يبدو قطعا أن مويس بوتان المحامي الفرنسي للشهيد المهدي بن بركة لم يتعب ولن يتعب أبدا من قضية اختطاف واغتيال عريس الشهداء المغاربة التي اعتبرها طول حياته منذ أول محاكمة في باريس سنة 1966 إلى يوم الجمعة 21 نونبر 2014 الذي جاء فيه للمغرب من أجل توقيع كتابه ?الحسن الثاني..ديغول بن بركة ما أعرف عنهم?، وذلك بنادي المحامين بالرباط. وخصص بوتان في نفس الكتاب بعص الصفحات للانقلاب على الرئيس الجزائري بن بلة ومحاكمة حسين أيت أحمد، اذ أورد الصفحة 174 و 175 "انطلقت محاكمة حسين أيت أحمد بالعاصمة الجزائر من 7 إلى 10 أبريل ، وهذا الزعيم الفبايلي سرعان ما تحول إلى معارض لرفيقه في الكفاح أحمد بين بلة الذي سينتخب في 15 شتنبر 1963 رئيسا للجمهورية الجزائرية، وفي يونيو 1964، أعلن في خطاب شديد اللهجة موجه ضد بن بلة أنه سيخوض معركة لا هوادة فيها ضد النظام/ وفي 10 أكتوبر اعتصم بالجبال وانخرط في الكفاح المسلح السري برفقة أعضاء من جبهة القوى الاشتراكية، بيد أن قوات الأمن ما لبثت أن استعادت السيطرة على كل مراكز التمرد بمنطقة القبائل، وتمكنت من اعتقال حسين أيت أحمد في 17 أكتوبر ووجهت له المحكمة الجنائية بالجزائر العاصمة تهمة إشعال انتفاضة في بلاد القبائل. التقيت في العاصمة الجزائر بالمعطي بوعبيد وأحمد بلحاج، كان علينا أن نلتحق بفربق الدفاع عن الزعيم القبايلي المشكل من زملاء جزائريين، أذكر منهم على وجه الخصوص الأستاذين أوصديق والشريف باطوش، وانتصب للدفاع أيضا زملاء فرنسيون من هيئة باريس، وقد تمكنت من الالتقاء بحسين أيت احمد المعتقل بسجن باربروس، بفضل حصولي على "ترخيص بالاتصال". انطلقت المحاكمة يوم 7 أبريل بقاعة المحكمة الابتدائية بقصر العدالة بالجزائر العاصمة، كني متأثرا أيما تأثير وأنا أجد نفسي في القاعة التي جرت فيها، فبل إحدى وعشرين سنة محاكمة بيير بيشو، وعلى رأس هيئة الدفاع والدي، ذكرت بهذه الواقعة في مرافعتي، مطالبا من المحكمة ألا يتكرر الأمر "بين إخوة جزائريين، إبطال المقاومة الجزائرية"، وانتقدت بشدة النائب العام الذي سمح لنفسه في آخر لحظة بإخراج وثيقة لم يطلع الدفاع عنها، تتضمن تهمة مباشرة لحسين أيت أحمد بالمسؤولية عن التمرد المسلح لبلاد القبايل ولكن رغم المرافعات الرائعة لهيئة الدفاع والمرافعة المتميزة التي ارتجلها حسين أيت أحمد شخصيا على غرار الثوريين الرومانسيين في الثلاتينات ت، فان الزعيم القبايلي حكم عليه بالإعدام. وفي اليوم الموالي احتفلت الجزائر بعيد الأضحى كأكبر أعياد المسلمين، وقد تقاطرت بالمناسبة على الرئيس بن بلة العديد من الملتمسات مطالبة بالعفو عن الزعيم القبايلي، ومن جانبي اتصلت بأحد أصدقائي من مستشاري الرئيس وأحد المقربين منه إسماعيل محروق، استغل بن بلة مناسبة العيد، ووافق على العفو عن أيت احمد وتخفيف حكمه الى السجن المؤبد، وسنرى فيما بعد أن بن بلة نفسه سيجني بعد أشهر قليلة ثمار هذا القرار... وأنا أتجول في المدينة، وقفت مشدوها أمام واقعة عاينتها شخصيا يوم العيد، غادر بن بلة بصحبة الوزراء والرفاق والحراس الشخصيين في الصباح القصر الرئاسي المشرف على العاصمة، وانحدروا مشيا على الأقدام ميممين شطرا المسجد الموجود أسفل المدينة فريبا من الميناء رويدا رويدا خرج من الأزقة القريبة، مئات ومئات مناضلي جبهة التحرير الجزائرية، ومن المواطنين العاديين، وانضموا جميعا الى الموكب الرئاسي وقد ربا عددهم وقت الصلاة على 100 الف جزائري وجزائرية يحيطون برئيسهم ويهتفون باسمه يا له من حماس فياض يحرك هذه الجموع الجذلانة ما أصدق الحب الذي يكنونه لرئيسهم بن بلة. التقى الرئيس بن بلة الملك الحسن الثاني في 12 ماي على الجدود الجزائرية المغربية ، ولكنه استبعد قصدا من المحادثات وزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة ونائبه ووزير دفاعه الهواري بومدين. وكان من المقرر أن ينعقد بالجزائر العاصمة بتاريخ 29 يونيو المؤتمر الثاني الإفريقي الأسيوي، أو "باندونغ" الثاني، وكان بن بلة يسعى بهذه المناسبة إلى أن يتوج رجل دولة ذات إشعاع دولي، ولكن عشرة أيام قبل المؤتمر في الليلة الفاصلة بين يومي 18 و 19 يونيو، سيعصف انقلاب عسكري بكل طموحاته.