"ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عباس بودرقة، يكشف تفاصيل عودة الراحل إبراهام السرفاتي إلى وطنه المغرب (1).. كيف أخرس السرفاتي اللوبي الإسباني بالبرلمان الأروبي وهو مطرود من المغرب!!
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 01 - 2011

قصة تأسيس «تجمع المنفيين السياسيين المغاربة» بفرنسا الذي أفضى إلى صدور قرار العفو الشامل سنة 1994
تناسلت مؤخرا العديد من المعطيات والتفاصيل حول قصة عودة المناضل اليساري المغربي الكبير إبراهام السرفاتي إلى وطنه المغرب. وهي المعطيات التي تترك الباب مفتوحا أمام الفضول الصحفي لمعرفة الحقيقة كاملة حول قصة العودة تلك. ومنذ دفن السرفاتي في مقبرة اليهود الكبرى بالدارالبيضاء، منذ أكثر من شهر، في جنازة مهيبة ضخمة ترجمت مكانة الراحل، مثلما أكدت خصوصية اللحمة الوطنية للمغاربة، عادت سيرة الرجل لتحتل المشهد الإعلامي، من زوايا نظر مختلفة ومتعددة.
ما يهمنا هنا، هو إنصاف الحقيقة حول عدد من التفاصيل المرتبطة بتجربة المنفى التي دفع إليها الراحل، بقرار من وزير الداخلية الأسبق، المرحوم إدريس البصري، تحت مبرر غريب هو «نفي الجنسية المغربية عن السرفاتي»، وهي تخريجة غاية في الإيلام لكل من يسكنه هم الوطن عميقا، والذي يكون قد أدى الثمن غاليا من جسده، لقاء أفكاره السياسية التي يؤمن بها من أجل تقدم وعزة ذلك البلد.. ثم تفاصيل قصة عودته إلى بلده والموت فيه والنوم نومته الأبدية في ترابه، وهي القصة التي كنا نعرف بعض تفاصيلها، دون أن تجد الطريق إلى النشر من قبل..
في قلب هذه التفاصيل، كان اسم المناضل الإتحادي مبارك عباس بودرقة يرد دائما كشاهد مركزي، كونه كان من صناع تلك العودة، وممن أطروا حركة التضامن المطلبية مع كل المنفيين السياسيين المغاربة بالخارج. كونه واحدا منهم، هو الذي اكتوى لسنوات بتجربة المنفى بعيدا عن سماء البلاد، وعن أهله وذويه، هو الذي كان قد قطع على نفسه وعدا أمام الراحل السرفاتي أن لا يعود قط إلى المغرب قبل عودته هو، وكذلك كان، فقد عاد بودرقة بعد عودة السرفاتي بسنة ونصف.. حملنا إليه أسئلتنا، بغاية استنهاض ذاكرته الغنية بالعديد من التفاصيل غير المعروفة حتى الآن، فقبل مشكورا أن يقدم لنا أدق التفاصيل كما سعينا للحصول عليها منه. فكانت القصة تكتمل مثيرة، مع توالي الأسئلة والأجوبة، وهي القصة التي ننقلها للقراء، في هذه الحلقات من هذا الحوار الطويل، المعزز بعدد من الوثائق والصور التي تنشر لأول مرة.. في هذا الحوار، سنقف عند مكر السلطة، كما مارسه الراحل إدريس البصري لتأبيد الموقف الغاضب للملك الراحل الحسن الثاني من الراحل إبراهام السرفاتي، وكيف كان حريصا على أن يغدي دوما نار ذلك الغضب الملكي بوقود مفيد من هنا وهناك.. سنقف عند الدور الحاسم الذي قام به الأستاذ محمد بوستة في عودة المنفيين، بعد أن عرض الأمر على جلالة الملك الحسن الثاني بإيفران، وتكليف جلالته السفير الجعايدي بحل المشكل.. سنقف، عند تفاصيل الحرب المفتوحة والصامتة بين الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي وهو وزير أول ووزير الدولة في الداخلية إدريس البصري، حول ملف حقوق الإنسان وفي القلب منه ملف السرفاتي.. سنقف عند رسالة اعتذار زوجة السرفاتي، المفعمة بالعاطفة الصادقة، إلى الأستاذ اليوسفي.. سنقف عند الدور الذي حاول الأستاذ عباس الفاسي لعبه وهو سفير بباريس لحل مشكلة المنفيين.. سنقف عند قصة العودة كاملة، وكيف تمت بسرية كبيرة، بين 5 أفراد، هم جلالة الملك محمد السادس ومستشاره الملكي أندري أزولاي، والوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي، والأخ عباس بودرقة والسفير المغربي بباريس حسن أبو أيوب، ودور الوساطة الذي قام به الفنان التشكيلي المهدي قطبي.. هذه التفاصيل كلها، وأخرى كثيرة، هي التي تعطي لهذا الحوار قوة الشهادة التاريخية.
{ أستاذ عباس بودرقة، تناسلت العديد من المعطيات مؤخرا، بعد رحيل المناضل اليساري إبراهام السرفاتي، من ضمنها حكاية عودته إلى المغرب وما صاحبها من تفاصيل. وفي حدود علمي، فإنك كنت في قلب ذلك التحرك من أجل حق عودته إلى بلده. أود أن أبدأ معك الحكاية من البداية. كيف جاءت فكرة الدفاع عن عودة السرفاتي وما هي ظروفها؟!
كانت البداية مع تأسيس «تجمع المنفيين السياسيين المغاربة بفرنسا»، في بداية التسعينات من القرن الماضي وبالتحديد مع وصول آخر المنفيين السياسيين المغاربة ابراهام السرفاتي إلى باريس، يوم 13شتنبر 1991 الذي طردته فيه السلطات المغربية بشكل فج، بدعوى أنه برازيلي، بعد أن قضى 18 سنة بالسجون المغربية.
في بداية سنة 1992 ولدت فكرة تجمع المنفيين. وللتاريخ، كان المبادر الأول لطرح الفكرة هو المناضل أرسلا إيدر، باعتباره كان أقدم اللاجئين المغاربة حينها، ويتمتع بمصداقية كبيرة لدى الجميع. بعد عدة أشهر من الاتصالات والمشاورات مع مختلف الفعاليات والتيارات، اقتنع الكل بضرورة إنشاء إطار يتسع للجميع للدفاع عن حقوق كافة المنفيين المغاربة سواء تجاه السلطات المغربية أو بفرنسا بلد الإقامة. وعقد أول لقاء للمنفيين المغاربة يوم 3 يوليوز 1992 حيث شُكلت لجنة لمتابعة التحضير القانوني والعملي للتجمع. وهي اللجنة التي أشرفت على عقد تجمع عام أطلق عليه «لقاء الخريف»، يوم 26 شتنبر 1992 وقد حضرته أغلبية المنفيين السياسيين المغاربة بفرنسا، وشارك فيه أيضا منفيون من الجزائر وبلجيكا وهولندة.
كان ذلك مقدمة للنجاح في عقد أول جمع عام لتجمع السياسيين المغاربة بفرنسا يومي 15و16 ماي 1993 وصادق الجمع العام على القانون الأساسي والقانون الداخلي وكذا برنامج عمل تكويني وتكوين فرق عمل وتحديد نظام العلاقات الخارجية. لقد انتخبنا حينها مجلسا إداريا، كان يتكون من كل من: إدريس أنور، البشير بنبركة، إدريس بوش، بودرقة مبارك، الشهابي عبد الرحمان، حسن الحاج ناصر، عبد العزيز حمودان، إيدر أرسلا، جناتي إدريسي عبد العلي، قاص عبد الحق، محمد المحجوبي، والمرحوم منفق محمد. كما تقرر أن يكون يوم 15 ماي من كل سنة يوما لتخليد «النفي السياسي بالمغرب».
{ هل هذه الفترة هي التي عكست حجم تلك البيانات التي كانت تصدر بباريس. فقد كانت تجربة غنية في العمل الجمعوي وتتبع المغاربة كثيرا تلك البيانات التي كانت تنشرها الصحافة الوطنية آنذاك؟!..
صحيح كانت تجربة رائدة في العمل الجمعوي ويرجع ذلك للأسباب التالية:
1- ربط نضالات تجمع المفنيين السياسيين بفرنسا مع المنظمات الحقوقية داخل المغرب، ومع الأحزاب والنقابات الديمقراطية المغربية ومع المنظمات الثقافية كإتحاد كتاب المغرب والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي جعلت من ضمن مطالبها عودة المنفيين إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المختفين.
2 - دعم المنظمات والأحزاب والشخصيات التقدمية والديمقراطية في الخارج لنضالات المنفيين المغاربة، نظرا لما تحضى به بعض تلك العناصر من احترام وتقدير لدى هذه القوى، التي ساندت نضالات الشعب المغربي كما واكبت وصول المنفيين السياسيين المغاربة. فقد بدأت الطلائع الأولى تصل إلى أوربا منذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات وتزايدت أعدادها مع مرور السنين. ومما زاد من هذا العطف ما كان يتعرض له عدد من المنفيين في بعض الأحيان من قمع واضطهاد، يصل إلى الخطف والتصفية كحالتي المهدي بن بركة والحسين المانوزي .
3 - رغم تعدد واختلاف القناعات السياسية والاختيارات الإيديولوجية، اتفق المنفيون واللاجئون السياسيون المغاربة على فكرة الدفاع عن حقوقهم والدود عن مطالبهم المشروعة، التي تتلخص في العودة الحرة إلى وطنهم بدون قيد أو شرط وضمان حرية التنقل وإلغاء كل المتابعات والأحكام الصادرة قبل عفو 8 يوليوز 1994.
أذكر هنا، أنه في إحدى اللقاءات التحق بنا مجموعة من الإخوة المنتمين إلى التيارات الإسلامية، التي لم تواكب عملية تكوين التجمع، فتصدى لهم إخوة من اليسار وطالبوا برفض عضويتهم في التجمع لانتمائهم لتيارات تمارس العنف والإرهاب تجاه الطلبة التقدميين في الجامعات المغربية. لكن في الأخير استطعنا أن نقنع الجميع أن المعيار الوحيد الذي يجمعنا هو «النفي واللجوء» ولاشيء غير ذلك، كما ينص على ذلك القانون الأساسي للتجمع. مع العلم أن تجمعنا ذاك، كان يضم عناصر نختلف معها في قضية وحدتنا الترابية، لكن مادمنا ننخرط جميعا في إطار يحمل إسم «تجمع المنفيين السياسيين المغاربة»، فإن الاختيارات السياسية والقناعات المذهبية والفلسفية لا محل لها هنا على الإطلاق .
هكذا، كان التجمع يضم كافة الأجيال ومن مختلف المناطق الجغرافية للمغرب وأصبح إطارا قويا يتسع للجميع. بل يعتمد تسييره الداخلي على قواعد الديمقراطية والاستقلالية والشفافية، حيث ينص القانون الداخلي أنه بوسع أي عضو حضور أي اجتماع يعقده المجلس الإداري أو المكتب التنفيذي مع المساهمة الفعلية في النقاش والاقتراح. ولم يعد في النهاية يقتصر على منفيي فرنسا بل إنه تولى التنسيق بين اغلبية المنفيين السياسيين المغاربة في كل من بلجيكا، هولندا، المانيا، الجزائر، ليبيا، سوريا والعراق..
{ ما هو دور المرحوم السرفاتي في كل هذا؟.. خاصة وأن تأسيس التجمع جاء غداة نفيه هو أيضا إلى فرنسا، بل وإسقاط الجنسية المغربية عنه.
بالطبع لقد واكب السرفاتي مسلسل إنشاء تجمع المنفيين وتطويره، بحضوره الشخصي في أغلب اللقاءات والتجمعات، وإغنائه إياها باقتراحاته وتدخلاته. ولم يقتصر دوره بإسهامه في التجمع، بل إن وصوله إلى فرنسا أعطى زخما لنضالات المغاربة في الهجرة، لما يحظى به من صيت وتعاطف لدى القوى الديمقراطية والمنظمات الحقوقية الفرنسية والدولية تقديرا للمعاناة القاسية التي تعرض لها لمدة 18 سنة من الاعتقال.
إن مما أذكره هنا، مثلا، ما رواه لنا الأخ ابراهيم أوشلح حين حضر رفقة ابراهام السرفاتي إحدى اللقاءات داخل البرلمان الأوربي، بحضور وفد من البوليزاريو بقيادة مسؤول علاقاته الخارجية، ولوبي إسباني مساند. لقد أكد إبراهيم أوشلح أن السرفاتي وصل متأخرا بعد بداية الاجتماع، وكان سبب تأخره بالطبع صعوبة تنقله نتيجة الإعاقة الناتجة عن التعذيب. وبمجرد دخوله إلى القاعة، استقبل من طرف البرلمانيين الأوربيين الحاضرين بالتصفيق وقوفا، احتراما للرجل الذي أدى زهرة شبابه ثمنا لقناعاته ومبادئه. وأثناء ذلك اللقاء طرحت إحدى البرلمانيات الإسبانيات، سؤالا استفزازيا على السرفاتي مفاده: كيف يعقل لمناضل مثلك، ماركسي لينيني، أن يتعامل مع شخصيات محافظة تنتمي إلى الكتلة الديمقراطية وخصت بالاسم الأستاذ امحمد بوستة!!.. لكن السرفاتي في رده دافع عن الكتلة وشرح للحضور الدور الإيجابي الذي تقوم به للدفع بالمسلسل الديمقراطي في المغرب إلى الأمام، وأن السيد امحمد بوستة أحد قادة هذه العملية. وبهذا أفشل مخططا للتحامل مجانيا على المغرب. لكن تلك المواطنة الإسبانية أعادت الكرة وطالبت من الوفد الذي يمثل الجمعيات المغربية بشن حملة ضد الصادرات المغربية نحو أوربا، فرد عليها إبراهيم أوشلح أن هذه الصادرات يستفيد منها كل الشعب المغربي، وأضاف متهكما [أو ساخرا]، إذا كانت لكم أطماع في المياه الإقليمية المغربية لاصطياد الأسماك فالرجاء عدم استعمال حقوق الإنسان لتحقيق هذه الإطماع. وقد ساند السرفاتي هذا الرد. كما ساهم المرحوم السرفاتي في العديد من التظاهرات وأخص منها بالذكر الحملة التضامنية مع محمد نوبير الأموي الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إثر اعتقاله بسبب تصريح أدلى به لأحدى الصحف الإسبانية ينتقد فيه أعضاء الحكومة المغربية. باختصار كان الرجل حاضرا في جل التظاهرات التي تقوم بها الجمعيات المغربية في أوربا وليس فقط في فرنسا.
الأساسي هو أنه قد جاء قرار العفو السياسي الشامل في يوليوز 1994، بعد مرور بضعة أيام من انعقاد الجمع العام للتجمع الذي جدد فيه هياكله التنفيذية، حيث أنتخب مجلسه الإداري الذي انتخب بدوره المكتب التنفيذي يوم 25 يونيو1994. وقد شهد هذا الجمع حدثا خاصا، حيث استمع المجلس إلى التصريح الذي أدلى به كل من أبراهام السرفاتي وعزيز المنبهي حول قرار عودتهما إلى أرض الوطن.
{ عفوا أي إنهما قررا الدخول حتى قبل صدور العفو؟
نعم.. لقد أعلنا قرار العودة إلى المغرب وحددا السقف الزمني في منتصف شتنبر الموالي من سنة 1994 ، وأن عودتهما ستكون برا من باريس ليصلا إلى الحدود المغربية مع نهاية نفس الشهر. وأن الدعوة موجهة لمن يريد مرافقتهما، وبررا هذا القرار بالقول : «بنهوض القوى الديمقراطية المغربية في السنوات الأخيرة والذي رافقه تهيكل متصاعد للمجمع المدني، قد فرضا مجالات للحرية....». وطرحا العديد من المطالب التي تستدعي النضال من أجلها. وختما التصريح بالقول : « هذا النضال هو الذي قررنا الالتحاق به هناك حيث هو أكثر فعالية داخل البلاد.».
{ لنعد إلى صدور قرار العفو وتداعياته الإيجابية عليكم.
يجب التذكير أن المغرب شهد انفراجا سياسيا حينها. ففي نهاية الثمانينات أفرج عن العديد من المعتقلين السياسيين، ثم في بداية التسعينات ( بالضبط في 5 ماي 1990) تم تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وفي سنة 1991 عاد العشرات من المختطفين إلى ذويهم بعد فتح أبواب تزمامارت وأكدز وقلعة مكونة وباقي المعتقلات السرية. وبهذا يكون المغرب هو البلد الوحيد الذي يعود فيه العديد من المختفون قسرا إلى الحياة العادية.
في 7 نونبر 1993 عين السيد عمر عزيمان كأول وزير لحقوق الإنسان بالمغرب، وقد تفاءل المنفيون بهذا التعيين لأن السيد عزيمان يعرف جيدا ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان باعتباره أحد مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وأول رئيس لها. وعندما زار باريس بعد فترة من تعيينه، أجرت معه جريدة «ليبراسيون» الفرنسية حوارا، حول مصير ملف حقوق الإنسان، أكد فيه ما يلي: «إذا لم يتحقق تقدم ملحوظ، سيكون ذلك كارثة على مصداقيتنا». لكن، قبل صدور قرار العفو، تجب الإشارة إلى أن من ضمن مطالب التجمع صدور عفو سياسي شامل يفضي إلى إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين السياسيين، وهي نفس المطالب التي تطالب بها الحركة الحقوقية والكتلة الديمقراطية في المغرب.
وفي إطار خطة التكوين التي صادق عليها الجمع العام للتجمع مع القانون الأساسي، نظم مكتب التجمع ندوة يوم 26 فبراير 1994 حول «مفهوم العفو والعفو الشامل بالمغرب» ناقش فيها الحاضرون ثلاثة عروض قدمت في هذه الندوة وهي كما يلي:
1 - مفهوم العفو الشامل من الجانب السياسي.. مداخلة المرحوم عبد الغني بوستة.
2 - مطلب العفو العام والشامل، إضاءة دولية.. مداخلة إدريس أنور.
3 - مفهوم العفو الخاص والعفو الشامل في القانون المغربي.. مداخلة مبارك بودرقة.
فصدور العفو كان بمثابة مكسب للتجمع حيث أصدر بيانا يوم 11 يوليوز سجل فيه هذا المكسب الذي شكل إحدى المطالب الأساسية التي ناضلت من أجلها كل المنظمات الحقوقية والقوى الديمقراطية في المغرب.
{ إذن الأخ عباس، هذا يترجم أنكم تلقيتم قرار العفو بارتياح بل بحماس أيضا. هل لأنكم اعتبرتم الأمر انتصارا لتحركاتكم ونضالكم بباريس؟
طبيعي ذلك. ومما زاد من الحماس هو أن قرار العفو الصادر يوم 8 يوليوز صادف العطلة الصيفية، مع وجود رغبة العديد من المنفيين في قضاء هذه العطلة مع ذويهم في المغرب. فكان أن سارع العديد منهم إلى الاتصال بالقنصليات المغربية للحصول على جوازات السفر لتسوية أوضاعهم وتحويل إقامة اللجوء إلى إقامة عادية. لكن للأسف، بدأت سلسلة من المماطلات تذيب الحماس الذي تولد عن قرار العفو. ونظرا لرغبة الجميع في إيجاد حل سريع لفتح الأبواب الموصدة، شرع مكتب التجمع في القيام بالعديد من الإتصالات مع القنصليات والسفارة. غير أن الاقتراحات التي عرضتها القنصليات غير لائقة ولا ترقى إلى مستوى الحدث، منها مثلا تسليم رخصة الدخول إلي المغرب عوضا عن جواز السفر وغيرها من الحلول الترقيعية التي لا تعير ادني اهتمام لكرامة المنفيين، والتي رفضنا حتى مناقشتها. فعاودنا الاتصال بالسفارة من خلال رسالة مؤرخة في 31 يوليوز 1994 لتحديد موعد مع السيد السفير الأستاذ عباس الفاسي (الوزير الأول حاليا).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.