عرفت الساحة الغنائية العربية، قبل بداية النصف الثاني من القرن الماضي، ظهور موجات حداثية ، شكلت انقلابا جذريا على مستوى القالب الكلاسيكي القديم (التخت العربي ) المشبع بالإيقاع العثماني والفارسي. اشتهر هذا النوع المحدث بشكل جعله يهيمن على الساحة الغنائية العربية من المحيط إلى الخليج، وصار حديث العام والخاص، إذ غزا جميع البيوت العربية، ساعده على ذلك انتشار الراديو الذي أضحى الوسيلة المثلى لإيصال المواد الثقافية والفنية إلى المستمع من مختلف الأعمار. وقبل ذلك كانت الأغنية العربية، كما هو معروف ، قد عرفت مراحل تطورات كبرى وألوانا جديدة، لكنها كانت بشكل متذبذب ومراحل إنتاجية متباعدة نظرا لوجود عقليات فنية تقليدية يغلب عليها طابع التمسك بالأصالة. فتأثير الموسيقار محمد عبد الوهاب على الموسيقى العربية أحدث تباينا جليا بين مؤيدي فكرة إطلالة الموسيقى العربية على الحداثة، ومناهضيها، بدعوى الأصالة وعدم الانغماس في الفن الغربي، إلا أن أصواتا أخرى حبذت الأمر ، باعتبار أن أي تطور من شأنه إخراج الفن العربي من قوقعة التخت الروتيني إلى موسيقى إيقاعية متحركة، وقد ظهرت وقتئذ أسماء مجددة ، كعبد الحليم حافظ. أما بخصوص الساحة الفنية المغربية، فقد تأثرت بالتغييرات التي طرأت على الموسيقى العربية ، والمصرية على وجه الخصوص، وكان لتجربة المرحوم الحسين السلاوي وقع مؤثر على مسار العديد من الفنانين في أواسط القرن الماضي ، الذين رأوا بدورهم أن الرقي بالأغنية المغربية يعد وجها من أوجه الحرية الفنية المتنوعة والمعبرة، لاسيما وأن المغرب كان يرزح تحت وطأة الاستعمار، حيث إن أغنتي لميريكان وحضي راسك يا فلان خير معبر عن الحالة النفسية والاجتماعية للمواطن آنذاك. بعد الاستقلال ظهرت موجات غنائية عصرية متأثرة بالموسيقى العربية إيقاعا وأداء، من أبرز أسمائها احمد البيضاوي والمعطي البيضاوي وعبد القادر الراشدي و محمد فويتح والمعطي بلقاسم وغيرهم، إذ يشكلون رواد الأغنية المغربية العصرية. بعد ذلك ظهرت أسماء صاعدة مجددة ثارت على التقليد الشرقي، وأدت أغاني مغربية لحنا وشعرا كعبد الوهاب الدكالي صاحب أغنية الطوموبيل وعبدالهادي بلخياط بلادي ، ابراهيم العلمي افران واللائحة طويلة. وفي أواسط الستينات ظهرت القصيدة المغربية ذات الأبعاد الشعرية العربية والألحان العصرية، ولعل تزاوج أشعار المبدع عبد الرفيع الجواهري وألحان الفنان عبد السلام عامر، أحدثت طفرة فنية مغربية تستحق الوقوف عليها ودراستها بشكل أعمق كرائعتي ميعاد والقمر الأحمر. وصلت الأغنية المغربية، إذن، مرحلة كان لابد من ضخ دماء جديدة بآليات متعددة، فظهر ملحنون مجددون ومطربون متألقون كمحمد الحياني، كما ظهرت موجات غنائية تتلاءم والوضعية الراهنة، يميل بعضها إلى التيار الغربي كالإخوان ميكري - بأغانٍ ناجحة ك»ليلي طويل» و»يا مرايا»، و أخرى ترمي إلى سبر أغوار التراث المغربي وجعله قريبا من أذن المستمع، والتعبير عن رفضها لوضعيتها الاجتماعية النفسية والفكرية، متخلية عن النمط القديم كالظاهرة الغيوانية أو ما يصطلح عليه بأغاني المجموعات. موازاة مع ذلك ظهرت الأغنية الحديثة لفنانين مخضرمين، تجمع بين ما هو تراثي وحداثي ك»جرح قديم» «طبيب» و»مرسول الحب»و «ياك الجرح برا». كما ظهرت فنانات مغربيات عاصرن الأغنية المغربية سيما بعد الاستقلال كبهيجة وأمينة إدريس وسعاد محمد وغيرهن من المطربات المغربيات. ولعل أغنية «ياك اجرحي» للفنانة المغربية نعيمة سميح، جعلت الفن المغربي يصل إلى أقطار عربية بعيدة. الموسيقى المغربية في الوقت الراهن ، حسب العديد من المختصين، تعاني من الركود، المتمثل في عدم موازاتها للأذن الحالية، ذات الميولات المتعددة، ومن ثم ينبغي البحث عن السبل الناجعة من أجل إعادتها إلى مستواها المعهود، وجعلها تواكب ركب التطور الفكري والفني لمغربي القرن الواحد والعشرين.