في ظل تنامي آفة العزوف عن القراءة ٬ يقبل المغاربة خلال شهر رمضان المبارك بشكل ملحوظ على اقتناء ومطالعة مختلف أنواع الكتب والمطبوعات ٬ مما يشكل ظاهرة لافتة للانتباه تجعل من هذا الشهر مناسبة للمصالحة مع الكتاب وإعادة الاعتبار لمكانته المعرفية ورسالته التثقيفية. فإلى جانب الصلاة وباقي العبادات التي يحرص الصائم على القيام بها للتقرب إلى الله عز وجل٬ يحضر فعل القراءة بشكل قوي خلال شهر رمضان كوسيلة للتثقيف ولتزجية الوقت مع طول ساعات الصيام خصوصا وأن هذا الشهر يتزامن هذه السنة مع العطلة الصيفية. في هذا السياق أوضح رئيس قسم الأنشطة الثقافية والتواصل في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية٬ إبراهيم أغلان٬ أنه بالرغم من أن المغاربة يقبلون عادة على القراءة "بشكل ملحوظ " خلال رمضان٬ إلا أن هذا التقييم ٬ في نظر إغلان ٬ لا يستند إلا إلى بعض المؤشرات ٬ وذلك "في ظل غياب أرقام وإحصائيات دقيقة٬ الأمر الذي يحول دون تقديم تشخيص مدقق ومضبوط لواقع العزوف عن القراءة في المغرب بشكل عام". ومن الملاحظ أن الكتب الأكثر طلبا واقتناء خلال شهر رمضان هي الكتب الدينية التي تحتل الصدارة من حيث المبيعات. وهو الأمر الذي يؤكده عدد من المكتبيين٬ حيث أوضح السيد عبد المنعم الهراق المسؤول عن القسم العربي بإحدى المكتبات وسط العاصمة٬ في تصريح مماثل٬ أن الكتب الدينية المشكلة من المصحف الشريف والتفاسير وكتب الفقه تسجل "نسبة مبيعات عالية " خلال رمضان٬ تليها في المرتبة الثانية كتب الطبخ والحلويات التي يكثر الإقبال عليها خلال شهر رمضان. وفي هذا الصدد٬ تعتبر نادية (54 سنة / موظفة في القطاع العام) ٬ أن شهر رمضان مناسبة مواتية لتعميق معارفها في المجال الديني٬ من خلال مطالعتها للكتب الدينية ٬ فضلا عن إقبالها على اقتناء كتب الطبخ بحكم خصوصية المائدة المغربية خلال هذا الشهر الكريم. ومن المطبوعات التي تسجل إقبالا متزايدا لا يقل أهمية عن الكتب الدينية خلال شهر رمضان٬ الجرائد والمجلات٬ لاسيما وأن بعض الجرائد تفرد صفحات خاصة بالشهر الكريم تتناول على الخصوص مواضيع تاريخية ودينية٬ وهو ما يؤكده محمد (48 سنة) صاحب كشك للصحف وسط العاصمة٬ موضحا أن هذا الإقبال تتزايد وتيرته بعد صلاة العشاء والتراويح. وبخصوص مدى الإقبال على رفوف المكتبة الوطنية للمملكة المغربية خلال شهر رمضان٬ أوضح السيد أغلان٬ أن هذا الإقبال هو " أقل بكثير " بالمقارنة مع باقي فترات السنة٬ وخاصة الفترة الممتدة ما بين شهري شتنبر وماي٬ وهي الفترة التي يبلغ فيها عدد المنخرطين في المكتبة ذروته بعدد يتراوح ما بين 120 و150 منخرط بشكل يومي. وعزا أغلان هذا التباين حسب الفترات إلى عاملين أساسيين٬ هما تزامن رمضان مع العطلة الصيفية التي عادة ما يقل فيها الإقبال على المطالعة وتكثر فيها ممارسة الأنشطة الترفيهية٬ إضافة إلى استعداد المكتبة الوطنية لإغلاق أبوابها من أجل عمليات الصيانة في مطلع غشت القادم. ومن جهته٬ أبرز السيد محمد عبوتيم رئيس مصلحة خدمات العموم بالمكتبة الوطنية٬ في تصريح مماثل٬ أن عدد المترددين على المكتبة٬ إلى حدود الأسبوع الأول من شهر رمضان لهذه السنة٬ تراوح ما بين 90 و100 شخص بشكل يومي أغلبهم من الباحثين والمهنيين٬ مضيفا أن نسبة الإقبال تتصاعد بشكل ملحوظ ابتداء من الساعة الحادية عشرة صباحا. ومن جهة ثانية يشكل المعرض الجهوي للكتاب بالرباط الذي دأبت الجمعية الجهوية للكتبيين بجهة الرباطسلا زمور زعير٬ على تنظيمه بشراكة مع وزارة الثقافة٬ طيلة شهر رمضان٬ مناسبة سنوية لتكريس فعل القراءة خلال الشهر الكريم. ويعزو المنظمون اختيار شهر رمضان كموعد لتنظيم هذه التظاهرة السنوية إلى تزايد إقبال الزبناء على قراءة الكتب بمختلف أصنافها خلال هذا الشهر الكريم .وتتنوع معروضات هذا المعرض٬ في نسخته لهذه السنة٬ بين الكتب الدينية نظرا للمبيعات القياسية التي تسجلها خلال شهر رمضان٬ إضافة إلى الكتب الموسوعية٬ وكتب الطفل٬ والكتب الترفيهية٬ كما يضم المعرض جناحا للكتب المستعملة. وبصرف النظر عما إذا كان الأمر يتعلق بشهر رمضان الأبرك حيث يكثر الإقبال على فعل القراءة نظرا لخصوصية هذا الشهر الفضيل٬ أو أي فترة أخرى من فترات السنة٬ فإن إشكالية العزوف عن القراءة تظل مطروحة بحدة٬ وتبقى أفضل السبل للحد من هذه الآفة٬ تحبيب وتحفيز الناشئة على القراءة في سن مبكرة ٬ وهنا تكمن أهمية الدور الرئيسي المطلوب من الأسرة أن تضطلع به من أجل تحقيق هذه الغاية السامية التي تجعل من الكتاب ٬ كما قال أبو الطيب المتنبي٬ "خير جليس في الزمان"