وقف مشدوها أمام خزانة الكتب يرمق بعينيه، يتصفح عناوين الكتب، حرارة اليوم الأول من رمضان لم تمنعه من المسير نحو مكتبات الحبوس ليشبع نهمه وعشقه للكتب.. التفت قليلا نحو اليسار باحثا عن من يؤنس وحدته في البحث عن كتب جديدة، لم يجد أحدا مثله يعشق الكتب ويبحث عنها، فقرر المغادرة وعاد من حيث جاء والحسرة بادية عليه. ترك الكتب على حالها تنتظر من يحملها ، من يضمها ، من يقرأها. إنه القارئ الوحيد الذي صادفناه بمكتبات الحبوس.. مكتبات الحبوس ، اختير لها مكان بعناية، بالقرب من القصر الملكي بالدار البيضاء، فعندما تجوب حي الحبوس او الاحباس ، الذي يعد من المعالم التاريخية في مدينة الدارالبيضاء، حيث يعتبر الحي فضاء ثقافيا وحضاريا بامتياز ، يشدك المكان بأجوائه الهادئة ، و تصاميمه المعمارية الفريدة من نوعها، المستلهمة من الثقافة الإسلامية، و بأقواسه وأسواره التي ترمز للهلال. منطقة الحبوس تعرف حركة غير عادية في شهور العام ، لوجود أسواق الحرفيين «الدلالة « و محلات لبيع الجلابيب المغربية والأحذية الجلدية ، وأخرى مخصصة للأوانٍي الفضية والنحاسية ، كما تجد محلات بيع الحلويات المغربية التقليدية، التي تعرف إقبالا أكثر في الشهر الكريم، وحركة دؤوبة، ورواجا تجاريا متميزا يطبع المنطقة بسحر خاص. في حي المكتبات توجد 50 مكتبة متراصة ومتجاورة، وعنوانها الأبرز العزوف المهول عن القراءة . «الاتحاد الاشتراكي» عاينت الإقبال الضعيف مقارنة مع قيمة هذه المكتبات لما تتضمنه من كنوز فكرية ومعرفية وأدبية ، حيث تعرض كل ما جادت به المطابع ، سواء من داخل المغرب أو من خارجه ، في مختلف التخصصات ، والتي تؤمن للزائر أعدادا كبيرة من المصاحف و كتب الفقه و الحديث ، و كتب التراث ، والأدب ، والشعر والرواية المغربية وآخر الإصدارات الثقافية العربية في مجالات الفكر والسياسة والأدب، و أيضا هناك حضور وازن للكتب الفرنسية، والأجنبية عموما ، وتعود ملكيات هذه المكتبات قبل أكثر من خمسين سنة إلى بعض التجار القادمين من فاس، الذين فضلوا المتاجرة في الكتب. علي أحد مرتادي المكتبات قال في تصريح ل «الاتحاد الاشتراكي» ، إنه جاء لكي يعرف ما هو الجديد في الكتب المسرحية ، مؤكدا أنه اقتنى بعض الكتب التي كان في أمس الحاجة إليها ، خاصة كتاب المسرح المغربي «. وقال صديقه ،» إنه يأتي كل شهر الى المكتبة لاقتناء ما جادت به المطابع العربية و المغربية ، خصوصا الكتب الدينية ، والطب و العلاج بالأعشاب» ، وأضاف «هذه كتب أحب أن اقرأها لأنها تحمل قيمة مضاعفة « ! في الجهة المقابلة ، مكتبة تلفت انتباهك بكتبها العريقة والجديدة وجمالية الفضاء، يجلس عند المدخل الرئيسي صاحب المكتبة ، توجهنا نحوه بلطف لسؤاله عن أحوال القراء والقراءة فقال : «إن الإقبال ضعيف و الحالة مزرية لا في رمضان او غير رمضان «، مضيفا « إن الأمر صعب جدا لأن أغلب المغاربة يملؤون بطونهم فقط ولا يملؤون عقولهم» . و تابع «ثقافة الكتاب لا تدخل في منظور الأسر المغربية كما ان المناهج الدراسية المسطرة في التعليم لها دور في هذا التراجع المخيف» . فيما ذهب أحد مسيري المكتبة ، إلى « أن المقروئية ترتفع في شهر رمضان ، نظرا للوقت الذي يوفره هذا الشهر» ، وفي سؤالنا عن نوعية الكتب التي يقتنيها الزبناء» ،أضاف ،» لا توجد نوعية محددة من الكتب ، هناك أنواع مختلفة من الكتب كالرواية و القصص ، و الكتب الدينية ، هذه الأخيرة تعرف بعض الإقبال في هذا الشهر الكريم لتعميق الجانب الديني». وتابع ، «إن أسعار الكتب في متناول جميع الناس وهي تتراوح ما بين 30 درهما فما فوق حسب طبيعة وحجم الكتاب ، ونوعيته والجدة التي يحتوي عليها واسم الكاتب وحتى دار النشر وطبيعة وجمالية الكتاب «. واصلنا البحث والتقصي عن أحوال القراء بأعرق مكتبات البيضاء، ولجنا إحدى المكتبات، حيث صرح لنا صاحبها محمد قائلا « إن المكتبة تعرف هذه الأيام إقبالا خاصا على كتب تفسير القرآن وعلومه ، وكتب السيرة النبوية ، و حياة الصحابة ، وفقه السنة ، ومنهج المسلم ، لكن الآن مع دخول الشهر الكريم ، فالإقبال ضعيف بالمقارنة مع السنوات الماضية « . وقال «طارق «، بائع بإحدى المكتبات «إن كتب الطبخ تطورت كثيرا عما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية ، ما جعلها تلقى رواجا طيلة أشهر السنة ، فهناك الخاصة بالأكلات كل فصل على حدة ، وأخرى بالأكلات الخفيفة التي تتماشى مع شهر رمضان ، بالإضافة إلى تلك المخصصة للحلويات التقليدية المغربية ، لكن شهر رمضان يشهد ذروته في الإقبال على هذا النوع من الكتب»مضيفا وهو يقلب صفحات أحد الكتب الجديدة ، «أن الكتب الدينية ، و القرآن الكريم وكتب التفاسير وكتب الفقه تسجل نسبة مبيعات عالية خلال رمضان ، لما يحمله رمضان من أجواء روحانية يعيشها المغاربة وكذلك الكتب الفقهية التي تتعلق بأحكام الصيام». وبلغة حكيمة وصوت خافت ، تحدث إلينا رجل طويل القامة يرتدي لباسا مغربيا أصيلا بجلبابه الأنيق وطربوشه الأحمر ليقول من بين رفوف الكتب حيث كان ينصت لحديثنا جيدا وهو يهم بشراء بعض الكتب التاريخية: « إذا لم تجد كتابا في الحبوس ، لا تبحث عنه في مكان آخر ، لأن الحبوس موطن العلم و المعرفة « .