوف في العالم اليوم، وأنجع التصورات من أجل ربط الروحانية بالعمل الاجتماعي والبيئي وبالمقاولة، وكذا الآليات الكفيلة بجعل الروحانية والتصوف يساهمان في التنمية البشرية. ومن بين الندوات الفكرية التي ستنظم في إطار هذه التظاهرة، التي يحضرها العديد من المفكرين والباحثين والمهتمين بقضايا التصوف والتنمية، ندوة فكرية ستحاول الإجابة على سؤال "هل هناك إحياء للتصوف في العالم الإسلامي ¿"، وأخرى ستبحث موضوع "الشعر الصوفي الفارسي"، بينما ستعالج ندوة ثالثة موضوع "جلال الدين الرومي والمولويون .. شعر النشوة والمحبة"، بالإضافة إلى ندوة رابعة ستدرس موضوع "جلال الدين الرومي والإرث الموسيقي الفارسي". كما سيبحث المشاركون، في هذا المهرجان، قضايا أخرى تهم "الثقافة والشعر الصوفي الأمازيغي" و "التغني بالمحبة الروحية بين الشرق والغرب" و "نصوص وقصائد المحبة الروحية في المغرب والأندلس" و"الثقافة والتعبير عن الحب الروحي في إفريقيا جنوب الصحراء" وغيرها … وحسب فوزي الصقلي، رئيس مهرجان فاس للثقافة الصوفية، فإن هذا الحدث الثقافي والفني يروم بالأساس إظهار غنى وتنوع التراث الروحي والثقافي للتصوف بالمغرب وعبر العالم من خلال مظاهره الفنية والثقافية والاجتماعية مع إبراز أهميته الحيوية في إحياء هذا الغنى اللامادي في تطوره الشمولي والحضاري . ويقول إن مهرجان فاس للثقافة الصوفية، الذي أضحى مكسبا لمدينة فاس، يحتفي خلال هذه الدورة بالمحبة كمفهوم وقيمة مثلى في التراث الصوفي والثقافة الإسلاميةo وذلك بفسح المجال أمام العديد من الفرق الصوفية ومجموعات السماع والموسيقى الصوفية من أجل التعبير عن هذه المحبة بكل تجلياتها الفنية باعتبارها تلعب دورا محوريا في كل سلوكيات الإنسان. ويروم مهرجان فاس للثقافة الصوفية، الذي نظمت دورته الأولى سنة 2007 ، الإسهام في إعادة اكتشاف المغاربة للثقافة الصوفية بمختلف تجلياتها الإبداعية والفنية مع تمكينهم من الولوج الى هذا التنوع الفني والفكري والروحي الذي تعكسه هذه الثقافة بروادها الكبار. كما يسعى هذا الحدث الثقافي والفني، الذي أضحى يستقطب، مع توالي الدورات، العديد من المفكرين والباحثين إلى جانب عشاق الموسيقى الصوفية من المغرب والخارج، إلى تعزيز ودعم وضعية المغرب في الحوار بين الثقافات عبر بناء قنطرة تصل بين الشرق والغرب . ويشكل مهرجان فاس للثقافة الصوفية إلى جانب مواعيد فنية أخرى كمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة إحدى المحطات الثقافية والفنية الكبرى للعاصمة الروحية للمملكة التي تستهوي عشاق هذه الأنماط الفنية. شارك هذا الموضوع: * اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) * شارك على فيس بوك (فتح في نافذة جديدة) * اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)