نتج العمل في عدد بانيبال لهذا الصّيف عن حبّ، بتركيزه على الكاتب السوريّ الكبير زكريّا تامر وقصصه القصيرة. فهذا الوقت، حيث يشهد العالم العربيّ حالة من الغليان والاضطراب الكبيرين (ولو أن بعضنا يتساءل إن كان الحال غير ذلك في أي وقت مضى)، هو الوقت المناسب للالتفات إلى زكريا تامر، الأديب الذي قدّم الكثير في مسعاه لتحقيق حرية التعبير، وحقوق الإنسان والحريّة، من خلال كتاباته الملهمة والفريدة. منذ عددها الأوّل، نشرت بانيبال قصة لزكريا تامر، وظلت تنشر له في أعداد لاحقة على مرّ الأعوام. في عددنا الحالي نقدم للقراء ملفا خاصا بعنوان "زكريا تامر والقصة القصيرة"، وهو الملف الأوسع والاشمل الذي تخصصه المجلة حتى الآن لمؤلف واحد. لا يمكن التقليل من قيمة مساهمة زكريا تامر في الأدب العربيّ المعاصر سواء للغته، أسلوبه، مواضيعه، وقبل كل شيء للسخرية والفكاهة السوداء اللتين ميّزتاه. تدحض كتاباته كلّ صورة نمطيّة يحملها الغرب عن العالم العربيّ، ولهذا لم يحقّق شعبيّةً ضمن الاتجاه العامّ للناشرين الأنغلوفونيين. هناك فقط مجموعتان قصصيّتان صغيرتان له بالانجليزيّة، ومثلها باللغة الألمانيّة. رغم الاحتفاء بالقصّة القصيرة المكتوبة بالانجليزيّة من خلال المهرجانات والكتب، إلاّ أن قرّاء اللغة الانجليزيّة يفتقدون هذا الجنس الأدبيّ الذي يكتبه الأدباء العرب لندرة الترجمات وللتركيز على الروايات. لقد أقدم المترجمون، الكتّاب، المراجعون والمحرّرون الذين جمعهم هذا العدد، على خطوة كبيرة في تدارك عدم الاعتراف بإسهام زكريا تامر في الأدب العالميّ. تقرأون هنا 16 قصة قصيرة مأخوذة من مجموعات قصصيّة عدة لتامر، بما في ذلك قصّة عنوان مجموعته الأولى "صهيل الجواد الأبيض"، فضلا عن قصص من مجموعات مبكرة أخرى نشرت لأول مرة في ستينات وسبعينات وتسعينات القرن الماضي، كما تقرأون ترجمة بعض من أعماله الأخيرة، من مجموعته القصصية "الحصرم"، ومن القصص التي نشرت في الصحف اليومية العام 2014، ومن صفحته الخاصّة على الفيسبوك، المهماز. كذلك تجدون 13 قصة للأطفال من مجموعته القصصيّة "لماذا سكت النهر؟" برسومات رائعة نفّذتها أبيغايل أوبراين، مع مقالات عن أعماله المترجمة الى الانكليزية والألمانية والصربية. حرص مترجمو زكريا تامر إلى الألمانيّة والتركيّة والصربيّة والسردينيّة والإنجليزية، وزملاؤه من الكتّاب والنقاد الزملاء العرب، على الإسهام في هذا المحفل الخاص بقصص زكريا تامر القصيرة. سربكو ليشتاريتش، الذي قام بترجمة تسع مجموعات قصصية إلى الصربيّة، يكتب عن النصل الحادّ لسخرية تامر التي "تشطر واقعنا القاسي إلى اثنين" وكيف أنّ "جمله سريعة وصافية مثل الدموع". أمّا أليساندرو كولومبو فيروي أن أعمال زكريا تامر "تجعل منه رفيقًا أدبيًا مثاليًا للراغبين في اكتشاف سوريا" وأنّه قام بترجمة المجموعة القصصية "تكسير ركب" إلى لغته السردينيّة، وهو أوّل عمل أدبيّ عربيّ يترجم إلى هذه اللغة. محمود شقير، فاضل العزاوي، وإسماعيل فهد إسماعيل يتذكّرون لقاءهم بزكريا تامر في السنوات المبكرة. هارتموت فيندريش، دينيس جونسون ديفيز، بول ستاركي، محمد حقي صوتشين، سوزانا طربوش وفولكر كامنسكي يكتبون عن ترجمة ونشر تامر بالألمانيّة والانجليزية والتركيّة على التوالي. الناقدان الأدبيان صبحي حديدي وعبده وازن يكتبان عن اختلاف تامر عن غيره من كتاب القصّة القصيرة، واصفينه ب"المنشق" و"غير التقليدي" وبكونه مبدعا "لمسرح من الأخيلة والظلال والوجوه". كما يتضمن ملف بانيبال، مقابلة مهمة مع زكريا تامر، أجرتها الناقدة السورية ديمة الشكر، وفيها بتحدث زكريا تامر عن طفولته، عن بداياته الأدبية، وكيف اختار في العام 1958 أن يكتب القصة القصيرة على الرغم من "الرعب الحقيقي من كتابة القصّة القصيرة، التي هي أصعب نوع من أنواع التعبير الأدبي"، انتهاء بكتابه الأخير وهو عبارة عن سلسلة مقالات "مكرّسة لهجاء الطغيان والطغاة". *** في العدد الجديد نقرأ أيضا فصولا روائية للكاتبين العراقيين علي بدر (فصل من رواية"الكافرة") وشاكر نوري (مقطع من رواية "جحيم الراهب")، وقصائد للشاعرين اللبنانيين شربل داغر وجودت فخر الدين، بالاضافة الى مراجعات نقدية لعدد من الروايات العربية المترجمة الى اللغة الانكليزية. افتتاحية مجلة بانيبال 53