قررت الكتابة ضد النسيان والكذب والخسارة والتواطؤ، قررت الكتابة لأن الأسوأ ربما لازال قادماً ليس فقط في سوريا ... هذا الكتاب ربما يلخص معركة شعب عازم على إنهاء دكتاتورية عمرت 40 سنة . شعب يتطلع للحرية، لكنه يغرق يوماً بعد آخر في الجحيم أمام أنظار مجتمع دولي غير مبال ... هذا الكتاب هو حكاية ربيع سوري بدأ كميلاد للحرية لينتهي في خراب جهادي له أبعاد وتداعيات إقليمية ودولية ... أخبرني ميلان أن منظمة CANVAS تقوم في الواقع بتدريب مناضلين سوريين منذ 2007 وورشات التكوين على النضال غير العنيف كانت تتم في تركيا أو في الإمارات العربية المتحدة. قبل بداية الثورة كان الأمر يتعلق أساسا بأطباء ومحامين ومواطنين بعيدين عن أية شبهة, قادرين على الخروج من البلد دون أن يثيروا حذر السلطات السورية. لكن ظهر أن التعاون مع عدد كبير منهم صعب ومفهوم النضال السلمي لم يقنعهم. »كانوا معجبين بحزب الله رأس حربة المقاومة اللبنانية ضد المحتمل الإسرائيلي, والعنف بالنسبة لهم هو السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال أو حتى الدكتاتور« ,يوضح ميلان. مشكل الاختيار طرح نفسه بقوة على منظمة CANVAS عندما اندلعت الثورة سنة 2011، ولذلك قررت المنظمة التركيز على تكوين نشاطء شبان منخرطين في النضال السلمي ضد النظام، وسيلعب مناضل سوري لاجيء في هولندا يدعى حسام القتلبي دورا محوريا في مسلسل الاختيار هذا, بل وسيصبح الوسيط الرئيسي بين CANVAS والنشطاء في سوريا. حسام من أبناء مدينة السلامية قرب حمص ينتمي الى الأقلية الإسماعيلية السورية وحاصل على دبلوم في الأدب العربي من جامعة حلب، هاجر سنة 2009 هربا من قرار بالاعتقال صادر عن الأمن السياسي. وبعيدا عن أهله، كون عائلة مع شابة هولندية وانجب منها طفلا, لكن الهدوء والاستقرار الذي وجده في هولندا لم يبعده عن إلتزامه النضالي ضد النظام السوري. معركة بدأها والداه في سنوات 1980 وكانا أعضاء في الحزب العمالي الشيوعي. حسام كان عمره 8 أشهر عندما دخل والده ووالدته السجن في عهد حافظ الأسد سنة 1982 تربى الرضيع عند جديه ولن يرى والده معز إلا بعد الإفراج عنه سنة 1995. اكتشف معز إبنه وعمره 13 سنة، شاب أسمر خجول ومهتز نفسيا بسبب غياب أمه ملاك التي أفرج عنها سنة 1983 لكنها ستعود إلى السجن في عدة مناسبات حتى سنة 1985. المناضلة اليسارية قضت في السجن 18 شهرا لكنها ستكون موضوع أمر جديد بالاعتقال. وفي سنة 1987 ستدخل في سرية تامة, تهرب من مدينة إلى أخرى مع رفاقها في الحزب من دمشق إلى حلب مرورا بحمص. باستثناء لحظات قليلة مسروقة خلال العطل المدرسية، لن ترى ملاك ابنها حسام طيلة 14 سنة، ولن تخرج من السرية إلا سنة 2001 بعد وفاة حافظ الأسد. حسين حصل على الجنسية الهولندية. وجال في أوربا متعمقا في ثقافته. سحنته المتوسطية ووجهه المنحوت ونظرته الداكنة تتناقض مع صوته الدافيء وابتسامته الحزينة عندما يتحدث عن وطنه. في شتنبر 2010 اكتشف حسين باعجاب" »»المدرسة الصربية»" خلال ورشة نظمت ببروكسيل من طرف منظمة فريدوم هاوس الأمريكية حول موضوع "»الأمن الإلكتروني والنضال السلمي«". كان سينيشيا وهو مؤطر في منظمة CANVAS ينشط حلقات في النضال السلمي, كان يحضرها حسام لأول مرة رفقة نشطاء سوريين آخرين، ساعد المنظمين على اختيارهم، ارتبط حسام بصداقة مع سنيشيا ثم مع ميلان عندما اندلعت الثورة أصبح حسام محاورا أساسيا ل CANVAS لأنه إذا كانت استراتيجية المنظمة تتمثل عادة في انتظار الترشيحات وليس البحث عنها، فإنه في حالة بلد مغلق مثل سوريا، تأخذ المنظمة المبادرة لاستقطاب المناضلين وتبحث أولا عن أعضاء مجموعات منظمة مسبقا ومتشبثة بمبادئ النضال السلمي. بالنسبة لميلان سيكون حسام مرشده المثالي, "»كان يعرف جيدا أهمية إفراج أجود المرشحين من سوريا. كان يقترح علينا شبكات من النشطاء كان يختار أبرزهم ليحضروا مجتمعين ورشاتنا. كانت بيننا ثقة تامة" ومنذ صيف 2011 أصبح حسام مؤطرا يعمل لحساب CANVAS. بدأت الثورة السورية تنتظم, وعين حسام عضوا في المجلس الوطني السوري, أبرز تحالف للمعارضة ضد نظام بشار الأسد، وظل يشتغل في إطار المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي اشتغل منذ 2011 على رصد وإقامة قاعدة معطيات وملفات قانونية موجهة للمحكمة الجنائية الدولية على أمل محاكمة جرائم الحرب السورية في المستقبل. وأصبح حسام أيضا عضوا في المكتب السياسي للجان التنسيق المحلية التي تؤطر وتنسق الإحتجاجات في مجموعة سوريا. وشكلت خزانا هائلا للنشطاء المؤطرين من طرف CANVAS. تكوين العديد من مناضلي لجان التنسيق المحلية من طرف المنظمة الصربية سيؤثر بشكل كبير على الإسراتيجية الاحتجاجية لهذه اللجان وستظل الحركة الإحتجاجية سلمية بشكل واسع طيلة عدة أشهر. كما أن المنظمة الصربية ستجد الميدان معدا في بعض المناطق السورية وخاصة في درايا, مهد النضال السلمي في سوريا, هذه البلدة الواقعة إلى الحزب من دمشق. كانت في طليعة الاحتجاج السلمي ضد ا لنظام منذ 1999. حيث درست مجموعة شباب درايا نظرية اللاعنف وكثفت المبادرات المواطنة السلمية بقيادة الشاب يحيى الشرباجي. وهو طالب شاب تتلمذ على يد الشيخ جودت سعيد (المفكر الشركسي الذي اعتبر العنف الشر الأكبر، ويعتبر أحد المنظرين الإسلاميين الأوائل الذي حاول إدخال مفهوم اللاعنف في العالم الإسلامي.« سيتم اعتقال يحيى في ماي 2003 رفقة 17 من رفاقه وقضى في السجن سنتين زادت من قناعاته السلمية، وستعطيه الثورة السورية بعد 8 سنوات أرضية خصبة وفرصة تاريخية. طيلة ربيع 2011 تظاهر يحيى وشباب درايا حاملين أغصان الزيتون والورود, رافعين شعارا سيتبناه بعد ذلك كل المتظاهرين في سوريا »"سلمية سلمية« "ومع غياب مطر الذي سيصبح أيضا من دعاة اللاعنف، كان يحيى ورفاقه يهدون الجنود الذين جاؤوا لقمعهم، يهدونهم قنينات المياه مع رسائل تناشدهم عدم إطلاق النار "»نحن اخوانكم، لا تقتلونا، الوطن واسع بما يكفي ليضمنا جميعا«".