الإيليزيه: الحكومة الفرنسية الجديدة ستُعلن مساء اليوم الإثنين    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة في الدار البيضاء    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    الناظور بدون أطباء القطاع العام لمدة ثلاثة أيام    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نُبْلُ ياسر عرفات والقضية الفلسطينية    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهادة الرفيعة لعبد الرحمان اليوسفي في حق مولاي العربي وزوجته جوزيفين 26
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 07 - 2015

لماذا مولاي العربي الشابي الشتوكي؟. ولماذا النبش في قصة حياته؟. وأية غاية لنا في ذلك؟. إن الجواب، هو أن سيرة الرجل تستحق أن تروى، عنوانا عن معنى مغربي، لجيل فتح عينيه على الإستعمار، وسكنته تلك الرغبة الجامحة في أن ينحث له مكانا تحت الشمس، مختلف عن تجربة من سبقه من أجيال مغربية. بصيغة أكثر دقة، إن في الكشف عن قصة حياة هذا الرجل البطل (وهو بطل فعلا في الحياة وفي المواقف الوطنية)، بعض من ملامح معنى التحول الهائل الذي عاشه المغاربة كإنسية، بعد صدمة الإستعمار. فهي تجربة حياة، من الغنى والكثافة والتميز والإثارة، ما يجعل حياة فرد (مثل حياة مولاي العربي) عنوانا على قصة المقاومة التي قاوم من أجلها أولئك المغاربة، الذي عاشوا ما بين 1912 و نهاية القرن 20. أي أننا من خلال تجربة حياة فرد، نلج إلى معنى ثقافي سلوكي لمجتمع جديد، صهرته قوة ذلك التحول وتلك المقاومة من أجل شكل حياة مختلف. مختلف، بدفتر تحملاته القيمية، التي تعلي من فكرة النهوض. النهوض الذي عنوانه الأكبر عندهم، هو استحقاق التقدم وشروط المدنية والحداثة. وهنا يكمن السر في معنى التحول التاريخي الذي يعيشه المغاربة، منذ أكثر من قرن من الزمان، لأنه انتقال هائل من معنى حياة إلى معنى حياة. وتجربة رجل إسمه مولاي العربي الشتوكي، الذي تقاطعت عنده مسارات تجارب متعددة: حياتية، نقابية، سياسية، مقاومة، تقدم لنا بعضا من المثال الخصب على ذلك.
15)، الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي في شقته بالدارالبيضاء، بهدف محدد هو الحديث عن مولاي العربي الشابي الشتوكي، الذي كنت أعرف جيدا مدى قوة العلاقة التي جمعتهما (بدليل حضوره إلى بيت ابنه مولاي يوسف الشابي، حيث توفي مولاي العربي بحي السيال بالدارالبيضاء، يوم 30 ماي 1998، ساعة ونصف الساعة بعد وفاته قادما من الرباط. فكان بالتالي من أول المعزين، بل جلس مع العائلة وهو وزير أول حينها، يتلقى التعازي في وفاة صديقه ورفيقه ذاك). حين زرته، وطلبت منه أن يحكي لي قصة علاقته به، صمت طويلا على عادته، حين يريد ترتيب الكلمات في فمه، بعد أن يرتب التفاصيل في ذهنه. فتذكرت ما قاله عنه مرة وزير الخارجية الجزائرية وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في الملف السوري بعد ذلك، الأستاذ الأخضر الإبراهيمي، حين قال : "الفرق بين بنبركة واليوسفي، أن المهدي شعلة أفكار وحيوية هائلة، يعطيك مئة فكرة في اليوم، قد تجد واحدة منها صالحة لك. أما اليوسفي فهو أشبه ببودي، يلوي لسانه في فمه سبع مرات قبل الكلام". ابتسم اليوسفي وقال لي "مولاي العربي سانتيتيان"، مضيفا: "هكذا كنا نلقبه بيننا" وهو يكاد يقصد أن المكان كله نسب إلى الرجل، بين رفاقه، لأنه كان نجم ذلك المكان وسيده الأول تنظيميا ووطنيا.
كان أول الحكي، الذي قاله لي سي عبد الرحمن، هو كيف التقى لأول مرة بمولاي العربي في فرنسا في بداية 1949، ببيته بسانتيتيان، في طريقه إلى مارسيليا، ضمن مهام طلابية وعمالية حزبية وسياسية، قادته إلى هناك للقاء مع شبكة العمال المغاربة، الذين كان جزء منهم يعمل في مشروع ضخم هناك لبناء سد جديد. وكيف أنه سيكتشف فيه، مسؤولا حزبيا عن العمال والتجار بمنطقة "لالوار" (أغلبهم سوسيون)، مختلف في سلوكه وفي هندامه وفي انضباطه وفي عائلته. وكيف أن بيته خلية وطنية، وكيف أن الرجل منخرط قلبا وقالبا في الهم الوطني. كان الشهر حينها شهر رمضان، وسي عبد الرحمن صائم، ومتعب جدا، ورغم إصرار مولاي العربي وزوجته "مدام مولاي" على البقاء معهم، اعتذر لأن له لقاء آخر مبرمجا في مارسيليا، التي وصلها في حالة جسدية صعبة. وبعد أن استفاض في تفاصيل حركة المقاومة (سيأتي أوان الحديث عنها في مناسبات أخرى، بالأسماء والأحداث)، سيتوقف مطولا لأول مرة عند قوة العلاقة التي كانت بين مولاي العربي الشابي وعبد الرحيم بوعبيد. بل إن سي عبد الرحمن، لم يتردد في القول "إن قوة العلاقة بينهما أكبر من العلاقة التي جمعتني به". مضيفا أنه كانت للسي عبد الرحيم علاقات مع عدد من الرجال الصناديد الأوفياء، قليل من يعرفها في تفاصيلها وعمقها وقوتها، ذكر لي منهم مولاي العربي الشتوكي بالدارالبيضاء، والمقاوم والوطني أحمد المرابط بالرباط. مؤكدا أن علاقة بوعبيد بمولاي العربي تعود إلى أواسط الأربعينات بفرنسا مباشرة بعد تأسيس حزب الإستقلال. ملمحا، أنه كانت لرفيقه الكبير سي عبد الرحيم، مكرمة التمييز بين معدن الرجال، وأنه كان يتصرف بمنطق القائد السياسي الفطن والذكي وأنه لا يفرط أبدا في العلاقات الرفاقية التي لا تأتي الخيانة منها أبدا، أي تلك التي تعول عليها بيقين وباطمئنان. وهو هنا ربما، يقصد ما سبق وقاله، ضمنيا، في شهادة أخرى مدونة في أطروحة جامعية بفرنسا للدراسات السياسية والإجتماعية، لحفيد مولاي العربي الشابي الشتوكي، مولاي حسن الشابي إبن أصغر أبنائه مولاي يوسف الشابي. من أن الحركة الوطنية ولدت نخبوية، أسسها جيل من الطلبة والمثقفين المغاربة المدينيين الجدد، وأنها تطورت كتنظيم سياسي في الثلاثينات والأربعينات، قبل أن تكتسب عمقا جماهيريا عماليا قويا ومؤثرا في مناجم الفوسفاط بخريبكة ومناجم جرادة للفحم الحجري أولا، ثم في أحياء العمال الجديدة بمدينة صناعية مثل الدارالبيضاء بعد الحرب العالمية الثانية. وأن الخطة كانت هي بناء تنظيمات عمالية وطنية في كافة هذه المجالات، كان له فيها دور ضمن المنطقة الصناعية لعين السبع والحي المحمدي بالدارالبيضاء بين 1944 و 1948. وأنه ضمن نفس الأفق السياسي للحركة الوطنية، خاصة بعد تأسيس حزب الإستقلال سنة 1944، تحقق انفتاح على القوة الوازنة التي يمثلها عمالنا المغاربة بدول المهجر، خاصة بفرنسا وبلجيكا وهولندة. وهنا برز دور جيل مولاي العربي الشابي هناك تنظيميا. وكان الرجل عنوانا لا يمكن أن تخطئه العين ولا يمكن أن يمر القرار السياسي التنظيمي الوطني دون العبور عبر قناته بسانتيتيان، وبكل الجنوب الفرنسي حينها.
وعلى عادة اليوسفي، في تعففه للحديث عن ذاته، لم يكن سهلا أن يقدم تفاصيل حول قصة اعتقاله رفقة مولاي العربي ببوردو في أكتوبر من سنة 1950، بمناسبة زيارة الملك الوطني محمد الخامس لفرنسا، مفصلا القول أكثر في السياق المصاحب لتلك الزيارة، كونها مناسبة لشحذ أكبر عدد من العمال والطلبة والتجار المغاربة للقيام بوقفة سياسية تترجم رسالة وطنية إلى السلطات الإستعمارية الفرنسية عن وحدة النضال المغربي دولة ومجتمع من أجل الحرية والإستقلال. حتى وأن اعتقاله ذاك، كان السبب في حرمانه من إتمام دراسته بباريس وصدر قرار بطرده من فرنسا، قبل أن يتم تغيير مكان الدراسة وتلك قصة أخرى، لها امتدادات باتجاه سويسرا والجنوب الفرنسي. لكنه سيقدم شهادة رفيعة في حق مولاي العربي، الإنسان، الوطني والمناضل وعن عائلته وزوجته الإسبانية "جوزيفين" ("مدام مولاي" كما لقبها اليوسفي دوما).
لننصت جيدا لكلمات اليوسفي هنا:
"كنت مسؤولا حزبيا، وأنا طالب بفرنسا، عن تأطير العمال والطلبة المغاربة المهاجرين. وكانت لي مهمة أخرى، هي ربط الصلة مع الإعلام الفرنسي والنخبة الفرنسية المتنورة، لتحسيس المجتمع الفرنسي عبرها بعدالة مطالبنا الوطنية في الحرية والإستقلال. وضمن مهامي تلك سأقوم بزيارة إلى سانتيتيان حيث تعرفت لأول مرة على مولاي العربي، الذي كان مسؤولا جهويا للحزب هناك. وبقيت منبهرا بقوة إرادته وبحيويته الكبيرة وبحسه التنظيمي الرفيع والدقيق وأيضا بسلطته المعنوية الواضحة على العمال والتجار المغاربة بمنطقته. بالتالي، لم أفاجأ أبدا حين بلغني خبر انخراطه في المقاومة المسلحة بالمغرب واعتقاله ومحاكمته والحكم عليه بالمؤبد. فالرجل من القلائل، الذين قاموا بدورهم الوطني كاملا في فرنسا وأيضا في المغرب، وهذا له دلالته عن حجم ومدى انخراطه الصادق في المعركة الوطنية من أجل الحرية والإستقلال. وأنه قدم الكثير لبلده من أجل ذلك.
علينا أيضا تسجيل معطى مهم، هو أنه في كل عمل تنظيمي سياسي أو عمل للمقاومة، لا بد لنا من دعم مالي حاسم. ودور مولاي العربي في تحقيق ذلك مهم جدا، من خلال حجم ما كان ينجح في جمعه من مساعدات بفضل نزاهته وقوته التنظيمية. وإذا كنا حزبيا، قد نجحنا في تنظيم الكثير من التجمعات واللقاءات التأطيرية، لتحسيس أكبر قدر ممكن من المغاربة المهاجرين بأروبا،، بما يتطلبه ذلك من سفر ومبيت وأكل، وكذا ما يتطلبه ذلك من تهييئ لوجيستي لتلك التجمعات ، فإن مولاي العربي وزوجته قد كانا من العائلات التي لعبت دورا حاسما في ذلك. فاللقاءات كانت تتم في بيتهما وكانت "مدام مولاي" رحمها الله، تهيئ الأكل للمناضلين وتوفير أماكن المبيت لبعضهم، مما يعني أن الأمر كان انخراطا والتزاما على مدار اليوم كله.
إن رجالا مثل مولاي العربي سانتيتيان، لم يكونوا رجال خطابة ولم يكن يكتفي بالشعارات فقط، أو بإعلان تعاطفه مع الفكرة والقضية. بل إن مولاي العربي كان يضع كل ما يملكه وما تملكه عائلته على الطاولة من أجل القضية الوطنية ومن أجل النضال من أجل الحرية، ثم في ما بعد من أجل العدالة والديمقراطية". لقد قال اليوسفي كل شئ.
+ هامش:
هذا البحث التاريخي، حول شخصية مولاي العربي الشتوكي، مندرج ضمن مشروعات أبحاث مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.