قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... يحيى لقب "»رجل الورود"« وغيات أصبح قائد »"مظاهرات الورد بداريا«" الرجلان كانا ينسقان بشكل وثيق مع لجان التنسيق المحلية، أصبحا من أبرز أعداء النظام. قناعات غيات تبدو متناقضة مع بنيته الجسمانية القوية، وتوحي بتخوف حقيقي على مستقبل البلاد. وقد برزها في واحد من تعليقاته الأخيرة على الفيسبوك، عبارة عن وصية تؤشر على الكارثة القادمة "»لقد اخترنا اللاعنف، ليس جبنا أو ضعفا, بل عن قناعة اخلاقية. لا نريد أن نبلغ النصر بتدمير البلد بأكلمه«". يوم 6 شتنبر 2011 تم اختطاف يحيى وغيات من طرف مخابرات سلاح الجو، سلم جثمان غيات بعد أربعة أيام وعليه آثار التعذيب إلى زوجته التي كانت تنتظر مولودها الأول, بينما ظل يحيى في سجون النظام الذي اقتنع بأن اللاعنف هو أخطر أعدائه. بأسلوب اللاعنف لا يمنح أي مبرر للقمع، كما إنه يزرع الشك في صفوف جزء من الجيش النظامي، فهذا الجيش أعد لقمع حركات عنيفة إلا أنه يجد نفسه عاجزا ومحرجا أمام مناضلين ومتظاهرين سلميين، بل سيقر العديد من العسكريين في السر كم كانت مواجهتهم مع هذه الشبيبة، صعبة ومؤلمة. وقريبا سيفر العديد من الجنود من وحداتهم وسيشكلون نواة الجيش السوري الحر. بينما ستغرق داريا المدينة المسالمة في الدم على يد قوات الأسد. سوريا ليست قرغيزستان أو جورجيا. وفي الجحيم السوري الذي لا ينتهي لا يمكن »لورود الحوار« إلا أن تذبل في النهاية, ورغم القمع المتصاعد سيواصل السلميون معركتهم واعين بحجم التحدي الذي ينضاف إلى التحدي الديمقراطي المطروح على السوريين. الحفاظ على التعايش بين الطوائف والاثنيات. بل إن شبكة سلمية سرية جعلت "»السلمية«" محور معركتها: حركة" »نبض"»« يقودها أيمن حسين وهو شاب علوي من مدينة حمص, التحق بالاحتجاجات منذ مارس 2011. وحددت حركة "»نبض« "لنفسها منذ البداية هدفا مزدوجا: النضال سلميا ضد النظام وأيضا النضال ضد الطائفية الدينية. وستحاول حركة "نبض" »منذ الأشهر الأولى ضم الأقليات الدينية إلى صف الإحتجاجات بأوضح صورة ممكنة من أجل إضفاء الشرعية على هذه الأقليات وجعلها شريكا كاملا مع الأغلبية السنية المنخرطة كليا الى جانب الثورة، لأن المسيحيين في غالبتهم ظلوا منقسمين بين الحياد ازاء الصراع ودعم واضح للنظام. وهو موقف يظهر قلقهم على مصيرهم في بلد لا يشكلون فيه سوى 10% من السكان. وسيتعرضون لحملة دعائية سرشة معادية للثورة تصف منذ بداية التمرد المحتجين بالسلفيين المستعدين لتصفية كل الأقليات الدينية في البلد إذا ما نجحوا في إسقاط النظام. أما الأقٍلية العلوية, وهي أقلية شيعية ينحدر منها بشار الأسد، فستبقى في غالبيتها موالية للنظام، وبدأ بعض الثوار يشيطنونها تدريجيا ويتهمونها بالمشاركة الواسعة في حملات القمع المتصاعدة أو على الأقل تزكيتها بالصمت . الوحدة ازاء الدكتاتورية أحد ركائز النضال السلمي، جعل منه أيمن حسين شعاره مثل جمعية CANVAS الصربية التي ستشرف على تكوين عدد من أعضاء حركة "نبض" «تم اختيارهم من طرف حسام القتلبي من ليون أولاهاي. وعلى امتداد البلاد كان أعضاء حركة »نبض« يشاركون في المظاهرات ويرددون باستمرار نفس الشعار" ليس في سوريا سوى ديانتين، ديانة الحرية وديانة القمع« "مناضلون سنيون وبالأخص مسيحيون وعلويون يدا في يد متواجدين في وسط البلاد في مناطق متشبعة نسبيا بالعلمانية مثل حمص والسليمانية ويبرود والزابدني ودمشق. تعددت مبادرات حركة »نبض»: توزيع هدايا عيد الميلاد لفائدة الأطفال, مسيحيين ومسلمين. حملات في المدارس من أجل ابراز وتشجيع الوفاق بين الطوائف ونشر مبادئ التعايش السلمي، تنظيم وقفات بالشموع احتفاء بضحايا العنف وحملات كتابات حائطية وملصقات تدعو المواطنين الى الاحتجاج السلمي، حملات يتم تصويرها من طرف مناضلين في مدن ماتزال تحت سيطرة النظام مثل دمشق أو حلب، ليتم بثها بعد ذلك في حساب المنظمة السرية على اليوتوب. أيمن حسين 30 سنة، يحب الكلام، أكثر من صحفي ولو أنه يذكر دائما أنه من ضمن الصحفيين، حسين غادر عمله كمراسل في قناة "الدنيا" وهي قناة سورية خاصة موالية للحكومة، بعد أشهر من إندلاع الثورة، وكمراسل للقناة رغم أنه انضم الى الثورة سريا، كان يرافق جنود الجيش النظامي في مهامهم ويقدم بعد ذلك لأصدقائه معلومات ثمينة عن تحركات القوات الحكومية، ورؤية الجنود يتخلون عمدا عن أسلحتهم في المناطق التي التحقت بالتمرد من أجل تشجيع السكان على العنف وتبرير اللجوء الى القمع بعد ذلك, كل ذلك زاد من قناعة حسين في النضال السلمي، تشبث يجد تفسيره أيضا في الذاكرة الجماعية السورية التي لم تنس أبدا مجزرة حماة التي نفذها النظام السوري سنة 1982 ضد التمرد المسلح للإخوان المسلمين. تمكن أيمن حسين من تجميع حوال مائة من الأعضاء في حركته السرية، بعضهم استلهم قناعاته من مناهج وأفلام حركة CANVAS الصربية التي ذاعت شهرتها في العالم العربي بعد الثورة المصرية خاصة عبر روبورتاجات قناة »الجزيرة« القطرية وبشكل مناقض عبر التلفزة السورية، يقول ميلان الصربي "»بفضل الحملة المعادية للثورة التي قادها نظام دمشق، تمكن الكثير من الشباب السوري من معرفة CANVAS لأول مرة. وطيلة أسابيع، صورت الدعاية السورية سيردجا بوبوفيتش كعميل غربي يعمل على تدريب الإرهابيين، وبذلك جعلوا منه نجما، كان ذلك دعاية جيدة لجمعية CANVAS"