بادرت الجزائر إلى شراء 600 ألف طن من القمح الطري كإجراء استعجالي أو إطفائي لتفادي الاضطرابات الاجتماعية ودعمت هذه المبادرة بالتوجه نحو شراء 500 ألف طن إضافية ،رغم أن مصادر إعلامية أفادت بأن سعر صفقة الأسبوع المنصرم تم على أساس سعر تراوح بين 360 و 365 دولارا للطن شاملة للشحن. الخيارات الاحترازية الاستعجالية فرضت نفسها على دول أخرى كمصر وليبيا والكويت، بل إن المخاوف من انتشار عدوى الثورة الشعبية التونسية، لتشمل دول الجوار ومناطق أخرى من العالم العربي، أضفت على القمة الاقتصادية العربية، التي انطلقت يوم أمس بشرم الشيخ بمصر، طابعا استثنائيا وفرضت على الجميع التوجه نحو البحث عن حلول عملية تسخر الاقتصاد في تحسين الأوضاع الاجتماعية ومحاربة الفقر والإقصاء. المخاوف المطروحة تظهر بشكل جلي، عند استحضار أهم المِؤشرات المتحكمة في نمط العيش، فلولا الثورة التونسية لما ترددت العديد من الدول في عكس ارتفاع أسعار القمح الطري بما يزيد عن 100 دولار للطن في ظرف سنة واحدة ليصل إلى ما يزيد عن 360 دولارا للطن، على المستهلك. ولولا الإحساس بمخاطر التمادي في حرمان أوسع الشرائح الاجتماعية من الحق في العيش الكريم، لما تحملت حكومات الدول العربية المستوردة للبترول فوارق السعر الناتجة عن ارتفاع سعر برميل البترول، أي 159 لترا، إلى ما يزيد عن 91 دولارا علما بأن التوقعات الأولية كانت قد حصرت هذا السعر في حوالي 75 دولارا. ما يخيف قادة العالم العربي يفرض نفسه حتى على باقي مراكز القرار، وخاصة منها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ترى في القادة العرب حلفاء استراتيجيين للنظام الليبرالي الذي تتزعمه. وإذا كانت الصدف الماكرة قد زامنت انعقاد القمة الاقتصادية العربية مع القمة الأمريكية الصينية، فإن المخاوف من انتشار الفقر في العالم ليست وليدة تراجع قدرة الطبيعة على إنتاج حاجيات السكان الحاليين للأرض، بقدر ما هي وليدة سوء توزيع الثروات وإخضاع نمط الإنتاج لعلاقات ينطبق عليها المثل المغربي القائل ««اخدم آلتاعس بسعد الناعس ».» إن ارتفاع سعر البترول والحبوب والزيت والسكر لا يخضع فقط لعوامل الإنتاج الطبيعية، ولكنه يخضع بشكل أكبر لقرارات سياسية مغلفة بغطاء اقتصادي من قبيل تقلبات أسعار الدولار وأسعار الذهب، ومن قبيل المضاربات التي تجعل المنتجين للثروة الحقيقية يعانون في سنوات الجفاف من مخاطر ضعف الإنتاج والجودة، وفي سنوات المحصول الوافر والجيد، من تدني الأسعار. لقد اضطرت الولاياتالأمريكية إلى تشديد الحراسة الأمنية على مصالحها عبر مختلف أنحاء العالم تحت غطاء الوقاية من الأعمال الإرهابية، واضطرت كذلك إلى ترحيل رعاياها وتمثيلياتها الدبلوماسية كلما لاحت في الأفق مخاوف الانفلات الأمني في بلد ما، وهذا الوضع لا يمكنه أن يستمر إلى الأبد، كما أن تجاوزه يحتاج إلى قرارات تفرض حماية الحلفاء وخاصة منهم قادة دول الاتحاد الأوربي الذين يواجهون السخط الشعبي الناتج عن ارتفاع حجم الديون الخارجية والداخلية وعن مطالبة المأجور من تمديد سن العمل إلى حد الحرمان العملي من الحق في التقاعد وما إلى ذلك من الإجراءات التي تثير السخط الشعبي وتفرض حتى على المتحكمين في القرار الاستثماري، ترحيل مقرات الإنتاج إلى الدول المتوفرة، وفق معاييرهم، على مناخ استثماري أكثر أمانا. لقد تحولت كل من الصين والهند إلى دول لها كلمتها المسموعة في المحافل الدولية المتحكمة في القرارات الاقتصادية والاجتماعية، وقد استطاعت الصين أن توظف أرصدتها التي تقدر بحوالي 3500 مليار دولار، في الضغط على الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي إقرار سياسة وطنية تتجه نحو رفع الأجور، ونحو تحسين شروط عيش سكانها الذين يزيد عددهم عن مليار نسمة.