تحظى كتب الطبخ برواج خلال الشهر الكريم بدرجة أكبر من أي وقت آخر. كل المؤشرات تؤكد على أن دور النشر التي تهتم بطبع هذا النوع من الكتب، قد استعادت نشاطها وحيويتها، ولا نجازف بالقول إن العديد منها، لا يكاد ينشط إلا في مناسبتين اثنتين: رمضان والدخول المدرسي. فمع حلول الشهر الأبرك، أغرقت رفوف المكتبات وأرصفة الشوارع، بأنواع كثيرة من كتب الطبخ والحلويات والعصائر، وبلا شك أن ناشري هذا النوع من الثقافة، قد درسوا سوق القراءة جيدا، واكتسبوا الخبرة في هذا المجال، وإلا ما كانوا ليقوموا بهذه المجازفة، خصوصا مع سيادة الاعتقاد بوجود أزمة قراءة فادحة. الناشر هو تاجر، ولذلك لا يعقل أن يجازف بالمتاجرة في سلعة يعرف أنها كاسدة. إن طبع ونشر والمتاجرة في كتب الطبخ، مشروع يذر أرباحا أكثر بكثير من كتب الشعر والفكر وما إلى ذلك. ولعل أفضل مناسبة للرفع من وتيرة عرض هذا النوع من الكتب، هو رمضان. فعلى أرصفة الشوارع، سواء في الدارالبيضاء أو في غيرها من مدننا، لا ينبغي أن نفاجأ عندما نجد كتبا متفاوتة الأحجام وملونة، جنبا إلى جنب مع الأواني المنزلية، ويمر مواطنون من شرائح مختلفة ويحملون هذه الأشياء ويضعونها في كيس واحد. غير أن الوحيد الذي يمكن أن يشعر بالحسرة، وهو يرى مشهدا مماثلا، هو الكاتب، ولا شك أنه يحلم حينذاك بأن يتم التقاط إصداراته بالحماس ذاته من طرف هؤلاء القراء البطنيين ووضعها في كيس واحد جنبا إلى جنب مع أواني المطبخ. هناك نوع من الكتب، عادة ما يحظى برواج خلال شهر رمضان كذلك، نقصد به القرآن الكريم في صيغته الورقية، غير أنه من الملاحظ أن وتيرة الإقبال على اقتنائه، صارت تعرف انخفاضا، ليس بسبب قلة الإيمان، حاشا لله، ولكن بسبب دخول منافس آخر قوي على الخط، يتعلق الأمر بالهواتف الذكية والألواح الإلكترونية، حيث صار العديد من القراء يفضلون قراءة القرآن عبرها، خصوصا في شهر العبادة والغفران هذا؛ فعوض أن يذهب أحدهم للبحث عن مصحف ورقي، صغر حجمه أو كبر، صار يفضل أن يضغط على أزرار ليجده معروضا أمامه بدون متاعب. لكن كتب الطبخ في صيغتها الورقية، لا تزال تحظى بإقبال كبير على اقتنائها، رغم أن مضامينها يمكن العثور عليها ضمن الشبكة العنكبوتية، ربما لأنها أكثر مرونة في استعمالها من أي وسائط أخرى. هذه الدينامية التي تميز الثقافة المرتبطة بشهوة البطن، خلال شهر رمضان أكثر من غيره من الشهور، لا تنحصر في الكتب، بل تمتد إلى المنابر الإعلامية، ولهذا من الملاحظ أن العديد من الصحف الورقية والالكترونية على السواء، وضعت خانات خاصة بوصفات الطبخ، ووسعت مساحاتها، ومنها ما أصدر سلسلات بهذا الخصوص كذلك، كما أن الإعلام السمعي البصري، أضاف إلى خريطة برامجه، عدة مواد لها ارتباط بالطبخ والأكل والشراب، أذكر كمثال على ذلك، إذاعة شذى إف إم التي تعاقدت خلال هذا الشهر مع باحث في مجال التغذية؛ لتنشيط برنامج حمل عنوان: ما لذ وطاب. المثير أنه حتى خارج رمضان، يظل صنفان من الكتب في الصدارة من حيث الإقبال على شرائها: الكتب الدينية وكتب الطبخ، وهذا نلاحظه بالملموس سنة بعد أخرى، خصوصا خلال المناسبات الكبرى لعرض الكتب، من قبيل المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدارالبيضاء، وهو ما يجعل العديد من الكتبيين والناشرين، يسايرون هذا التوجه؛ فليس هناك تاجر يقبل أن تبور تجارته. يمكن أن نستسيغ رواج كتب الطبخ في مناسبة عيد الأضحى مثلا، لكن أن تحظى هذه الكتب في رمضان بالذات، بإقبال لافت جدا، شيء يبعث على التساؤل، علما بأن رمضان هو شهر الصيام، وليس شهر الأكل. لا بد أن الإقبال على قراءة كتب الطبخ في الشهر الفضيل، له بعد نفسي أكثر من ارتباطه بالأكل؛ فعند الحرمان من الطعام والشراب، نحاول أن نعوض هذا الحرمان بقراءة ومشاهدة الصور الملونة الخاصة بأنواع المأكولات والعصائر. رغم كل هذه الثقافة المنتشرة في كل الأماكن، مات العديد من القراء بسبب الأكل الخطأ، ولا يزالون يموتون للسبب ذاته.