جميل أن يحتفل المغرب يوم 10 غشت من كل سنة، باليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج، الذي أقره الملك محمد السادس سنة 2003، والذي أصبح يشكل مناسبة للاحتفال بالمهاجرين المغاربة وفرصة لتوطيد الروابط بينهم وبين بلدهم الأم، وخلق فضاء للحوار بينهم وبين مختلف الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية، لكن غير الجميل أن يحول بعض المسؤولين واقع عيش بعض هؤلاء المغاربة إلى معاناة وعذاب عندما يضربون عرض الحائط بتطلعات هؤلاء المغاربة الذين قدموا مساهمات قيمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدهم الأصلي، والذين يعودون للاستقرار بعد التقاعد أو لإحياء صلة الرحم خلال إجازاتهم السنوية، فيحولون حياتهم إلى جحيم لا يطاق.. وبدل الاستقرار والاستجمام، يسكنون دهاليز المحاكم ويتوهون في مساربها الضيقة والمظلمة ولا من يهتم لمعاناتهم ولضيق الوقت عندهم، فتضيع حقوقهم عندما لا ينصفهم القانون، بل تضيع، أحيانا، حتى وإن أنصفهم مادامت أحكامه لا تنفذ ولا تحترم، مما يمس بهيبة مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية ومسؤوليها؛ وبالتالي يمس، بل يضرب بهيبة الدولة ورموزها، بجميع مستوياتهم ورتبهم، عرض الحائط.. خصوصا إذا صدر هذا الخرق من مسؤول رسمي من المفروض فيه الالتزام بتطبيق واحترام القانون وفرض احترامه على الجميع.. وكمثال على ذلك ملف المواطن حمادي المجاهد الذي نعرضه اليوم. في ما يلي نعرض شكاية المواطن حمادي، القاطن بزنقة المرابطين بمدينة الحسيمة، ضد مقاولة عالم البناء "إنوبير باط" وعمالة الحسيمة ووالي الجهة والتي جاء فيها: "أنا مواطن مغربي، من مواليد 1936 كرست شبابي للعمل بالديار الأوربية لمدة 37 سنة حتى حصلت على تقاعدي. ولما عدت إلى أرض الوطن، للاستثمار في ما ادخرته طيلة هذه السنوات، فوجئت بكون مقاولة عالم البناء "إنوبير باط" قد ترامت على أملاكي الواقعة بمكان يسمى "ايبوجيران" بامزورن المركز إقليمالحسيمة، وبالضبط البقع ذات الأرقام 2، 5، 6 و7، وعمدت إلى تمرير قنوات الواد الحار وتسوية هذه القطع وإنجاز الطرق بدون سابق إنذار ولا أخذ الموافقة مني.. ونزلت بمعداتها من آليات وشاحنات وجرافات، وكذلك عدة عمال لإنجاز أشغال الحفر وتمرير قنوات الصرف الصحي وتسوية هذه القطع الأرضية وكذا اقتطاع مجموعة من أشجار اللوز منها، من أجل إنجاز طريق عمومية وتزفيتها". على إثر ذلك، تقدم حمادي بدعوى قضائية ضد هذه المقاولة لدى المحكمة الابتدائية ليفاجأ بأن شركة عالم البناء تعاقدت مع عمالة الحسيمة من أجل تهييء الطريق الرابط بين مستشفى امزورن ومدينة امزورن عبر الواد المالح حسب الوثائق المدلى به من طرف دفاعها للمحكمة وحسب الثابت من الأمر بالقيام بمهمة المصادق عليه من طرف والي الجهة، معززة مقالها بأمر إداري ولائحة الأداء وكتاب والي الجهة بالمصادقة على الصفقة وكتاب موجه من طرفها إلى الوالي ومحضر بدء الأشغال. يوضح حمادي: "هذه الوثائق لا تهمني ولم أكن طرفا فيها ولم أوافق على القيام بهذه الأشغال بأرضي"، مما يجعل ذلك اعتداء على ملكه، خصوصا أن تعاقد المقاولة المشتكى بها مع عمالة الحسيمة من أجل إحداث طريق عمومية لا يشكل أساسا قانونيا لتبرير ما تقوم به من أشغال داخل ملك المشتكي، طالما أنه من المفروض قانونا أن لا يتم الشروع في إنجاز الأشغال العمومية إلا بعد المرور من مسطرة انتزاع الملكية الخاصة لأجل المنفعة العامة، وهو ما ينعدم في هذه الحالة.. إذ ليس هناك ما يفيد سلوك مسطرة انتزاع الملكية من طرف العمالة ولا من طرف والي الجهة في حق مالكها، ولا موافقة مالكها على قيام المشتكى بها مقاولة عالم البناء "إنوبير باط" بأشغال البناء في القطع الأرضية المذكورة المملوكة من طرف المشتكي. وقد تم الحكم لصالح حمادي حكم رقم 43 الصادر بتاريخ 12/02/2014، والذي أيد استئنافيا حسب الحكم رقم 891 الصادر بتاريخ 29/09/2014. ونفذ هذا الحكم في حق مقاولة عالم البناء "إنوبير باط" قانونا. لكن، يوضح حمادي، بتاريخ 03/07/2015، أعادت المقاولة الهجوم على القطع المذكورة ضاربة عرض الحائط بالحكمين الابتدائي والاستئنافي كأنها فوق القانون. وباشرت إتمام الأعمال بدون حق رغم صدور أمر بإيقاف الأشغال في القطع المذكورة. وتقدم حمادي، مرة أخرى، إلى المحكمة بطلب إجراء معاينة في ملف المختلفة رقم 652/15 المؤرخ بتاريخ 13/07/2015. يقول المواطن حمادي: "إن هذه البقع هي سندي بعد تقاعدي وعودتي لبلدي، حيث أردت أن أضمن بها مستقبل أبنائي الموجودين بالديار الأوربية والذين يتشوقون للعودة لأرض الوطن قصد الاستقرار والاستثمار في هذا الملك لتحقيق تطلعاتهم المشروعة في المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدهم، لكن فوجئنا بالهجوم والترامي على قطعنا المذكورة بدون أي سند قانوني.. من طرف عمالة الحسيمة ووالي الجهة ومقاولة عالم البناء.. فهل هذه هي دولة الحق والقانون؟..". إذن، تتواصل حملة الاستهتار والاستخفاف بالدساتير والقوانين المغربية والمساطر القانونية والأحكام القضائية يوميا، والأخطر أن يتم ذلك من طرف بعض رموز الدولة ومسؤوليها، مما يجعل المواطنين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة إلا دولة الحق والقانون، والذين يلجأون إلى مؤسساتها لحمايتهم وحماية أملاكهم، يتفاجأون بتمادي وتعنث، بعض المسؤولين المفروض فيهم أن يكونوا قدوة في احترام وتطبيق وإعمال النصوص القانونية، بل بإصرارهم على الضرب بالقوانين وبالمؤسسات التي تشرع أو تحمي القانون، وكذا بالأحكام الصادرة عن المحاكم المغربية في كل مراحل التقاضي، عرض الحائك وكأن القضاء المغربي والدساتير والقوانين المغربية لا تعنيهم ولا سلطة لها عليهم.. شكاية المواطن حمادي المجاهد التي توصلت بها الجريدة نموذج صارخ لمثل هذه الحالات التي يعلى فيها فوق القانون، ويتم التطاول على أحكامه التي تصدر باسم أعلى سلطة في البلاد، مما قد يخلق الفتن والفوضى ويهدد استقرار وأمن الوطن. في ختام رسالته، يطالب المواطن حمادي المجاهد الجهات المعنية والمسؤولة وأولي الأمر بهذا البلد بالتدخل قصد إيقاف الأشغال بتطبيق القانون وحماية ملكه (ثمرة 37 سنة من العمل بالمهجر) وحماية الدساتير المغربية ومنها دستور 1996 الذي يضمن له الفصل 15 منه حق الملكية الشخصية، وكذا حماية تنفيذ الأحكام القضائية واحترامها والامتثال لها حتى لا يعم قانون الغاب ويصبح حاميها حراميها..