تشكل التحاليل الطبية شبحا مرعبا للبعض، وأملا للبعض الآخر، وهي وإن اختلف موقف الفريقين حولها، فإن الغاية واحدة وهي الرجاء في أن تكون النتيجة مرضية ومطمئنة ولاتبعث على القلق أو الخوف، إذ أن أول ما يسأل عنه المريض حين يتسلم نتائج تحليلاته هو «هل كل شيء على مايرام » ؟ أمنية قد لاتتحقق دائما، لكن يبقى الأهم هو معرفة الوضعية الصحية الحقيقية للمعني بالأمر حتى وإن تم تشخيص مرض ما، لأنه كلما تم تشخيص المرض مبكرا كلما كانت إمكانية التدخل الطبي أكثر نجاعة، إلا أن هاجس الخوف يبقى دائما واردا سيما في الشق المتعلق بهامش الخطأ الذي يظل مستحضرا. خوف وقلق لايقتسمه المرضى فقط، بل هو حاضر في أجندة المهنيين، الذين ما انفكوا يناقشون هذا الأمر في ملتقياتهم العلمية، كما هو الشأن بالنسبة لأيام الجودة في مخابر التحاليل الطبية التي احتضنتها كلية الطب والصيدلة بالرباط يومي 22 و 23 نونبر 2010 من تنظيم الجمعية المغربية للكيمياء السريرية بشراكة مع الفدرالية العربية للكيمياء السريرية وشركة «بيوراد»، وهي اللقاءات التي تنظم كل سنة في دولة ما، وكان موعد لقاء سنة 2010 في المغرب حول موضوع « طريقة التحكم في مرحلة التحليل ». «الاتحاد الاشتراكي» التقت الدكتور محمد التويمي بنجلون حاصل على دكتوراة في الصيدلة والتحاليل الطبية من كلية «كلود برنارد» بليون بفرنسا، وله تجربة 25 سنة في مجال الصيدلة الإحيائية، ويشغل مهمة كاتب عام في الجمعية المغربية للكيمياء السريرية، وذلك لتسليط الضوء على مجموعة من الجوانب المرتبطة بهذا الموضوع، وأجرت معه الحوار التالي : { بداية دكتور، نريد منكم تعريفا عن الجمعية التي تتحملون مهمة كاتب عام بها، وتقريرا موجزا حول أيام الجودة التي أشرفتم على تنظيمها ؟ الجمعية المغربية للكيمياء السريرية، تأسست سنة 1983 ، وهي عضو في الفيدرالية العربية للكيمياء السريرية والطب المخبري منذ 22 سنة، والفيدرالية الفرنكفونية للبيولوجيا السريرية، إضافة إلى أنها عضو في الفيدرالية الدولية للكيمياء السريرية والطب المخبري منذ 25 سنة. هذه العضوية والشراكات تمكن أطر الجمعية من الاستفادة من عدة لقاءات علمية في مجال اهتمام المنتسبين إليها، وهنا أتى اللقاء الذي نظم بشراكة مع الفيدرالية العربية وشركة «بيوراد» في مجال نظام الجودة في المختبرات، حيث تساهم الشركة ماديا ومن خلال أطرها في تنظيم محاضرات ولقاءات علمية، ووضع رهن إشارة الجمعيات بعض العينات من المواد لمراقبة جودة التحاليل الطبية على الصعيد العالمي. { إذن فالجودة رهان أساسي لا يستأثر باهتمام وتفكير المرضى فقط ؟ بالتأكيد، فإن الجودة هي حاضرة في صلب اهتمام المهنيين وباقي المتدخلين، ويكفي أن نعلم أن الحدث البيولوجي الذي احتضنته الرباط هو مماثل لتظاهرات سنوية تنظم في مجموعة من الدول، وقد عرف مشاركة أساتذة وخبراء مغاربة وأجانب خاصة من فرنسا، وكان محوره الأساسي «طريقة التحكم في مرحلة التحليل»، لأن مسار نظام الجودة يعرف ثلاثة مستويات هي «ما قبل التحليل» «مرحلة التحليل» و «بعد التحليل». وقد تم خلال هذين اليومين التعريف بدور التقنيات الحديثة في المجال وتكوين الأطر التي تساهم في هذا التحليل، والتطرق إلى المراقبة الخارجية للجودة عن طريق عينات معترف بها دوليا، حيث استفاد من التظاهرة مختصون في التحاليل الطبية بالقطاعين العام والخاص، وتقنيو المختبرات وكافة المتدخلين. { كيف ترون مسار التحليلات الطبية في المغرب وحضور الجودة والمعاقبة في التشريعات القانونية للمهنة ؟ لقد عرفت التحاليل الطبية تطورا مهما خلال السنوات الأخيرة ، لأن هناك وعيا جديدا بأهمية إجرائها لتشخيص الأمراض، وشجع على ذلك أيضا نظام التأمين الإجباري على المرض مما رفع من حجم الطلب، وكذلك ترسانة القوانين المنظمة والمقننة للمهنة آخرها القانون 12.01 الصادر سنة 2007 . وتركز مجموعة من الفصول القانونية على نظام الجودة، إضافة إلى تنظيم المختبرات وكذا العقوبات المرتبطة بتسجيل أخطاء أو خروقات، وقد ساعدت هذه القوانين على تكريس هذه المهنة كمجال للطب الاختصاصي داخل المنظومة الصحية، وتنخرط في العملية كذلك هيئات وتنظيمات من قبيل هيئة الصيادلة الإحيائيين، ونقابة الإحيائيين والجمعيات المهنية العاملة في هذا المجال ومنها الجمعية المغربية للكيمياء السريرية. { هناك أنواع من التحليلات التي يتم إجراؤها خارج أرض الوطن، فهل ذلك راجع إلى عدم توفر مختبراتنا المغربية على الأطر المتخصصة والمكونة، أم لعدم توفرها على التقنيات المطلوبة للقيام بذلك، أم الأمر راجع للسعر، أم أن هناك أشياء أخرى ؟ تجب الإشارة إلى أن هناك ما بين 340 و 350 مختبرا خاصا للتحاليل الطبية بمختلف أنواعها على الصعيد الوطني، وعلى العكس من ذلك، فإن الأطر المغربية مشهود بكفاءتها ومردوديتها في هذا المجال، وأحدث التقنيات المعمول بها دوليا متوفرة في مختبراتنا المغربية، سواء منها العمومية أو الخاصة، وفي السياق ذاته فإن 95% من التحاليل المرتبطة بتشخيص الأمراض تجري في المغرب ومنها تحليلة PCR المرتبطة بداء التهاب الكبد الفيروسي «ب» و «س»، والتحليلة الجينية ...، وبكلفة أقل، إلا أن ذلك لايمنع من أن هناك بعض التحاليل التي تكون مرتفعة الثمن، إلا أنه بصفة عامة، فإن الكلفة في المغرب تكون أقل، لأن الأثمنة هي مقننة بقانون يحدد سعرالتحاليل الطبية، إضافة إلى العقدة التي تجمعنا مع الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، إلى جانب ملاحظة أساسية وهي أن هناك فصلا في القانون يمنع تصدير التحاليل الطبية التي تجري داخل المختبرات المغربية. المطلوب هو أن يتم تكريس مناخ من الثقة، فبعض الأطباء هم من يطالبون المرضى بإجراء هذه التحليلات خارج أرض الوطن، فضلا عن أنه يتعين خلق تواصل مؤسس بين الطبيب والمريض والمختبر لصالح المرضى ولصالح المهنة، ومن أجل مردودية ونتائج أكثر نجاعة. { هل ضعف الثقة هو سبب اعتماد نظام الجودة لتفادي الأخطاء، وما هي التدابير المتخذة في هذا الإطار؟ بالفعل ، فإن نظام الجودة أتى ليقطع مع هذا الأمر، وليقنن كل مراحل التحليلات الطبية، حتى يكرس جو الثقة بين جميع المتدخلين، إذ تبين أن الخطأ يبقى واردا ويمكن أن يقع منذ ولوج المختبر عند عملية تدوين الجانب المعلوماتي بالشخص كالاسم مثلا، أو لخطأ في وصفة الطبيب، أو خلل في التواصل بين المريض والكاتبة، أو خطأ في العينات من طرف الممرضات اللائي قد يضعن إسما غير إسم المعني بالأمر، ثم هناك أخطاء مرتبطة بالآليات، أو من طرف التقنيين، أو عند تضمين النتائج في الحاسوب ...، وهي كلها أخطاء تبقى نادرة وغير مقصودة، إلا أنها تتطلب من الإحيائي القيام بعملية تتبع واسعة للوصول إلى النتائج الصحيحة، لأنه محكوم بقاعدة الوسائل والنتائج. وبالتالي فإن نظام الجودة يقنن كل مرحلة بضوابطها القانونية التي يجب على كل مختبر احترامها ( دليل حسن تدبير التحاليل )، إضافة إلى تأكيده على دور لجان التفتيش التابعة لوزارة الصحة للوقوف على مدى تطبيق هذه التدابير. وفي السياق ذاته، فإننا نجد أنه في فرنسا هناك الحديث عن شهادة الجودة أو الاعتماد رقم 15.189 الذي يتعين أن تعمل به مختبرات التحاليل الفرنسية في أفق سنة 2016 وإلا ستواجه بقرار الإغلاق، وذلك حتى يتحمل كل مختبر مسؤوليته، وهو أمر محمود لأنه يخدم المصلحة العامة ويحتم التعامل مع المعطيات بحزم وجدية أكبر، إلا أنه في المغرب فإننا مازلنا بعيدين عن هذا الشعور رغم وجود إحساس بأهمية تتبع نظام الجودة، إلا أنه في حال اتباع نفس المنهج الفرنسي ومنح نفس الشهادة والاعتماد، ستكون المختبرات المغربية في مصاف نظيرتها الفرنسية خاصة وأن بلادنا تتوفر على الأطر ذات الكفاءة ونفس التقنيات الحديثة. { ما هي الخلاصة التي تركزون عليها ؟ هناك خلاصات متعددة أساسية في مجال التحليلات الطبية ومنها : - ضرورة التواصل بين الأطباء والإحيائيين والمرضى، وفي هذا الإطار فإن تضمين الأطباء وصفاتهم الطبية للإرشادات والتوجيهات الكلينيكية الخاصة بالمرضى هو أمر مهم. - تطور مجال التحليلات الطبية في المغرب يرجع إلى ترسانة القوانين الموجودة، وإلى دور التنظيمات والجمعيات المهنية التي تسهر على جلب كل ما هو جديد في المجال والتعريف بتطوره، وإلى البحث العلمي داخل مؤسسات القطاع العام، بالنظر إلى الكفاءات المغربية في هذا المجال. -الطموح في تطبيق كل القوانين المرتبطة بالمهنة لحمايتها حتى تكون أكثر مصداقية وأمانا وتقوم بدورها على أكمل وجه في تشخيص الأمراض ومواكبة التطور العلمي على جميع المستويات والاختصاصات.