قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... يوم 18 مارس 2012 ستفقد الرستين ايضا متمردا اخر جسد بالنسبة للكثيرين الاخلاق في المعركة: الرقيب امجد الحميد مؤسس أول كتيبة في سوريا، عشية وفاته، ندد أمام حشد من سكان الرستن، بالتجاوزات التي ارتكبها بعض المدنيين المسلحين واعتبر ان هذه العناصر الخارجية عن السيطرة تشكل عبئا خطيرا على حركة الثورة. »انهم لصوص، شبيحة، كان يصبح عبر مكبر صوت أمام حشود غاضبة، السلاح يجب ان يستخدم لمحاربة النظام وليس لسرقة السيارات والاختطاف او اغتصاب نساء الطوائف الدينية الاخري. هذا ليس من اعرافنا. من يريدون ركوب سيارات ما عليهم سوى مواجهة جنود بشار وبعيدا عن المدنيين! والا فلتبعدوا، لاننا قادرون على سحقهم أينما وجدوا« وذكر الضابط في سباق رفضه لدعوات بعض الشيوخ السوريين في المنفى الى الجهاد، ان رجال سوريا الاحرار لم ينتظروا الشيوخ للقيام بواجبهم«. وبعد مرور 24 ساعة على تحديراته، سيسقط الرائد امجد الحميد برصاص مهاجمين مجهولين. كتيبته ستتحتم جماعة اسلامية باغتياله. والرجل الذي تقاسم معنا قهوته تحت القمر في ضواحي الرستن وهو يطلب منا تذكر هذه اللحظة الساحرة اذا ما سقط شهيدا، لن يكون اول ضحية ولا آخر ضحايا عواقب وتبعات انزلاق ثورة، تنتج مع استمرارها، افضع الانحرافات الضابط الحر بالرستن سيلقبه اصدقاءه بالشهيد بين نارين. في طرابلس عاصمة شمال لبنان، التقيت صدفة بمناسبة تحقيق عسكريا عاملا في مدخل الرستن ليلة استجوبت الضباط الاحرار، الماجور سامي الكردي الذي انشق عن وحدتها فيما بعد، سيحكي لي تفاصيل تلك الليلة من الجانب الاخر، جانب النظام »فيما يخصك انت صوفيا، أخبرونا ان صحفية فرنسية تثير الفوضى في الرستن وأمرونا باحضارها حية أو ميتة. عندما التحقت بالمنبثقين تمنيت سرا ان أكون أنا من يعثر عليك لاحذرك وأخرجك من المدينة على الفور. الماجور، الذي سيتم دبح صهريه ردا على انشقاقه والذي سيصبح الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر لمنطقة حمص. قبل ان يلجأ الي فرنسا (كاين) مع عائلته، اكد لي انه خلال صيف 2011 تزايدت شهرة الرستن وجلبت عشرات المنشقين من مختلف مناطق البلاد وتجمع حوالي 1000من المتمردين في المدينة سيجعل منها مسرحا لواحد من أوائل المواجهات المهمة بين الضباط الاحرار والجيش النظامي هذا الأخير الذي يريد استعادة السيطرة على الرستن باسرع ما يمكن شن يوم 27 شتنبر، الى بعد ستة أسابيع على مروري هناك، هجوما واسعا على المدينة بالقصف بالطائرات والمدافع وقذائق الدبابات الثقيلة. وفي نفس تلك الفترة سيتم اعتقال عمر عمر بالرستن وسيعذب على يد رجال المخابرات السورية لكونه سهل لقائي مع الضباط الاحرار، وحتي قبل الافراج عنه. أخبر ابن أخيه انه مبعوث عنه لنفس الاسباب ولكونه اشتغل مرافقا لصحيفة معادية لسوريا. سيدخل عمر في سرية لكنه سيعتقل في النهاية وسيعذب ويرمي به في السجن حيث لازال هناك. شريط فيديو صور بالرستن منط رف مصورها، ويلخص اليوم المصير الذي ينتظر النضال السلمي في سوريا وفي نفس الوقت الفرجة والمرح العنيد لدي السوريين. ثلاثة متظاهرين وحيدين في شوارع خالية ومدمرة بالقصف بينما يقوم رابع بتصويرهم مركزا على اللافتة التي يرفعونها والتي كتبوا عليها »ما تبقى من الشعب السوري. يريد اسقاط النظام«! السلمية ماتت وانتهت. تكلمت الاسلحة، وسيفعل الرعب المتراكم والرغبة في الانتقام من الجانبين سيتحول العنف المسلح الي ابشع الفضاعات. لقد انفتحت العلبة وخرج المارد من القمقم. دجنبر 2011 تسلحت المعارضة وانتقلت إلى منطق الهجوم. بالنسبة للجنود المنشقين، لم يعد الأمر يتعلق فقط برفض أوامر القيادة أو حماية المدنيين، بل بالمواجهة المباشرة مع جنود النظام. وبدأ هذا التطور يتصاعد تدريجياً. بدأ بكمائن هدفها الاستيلاء على أسلحة وذخيرة دوريات الجيش النظامي، وسيتواصل هذا التصعيد من خلال هجمات بهدف وقف تقدم قوافل الدبابات التي كانت ترسل كتعزيزات من دمشق نحو المدن المتمردة، ليصل هذا التطور إلى شن عمليات هجومية متنوعة. وبعد أشهر من الاحتجاجات السلمية لسكان من كل الشرائح الاجتماعية صدحت بأعلى صوتها أنها سلمية رغم شراسة القمع الذي كانت تواجهه، ستنزلق البلاد تدريجياً إلى حرب أهلية. خسارة رهيبة سببها عدم تحرك المجتمع الدولي وتعنت النظام السوري. وكنتيجة لهذا التطور، فتح الجيش السوري صفوفه أمام المتطوعين المدنيين، وبدأت أعداده تتزايد بسرعة. ولو أن المقاتلين الأجانب لم يلتحقوا بعد حتى تلك المرحلة بصفوف المقاتلين السوريين. بالمقابل، كان نظام بشار الأسد قد طلب دعم حلفاءه الاقليميين الأقوياء: إيران وحزب لله اللبناني. المعارضة السورية المسنودة من المدنيين، حققت مكاسب على مستوى الفعالية، كانت تستولي على أحياء وأجزاء من المدن، وتقاوم، وكان حي »بابا عمرو« في حمص عنواناً يصور ما آل إليه الصراع، حيث يسيطر رجال الجيش السوري الحر على هذا الحي لعدة أشهر، وأعلنوه »منطقة محررة« في نهاية سنة 2011. وكانت استراتيجية النظام تتمثل في شطب وإحراق المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري الحر، من أجل منع وحداته من أية استمرارية ترابية، سياسة الأرض المحروقة ستبرر بالنسبة للمتمردين عسكرة الثورة بشكل أقوى.